"كنا عايشين" بالفعل؟

2024.09.09 | 05:54 دمشق

5666666666
+A
حجم الخط
-A

ينقسم السوريون اليوم بين مؤيد ومعارض، كما كانوا منذ بدء الحراك في عام 2011. يرى بعضهم أن الحياة في سوريا قبل الثورة كانت جيدة إلى حد بعيد، وأن من خرجوا ضد النظام قد بالغوا في مطالبهم، وكان يتحتم عليهم بفعل الوازع الوطني الاكتفاء بما كانوا يتمتعون به من مأكل ومشرب وملبس، كي لا يجرّوا بلادهم إلى حرب من أجل "ترف" الحصول على ما يُدعى بالحقوق السياسية.

حُكِم على الحياة السياسية في سوريا قبل اندلاع الثورة بسيطرة حزب البعث منذ عام 1963، وكانت السلطة مركّزة في يد الرئيس وأجهزة الأمن. حافظَ حافظ الأسد على حكمه بقبضة حديدية منذ عام 1970 حتى وفاته في عام 2000، حين تولى ابنه بشار الأسد السلطة. وقد عُرف عهده بقمع المعارضة السياسية، تقييد حرية التعبير، انعدام النزاهة الانتخابية، الاعتقالات التعسفية، والتعذيب والإخفاء القسري.

عاشت البلاد تحت قانون الطوارئ منذ عام 1963، مما منح السلطات صلاحيات واسعة للاعتقال والمراقبة، وعزز قدرة النظام على قمع المعارضين.

عانى الاقتصاد السوري من ارتفاع معدلات البطالة والفقر، مع تفاوت كبير في توزيع الثروة بين الفئات الاجتماعية المختلفة. الفساد كان السمة العامة المسيطرة في الدوائر الحكومية، مما أدى إلى تدهور جودة الخدمات العامة مثل التعليم والصحة مع مرور الوقت.

وعلى الرغم من الاستقرار النسبي المزعوم، إلا أن هذا الاستقرار لم ينعكس على تحسن فرص العمل أو فتح آفاق مجتمعية. بل كان مجرد وسيلة لتحجيم قدرة الإنسان بقوة السلاح لضبط الشارع والسيطرة على الحكم.

ببساطة، كانت سوريا تعيش تحت نظام استبدادي قمعي، مع اقتصاد يعاني من مشكلات هيكلية كبيرة وبيئة اجتماعية مشحونة بالإحباط والتوتر، مما مهد الطريق للثورة في عام 2011.

إذا أردنا أن نكون منصفين كي لا نصادر الرأي الآخر، هل لنا أن نتخيل ولو قليلاً كيف سيكون وضع البلاد في حال لم تحدث الثورة؟ كيف سيكون حال السوريين اليوم؟

قد عاشت سوريا تحت قانون الطوارئ الذي استمر لعقود، وشهد انتشار ثقافة التقارير الكيدية وعدم جرأة المواطنين على انتقاد السلطة السياسية أو الحكومة.

سيطر النظام السوري على البلاد بقبضة أمنية مشددة. ربما كان السوريون سيعيشون في ظل استقرار نسبي، لكن هذا كان سيأتي على حساب الحريات السياسية والمدنية. من المحتمل أن يستمر القمع، دون أي آفاق للإصلاحات السياسية أو تحسينات كبيرة في حقوق الإنسان.

وكان من الممكن أن تكون الأوضاع الاقتصادية أكثر استقرارًا، حيث لم يكن هناك تدمير للبنية التحتية. لكن الأوضاع الاقتصادية قبل الثورة كانت تعاني من مشكلات هيكلية كبيرة مثل الفساد والبطالة وتركز الثروة بيد قلة محسوبة على النظام ورجاله.

ربما ستكون البلاد بعيدة عن ساحة الحروب الدولية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنها ستكون في مأمن من الانهيار، بمعنى أن الإطار الجميل الذي ظهرت فيه البلاد لم يكن سوى قشرة خارجية تخفي جذرًا متآكلًا أفسدته عقود من الإهمال والكسب غير المشروع.

تُعرف أجهزة الأمن السورية، وخاصة المخابرات، بسمعتها السيئة في معاملة المعتقلين. كان الاعتقال يُجرى لأسباب سياسية، ولم يمنع ذلك الأجهزة الأمنية من اعتقال الصحفيين والناشطين والمواطنين بشكل تعسفي. وقد عاشت سوريا تحت قانون الطوارئ الذي استمر لعقود، وشهد انتشار ثقافة التقارير الكيدية وعدم جرأة المواطنين على انتقاد السلطة السياسية أو الحكومة.

حتى لو افترضنا عدم وجود سبب للثورة في ظل الظروف المثالية، فإن وجود المعتقلات مثل سجن تدمر العسكري وفروع التحقيق الشهيرة وسجن صيدنايا وغيرها تمثل سببًا كافيًا للثورة، بما تعكسه من قمع سياسي وانتهاكات لحقوق الإنسان.

تختلف النظرة إلى الثورة السورية والنتائج التي ترتبت عليها بين السوريين، وتعتمد على تجربتهم الشخصية وظروفهم. هناك من يشعر بالندم على ما آلت إليه الأمور، خاصة بسبب الدمار الكبير وسقوط مئات الآلاف من القتلى وتهجير الملايين. بالنسبة لهم، ربما كان الوضع سيصبح أفضل لو لم تحدث الثورة.

في المقابل، هناك من لا يزال يؤمن بمبادئ الثورة وحق الشعب في الحرية والكرامة والعدالة، ويرى أن التضحيات كانت ضرورية لمواجهة النظام.

لقد اكتفى السوريون سابقًا بوجود الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، لكن الاقتصاد وإن نما، كان لفائدة فئات محددة. الفساد كان مستشريًا، والاقتصاد مُسيطرًا عليه من قلة مرتبطة بالنظام.

الانقسام بين السوريين يعكس تعقيد الوضع. بينما يشعر البعض بأن الثورة جلبت دمارًا أكبر مما جلبته من تغييرات إيجابية، هناك من يرونها استجابة طبيعية ومبررة للظلم والاستبداد، حتى لو كانت النتائج كارثية.

بالمجمل، يمكن القول إن الشعور بالندم موجود لدى البعض، لكنه ليس الشعور الوحيد بين السوريين. هناك أيضًا إصرار على المطالبة بالحقوق الأساسية، رغم الثمن الباهظ الذي دُفع.

يدّعي البعض أن الحياة قبل الثورة كانت أفضل من حال الشعوب العربية الأخرى. لكن تلك "المكتسبات" كانت تأتي على حساب قمع الحريات والحقوق الأساسية للمواطن.

لقد اكتفى السوريون سابقًا بوجود الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، لكن الاقتصاد وإن نما، كان لفائدة فئات محددة. الفساد كان مستشريًا، والاقتصاد مُسيطرًا عليه من قلة مرتبطة بالنظام.

رغم مزاعم محاولات الإصلاح السياسي في عهد الأسد الابن، إلا أنها كانت تجميلية فقط، والنظام بقي قمعيًا. كان الهدوء النسبي في البلاد نتيجة الخوف، وليس الرضا الشعبي.

لا يمكن اعتبار "المكتسبات" قبل الثورة بديلاً عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. الاستقرار والتنمية اللذان كانا موجودين قبل الثورة كانا مبنيين على أسس قمعية. في غياب الحريات والعدالة الاجتماعية، لا يمكن الحديث عن مكتسبات حقيقية تخدم جميع المواطنين.

لقد كانت الثورة نتيجة طبيعية لتراكمات الظلم والحرمان من الحقوق الأساسية. المطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان هي أساس أي مجتمع يسعى لتحقيق العدالة والمساواة.