جغرافيا ممزقة.. ما هو موقع الأمم المتحدة على الخارطة اليوم!!

"العالم لا يسير بهذه الطريقة".. هكذا عبرت الممثلة الأميركية أنجلينا جولي عن إحباطها بعد عشرين عام من العمل في الأمم المتحدة، حدث هذا في لقاء أجرته معها المخرجة السورية وعد الخطيب، دار فيه الحديث عن الأوضاع الكارثية التي يعاني منها الشعوب في بعض من دول العالم المشتعلة بالحرب أو المرهونة للفقر والبؤس.

عملت جولي، مبعوثة خاصة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لكنها تخلّت عن هذا الدور وصرحت أنها ستظل ناشطة في المجال الإنساني، وأنها تريد مواصلة العمل مع اللاجئين خارج المنظمة العالمية.

حتى الآن قد يبدو الخبر عادياً لكن الحوار الذي دار بينها وبين المخرجة السورية وعد الخطيب، يخفي في ثناياه خيبة أمل كبيرة وخذلانا وصلا إلى نقطة الإحساس بعدم الجدوى، وهو أمر بدا أنها اختبرت نتائجه من خلال عملها المستمر في العمل الإنساني ومن خلال جولاتها الميدانية المتعددة.

لذلك كانت النتيجة أنها قررت الانسحاب واستمرارها في محاولة مد يد العون وحدها، بعد أن غيرت رأيها بمفاهيم تتعلق بحقوق الإنسان واكتشاف زيف مفهوم العدالة، ومفاهيم أخرى كثيرة عن المحاسبة وتقديم أولوية المصالح الدولية على أهمية العقاب على الجرائم المرتكبة بحق هذه الشعوب.

يمكننا القول أيضاً إن حقوق الإنسان كانت وهماً باعوه لنا وقتلونا باسمه وأفنينا أعمارنا في سبيله من دون طائل

أوضحت في لقائها أيضاً أن فكرة الدفاع عن حقوق الإنسان وتطبيق العدالة يطبق بشكل جزئي، بقولها سوف نعطي لبعض الناس هذه الحقوق والعدالة، وربما نعطيها بشكل مؤقت لبعض آخر، لكن بعضهم لن يحصل عليها أبدا"، وهو أمر أدركته الغالبية العظمى منا إذ بدا من الواضح أن إرساء مفهوم العدالة أمر متعلق برغبة وأولوية خطط اللاعبين الدوليين الكبار الذين يديرون دفة القيادة في العالم.

تصبح العدالة من وجهة نظرهم إذن فكرة استثمارية، يستثمرونها في المكان الذي قد يكون مناسباً لمصالحهم، ويمكننا القول أيضاً إن حقوق الإنسان كانت وهماً باعوه لنا وقتلونا باسمه وأفنينا أعمارنا في سبيله من دون طائل.

منذ أسابيع أيضاً عبر أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بقوله "إن دولاً متوسطة مثل إسرائيل وإيران وتركيا، تتمتع اليوم في بعض الأزمات بنفوذ أكبر من أعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمين"، وهو أمر يخفي في باطنه أن فعالية وتأثير هذه الدول أكثر نجاعاً على الأرض، من تأثير بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين.

وعلى أننا أصبحنا على دراية بأن بعض هذه الدول ما هي إلى ممثل شرعي أو مندوب سامٍ للدول الكبرى في المنطقة تتحرك وفقاً لمصالحها وأوامرها، لكن تلك الحقيقة تُبدي لنا نتيجة واضحة وبسيطة، وهي أن الأمم المتحدة لا تمارس الدور المنوط بها حقيقة وأن هذا الدور ربما أصبح أكبر من مقدراتها، واحتمال أنها لم تكن سوى واجهة لتغطية خطط وعمليات الدول الخمسة الكبار وهو الاحتمال الأرجح.

ما الذي فعلته الأمم المتحدة في خلال عقد من الزمن على أقل تقدير؟، ماذا أضافت في أزمة سوريا كونه المشهد الأكثر حضوراً اليوم في أذهاننا كسوريون، وماذا قد تقدم للفلسطينين اليوم بعد أن عجزت عن منحهم حقهم في أن يكونوا مواطنين آمنين في أرضهم وهو أقل ما يطلبه إنسان على وجه الأرض؟؟!!!

على الرغم من أن الجوهر الذي أدى إلى خلق فكرة الأمم المتحدة هو العمل على منع الصراع، ومساعدة أطراف النزاع على صنع السلام، ونشر قوات حفظ السلام، وتهيئة الظروف للسماح للسلام بالازدهار، لكنها اليوم تكتفي بالعمل مثل أي منظمة إغاثية وتكتفي بإصدار بيانات وإحصائيات لا تقدم فيها حلاً ملموساً وجذرياً أو ملزماً لوقف العنف.

تجمع الأمم المتحدة سنوياً تبرعات تكفي على الأرجح لحلّ المشكلات التي يعاني منها المنكوبون، لكننا نرى أن المخيمات ما زالت تعاني من المشكلات نفسها، وأن المواطنين المهجرين بقيوا في الدول التي هُجّروا إليها، وأصبحوا يعولون أنفسهم أو بعضهم الآخر ويحاولون شق طريق خاص بهم.

أكثر من عقد مرّ.. لم يجد السوريون ضالتهم بتحركات الأمم المتحدة التي لم تجدِ نفعاً، ولم تقدم حلاً حقيقياً واقتصرت على توزيع المعونات الغذائية التي لا تُغني ولا تسمن من جوع، وعلاوة على ذلك تحجمت وتضاءلت كمياتها حتى أصبحت غير قادرة على سد رمق المحتاجين هي الأخرى.

تضاءلت مهام الأمم المتحدة مع الوقت أيضاً.. حتى أصبحت أقل من أن تُرى بالعين المجردة فلا هي استطاعت تحقيق سلم ولا عدالة، ولا استطاعت إخفاء زيف مهامها الإنسانية وكيلها بمكياليين، وبدا أن أصغر منظمة دولية غير ربحية تستطيع أن تحلّ محلها وربما تكون قادرة على أداء هذه المهمات، من دون أن تتكبد عناء الإنفاق الذي تنفقه على الإعلانات الضخمة، والتعاقد مع مشاهير تمنحهم أجوراً باهظة، وتخصيص ميزانية لذلك تكفي وحدها لحل مشكلة المخيمات التي تتجدد كل شتاء على أقل تقدير.

تخضع الأمم المتحدة لإرادة الممول وتبقى أداة لتنفيذ خططه، وأسوأ من ذلك أنها قد تصبح مركزاً استخبارتياً شرعياً رفيع المستوى

منذ تأسيس الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية والدمار الذي حلّ بالعالم على إثرها، كانت قد وُكّلت بمهمة مركزية واحدة: صون السلم والأمن الدوليين، وإذا كان هناك مؤسسة يمكنها أن تحاسبها اليوم، فعليها أن توجه لها أسئلة تتعلق بمدى فعالية الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها بعد، أو على الأقل أن تحاول وضع حدود للإنفاق غير المحدود الذي لا يؤدي إلى هدفه.

لكن ذلك يبقى مجرد أمنيات صعبة المنال، فالمشكلة هنا أن الدول الخمسة الكبار الذين ذكرهم غوترش في حديثه وهم الأعضاء الدائمون لمجلس الأمن، هم من يأمرون وينهون ويمولون ويخططون، وبالتالي تخضع الأمم المتحدة لإرادة الممول وتبقى أداة لتنفيذ خططه، وأسوأ من ذلك أنها قد تصبح مركزاً استخبارياً شرعياً رفيع المستوى، لديه من الإحصائيات والدراسات الاجتماعية والأبحاث المتعلقة بتفاصيل الشعوب ما يكفي لقراءتها وتحليلها وتفصيل خطط على مقاسها، بينما نبقى نحن مخدوعين بفكرة أن الأمم المتحدة هي الصانع الأول للسلام، مثلما كنا مخدوعين بمفاهيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان على الدوام.