اللامبدئية.. الأيديولوجيا الوحيدة لأميركا كيف انعكست على الثورة السورية؟

2024.09.28 | 05:49 دمشق

آخر تحديث: 28.09.2024 | 05:49 دمشق

ترامب
+A
حجم الخط
-A

السياسة الدولية التي تقودها الدول العظمى مثل أميركا، روسيا، والصين ليست سوى تغطية وتمهيد لتغيير الخرائط كل بضعة عقود عبر العالم. فأميركا وروسيا تعلنان الحرب لتصحيح الأخطاء السياسية المتراكمة التي لم تتمكنا من تصحيحها عبر الدبلوماسية. وبعد انتهاء الحرب، ترسم الدول المنتصرة الخرائط الجديدة وتضع الخطوط العامة للمستقبل، كما فعلت الدول المنتصرة في الحربين العالميتين الأولى والثانية، سواء من خلال تأسيس عصبة الأمم أو لاحقاً الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإدارة العالم وفقاً لرؤيتها ومصالحها بعد الحرب.

تستخدم الدول الكبرى، وعلى رأسها أميركا وروسيا والصين، والأنظمة الراسخة في العالم العربي والشرق الأوسط، مثل إيران ونظام الأسد وأشباهه، أساليب متناقضة لإحكام السيطرة على شعوبها. فهي تعلن دعمها للديمقراطية، لكنها في الوقت نفسه تدعم الإسلام المتطرف أو البوذية المتطرفة لمحاربتها. وتدعي التسامح الديني، لكنها تغذي سراً العنف والكراهية عبر إمبراطوريات إعلامية هائلة. الأنظمة الراسخة، رغم ادعاءاتها بالمبدئية، لا تحمل أيديولوجية حقيقية، بل هي أنظمة نفعية أنانية، تسعى لتحقيق مصالحها من دون اكتراث بالمبادئ أو الأيديولوجيات، فهي تتحالف مع أقصى اليمين كما اليسار في ذات الوقت.

أما أميركا وروسيا والصين، فلا ترفع أيديولوجية محددة سوى أيديولوجية السيطرة والمنفعة.

أميركا بالفعل استخدمت التنظيمات المتطرفة كأداة لتحقيق أهدافها، مثلما تحالفت مع الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفييتي بحجة الشيوعية، ثم تحالفت مع الشيوعيين الأكراد (PKK) ضد تركيا، في تحالفات غير واضحة الأسباب. وفي أوقات مختلفة، تراخت مع النظام السوري تكتيكياً، رغم أنها أظهرت علناً أنها ضده، لكنها استراتيجياً دعمته بطرق غير مباشرة.

التحالفات الأميركية المتناقضة تجلت أيضاً في دعمها للخميني ضد الاتحاد السوفييتي ثم بناء منظومة أميركية-إيرانية-إسرائيلية لاحتواء الخليج. وقد وقفت أميركا عملياً ضد الثورات العربية، بما في ذلك الثورة السورية، إذ دفع الشعب السوري الثمن من جراء العقوبات التي فرضتها على النظام، مما أدى إلى سياسة إبادة تشمل النظام والشعب معاً.

فيما يخص سوريا، استمر الدبلوماسيون الغربيون لسنوات بالتمسك بسؤال يوجهونه لكل وفد معارض: "ما هو البديل عن الأسد؟" وكأنهم يلمحون إلى أنه لا بديل عن الأسد، أو أن أي بديل يجب أن يكون شخصية سهلة القيادة وتابعة لهم. طالما أن المعارضة السورية لا تستطيع تقديم شخصية مثل الأسد، فإن النظام سيظل قائماً بدعم إيران وروسيا.

مواقف أميركية متعددة من الثورة السورية
كانت مواقف المسؤولين الأميركيين تجاه سوريا والثورة السورية متقاربة إلى حد ما. فهيلاري كلينتون كانت أكثر دعماً للثورة، في حين كان الرئيس أوباما يميل إلى الحياد الممتعض، أما جون كيري فقد ظهر بوضوح بموقف داعم للأسد وروسيا. من جهة أخرى، اختلف ترامب في مواقفه، فتراوحت بين تجاهل الثورة ورغبته بتدمير الأسد بعد فوزه بالرئاسة.

في قمة العشرين عام 2012 بالمكسيك، قال أوباما لبوتين: "إما أن ينأى المجتمع الدولي بنفسه ويكتفي بمراقبة تقطع سوريا، وإما أن تستعمل روسيا قوتها في الدفع نحو حل سياسي". وبعد سنتين، كلفت أميركا روسيا بالملف السوري، وهو ما انعكس لاحقاً في القرار 2254، الذي يسمح عملياً لأعداء الشعب السوري بتقرير مصيره. وقد أوضح ذلك أندرو إكسوم، نائب وزير الدفاع الأميركي السابق، في محاضرة أمام الكونغرس بقوله: "اتفقنا مع روسيا لحماية نظام الأسد لأن سقوطه سيشكل خطراً على أمن إسرائيل".

عمل كيري ولافروف على اجتماعات فيينا 1 وفيينا 2، وبعد اجتماع "رباعي فيينا"، صرح كيري بأن التخلص من بشار الأسد لم يعد مطروحاً، على الرغم من تصريحاته السابقة بأنه يجب أن يرحل.

أما ترامب، فقد كان موقفه متطرفاً في تجاهله للثورة السورية، إذ ركز في مناظراته مع كلينتون على محاربة داعش ودعم التحالف مع روسيا وإيران ضدها، واعتبر الأسد جزءاً من الحل. في المقابل، كانت كلينتون تريد مواجهة روسيا عسكرياً بسبب قصفها للمدنيين، ولاسيما مأساة حلب، ودعت إلى تسليح الأكراد والعرب السنة لمواجهة داعش.

على الرغم من دعم كلينتون للمعارضة، فقد نُقل عنها تصريح مثير للجدل، حين قالت: "لا يمكن أن تكون هذه معارضة يمثلها أشخاص عاشوا خارج سوريا لسنوات طويلة. يجب أن يكون هناك تمثيل لأولئك الموجودين على الخطوط الأمامية". 

ختاماً، لابد من الإشارة إلى أن تصريحات ترامب أظهرت رغبته الشخصية بتدمير الأسد، ولكن الحسابات الاستراتيجية الأميركية حالت دون ذلك. ما يُقال شيء وما يحدث شيء آخر في عالم السياسة، وهو ما يبدو سياسة ثابتة ليس فقط في أميركا، بل في كل بلد من هذا العالم.