icon
التغطية الحية

تصعيد بين حزب الله وإسرائيل.. لبنان المعتل أساساً يستعد للأسوأ والسوريون وسط ذلك

2024.08.23 | 18:13 دمشق

آخر تحديث: 23.08.2024 | 18:12 دمشق

23454
المبنى الذي استهدفته إسرائيل يوم السبت الماضي في النبطية بالجنوب اللبناني
The Washington Post- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بقي الشرق الأوسط على شفير تصعيد طوال أسابيع وهو ينتظر هجوم إيران الانتقامي على إسرائيل، لدرجة بات كثيرون يخشون من أن يفجر التصعيد حرباً شاملة. وفي الوقت الذي يخيم على الأجواء هدوء قلق، ومع إعلان طهران بأنها ستأخذ وقتها قبل الرد، يواصل العنف الاحتدام بصورة يومية على الحدود بين لبنان وإسرائيل.

استهدفت إسرائيل ما أعلنت أنه مخابئ لأسلحة حزب الله على الحدود شرقي لبنان، بعمق يصل إلى 80 كيلومتراً داخل البلد، فرد حزب الله بهجمات أعمق داخل إسرائيل، وأطلق يوم الأربعاء أكثر من 50 صاروخاً ومسيرة باتجاه مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.

"مركز ثقل" العمليات العسكرية الإسرائيلية قد ابتعد عن عزة واتجه نحو الحدود مع لبنان، بحسب ما أعلنه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال هذا الأسبوع، واصفاً الغارات الأخيرة التي استهدفت مستودعات الأسلحة بأنها: "مجرد استعداد لأي شيء ممكن أن يحدث".

في لبنان الذي يعاني بالأصل من شلل سياسي وانهيار اقتصادي طال أمده، أعرب الناس عن إحساسهم بأنهم قد وقعوا بين ناري الطرفين المتحاربين، مع خشيتهم من ألا يكون هنالك أي مخرج من هذا الوضع. ففي الجنوب اللبناني الأفقر حالاً، حيث يسيطر حزب الله ولهذا كانت الهجمات أشد، يتحمل اللاجئون السوريون العبء الأكبر من العنف الحاصل مؤخراً.

والعداوة بين إسرائيل وحزب الله مستمرة منذ عقود، فقد حارب الطرفان بعضهما في حربين كبدتهما كثيراً من الخسائر من دون أن تصل أي منهما إلى حسم الأمور. وحزب الله هو من أشعل فتيل الجولة الأخيرة من الأعمال العدائية وذلك بعد يوم واحد على هجوم السابع من تشرين الأول على إسرائيل، إذ شن غارات في الداخل الإسرائيلي دعماً لحماس.

سياسة حافة الهاوية

طوال أكثر من عشرة أشهر وقعت خلالها هجمات وهجمات مضادة، تسببت بنزوح آلاف المدنيين من كلا الطرفين على جانبي الحدود، أخذ كل طرف يوسع مدى وصوله ويشدد من نبرة خطابه ضد الطرف الآخر، لكن كلا الطرفين تجنبا أي مواجهة شاملة، ولهذا يخشى المحللون والسياسيون من عدم صمود سياسة حافة الهاوية لفترة أطول.

خلال الشهر الماضي، تسبب صاروخ أطلق من لبنان بمقتل 12 طفلاً في قرية داخل الجولان المحتل، ولهذا أنحت إسرائيل والولايات المتحدة بلائمته على حزب الله الذي أنكر مسؤوليته عن الغارة، فرد الجيش الإسرائيلي عبر اغتيال فؤاد شكر، وهو قيادي رفيع لدى حزب الله مقرب من زعيمه حسن نصر الله. وبعد يوم على ذلك، اغتيل زعيم حركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، وفي الوقت الذي لم تعلق إسرائيل على الهجوم، سارعت لإخبار مسؤولين أميركيين بعد ذلك عن مسؤوليتها عن العملية.

ومنذ ذلك الحين والمنطقة تحبس أنفاسها ترقباً لما سيحدث، إذ في خطاب لحسن نصر الله ألقاه خلال هذا الشهر، أعلن بأن مقاتليه سيردون "بصرف النظر عن العواقب"، ولكن ترك إسرائيل في حالة ترقب "هو جزء من العقاب" على حد تعبيره.

وفي الوقت الذي يبدو الضغط الجديد المدعوم أميركياً نحو إحياء محادثات وقف إطلاق النار في غزة قد تأثر بالحسابات الإيرانية وحسابات حزب الله، لا يمكن لهذين الطرفين وقف التصعيد على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية إلى أجل غير مسمى، وذلك بحسب ما ذكره ديفيد هال الذي شغل منصب السفير الأميركي في بيروت خلال الفترة ما بين 2013-2015.

يعلق هال على الوضع بقوله: "قطعاً يسود إسرائيل إحساس يدفع نحو عدم تكرار ما حصل مرة أخرى، ولكنهم لا يستطيعون العودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل السابع من تشرين الأول، وذلك عندما كان أحد الخصوم يصعد الوضع، في حين يضبط الخصم الآخر سير الأمور"، ومن دون مسار دبلوماسي واضح لإبعاد حزب الله عن الحدود، يرجح هذا الرجل لإسرائيل أن توسع عملياتها العسكرية.

الأسلحة كذريعة للقصف

في يوم السبت الماضي، قتلت غارة جوية إسرائيلية استهدفت مدينة النبطية في الجنوب اللبناني عشرة مدنيين بحسب ما أعلنته السلطات اللبنانية، لتكون تلك الهجمة الأعنف من نوعها على لبنان منذ تشرين الأول الماضي، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي بأن المبنى المستهدف ليس إلا مستودع أسلحة لحزب لله، من دون أن يرد عندما طلب منه التعليق على مقتل المدنيين.

ضربت الغارة منطقة صناعية تقع على أطراف المدينة، وهي عبارة عن حي متداع معظم العاملين فيه سوريون، وأغلبهم نزحوا بسبب الحرب، ويعيشون على الكفاف بوصفهم عمالاً ليس لديهم ما يقدمونه سوى جهدهم، وينامون في أماكن عملهم.

أنكر حسين طهماز وهو صاحب ذلك البناء، وجود أسلحة داخل المبنى، وذلك لأن مواد البناء تحفظ في الطابق الأول حسب قوله، في حين يقيم العمال في الطابق الثاني، وقد قتل تسعة من العاملين لديه في تلك الغارة.

وذكر طهماز بأنه لا وجود لأي شيء يربطه بحزب الله أو غيره من الميليشيات، كما أنه ليس بمسلم متدين، إذ قال وهو يضحك ضحكة غاضبة: "إنني رجل يعشق النساء ويلاحقهن ويسكر ولا تربطني أي علاقة بأي تنظيم"، وداخل مكتبه، استرجع مقطع فيديو صورته كاميرات المراقبة ليلة الغارة، ويظهر فيه سقف بلاستيكي وقضبان معدنية وضعت في مستودع فارغ، وهنا تساءل: "أترون أسلحة في هذا المشهد؟"

أما العاملون الذين يقيمون في موقع العمل بالطابق الثاني فقد ذكروا بأن الغارة أيقظتهم من نومهم، وكسرت زجاج النوافذ، وحطمت السقف بشظاياها. وكانت شدة الغارة عظيمة حسبما وصف أحد الرجال، لدرجة أنها ألقت بشخصين إلى الشارع، ولكن لم تتسبب الغارة بوقوع انفجارات جانبية حسبما ذكر الشهود، إذ إن هذا ما يحصل عندما يستهدف مستودع يحتوي على ذخائر.

"الوضع في سوريا أسوأ"

وبالحديث عن الوضع تقول أمون غدرة، 33 عاماً، وهي امرأة تعمل في فرز البلاستيك من القمامة في ذلك الشارع، بإنها توقعت للعنف أن يشتد في لبنان، إلا أنها لن تفكر بالعودة إلى بلدها مهما حصل، وتقول: "الوضع أسوأ بكثير في سوريا، إذ إنهم يرمون البراميل المتفجرة هناك" في إشارة إلى الغارات العشوائية التي شنها النظام السوري خلال الحرب.

sdfsd
أمون غذرة

أعلن لبنان عن تحديث مستمر لخطة الطوارئ التي وضعها في شهر تشرين الأول الماضي وذلك لتجهيز المشافي وغيرها من المرافق الحكومية في حال نشوب نزاع أوسع، ولكن لبنان قبل كل ذلك غير قادر بالأصل على توفير الخدمات الأساسية لمواطنيه.

إذ أعلنت شركة الكهرباء التابعة للدولة اللبنانية خلال الأسبوع الماضي عن نفاد الوقود في آخر محطة بالبلد تعمل على توليد الطاقة، وهذا ما أجبر المطار الوحيد، وموانئ لبنان وسجونها على الاعتماد على مصادر طاقة بديلة. ثم إن معظم البيوت في لبنان لا تصلها الكهرباء التي تمدها بها الحكومة سوى بضع ساعات في اليوم، ولهذا يعتمد الناس على مولدات كهرباء خاصة ومكلفة لسد هذا النقص.

كما أعلن فراس عبيد وزير الصحة اللبناني بأن حالة انقطاع الكهرباء التي عمت البلد صعبت أمر تجهيز المشافي استعداداً لأسوأ وضع يمكن أن يحدث، وقال: "عندما لا يكون لديك إمكانيات إضافية، عندئذ لابد من استهلاك كل مورد بشكل رشيد، وهذا هو التحدي الرئيسي الذي نواجهه في الوقت الحالي".

بقي شخصان ممن أصيبوا بجروح بسبب الغارة التي استهدفت النبطية في العناية المشددة بجنوبي لبنان، إذ يعاني حسان موسى، 19 عاماً، من إصابات بليغة في ساقه ومعدته ويده، أما حسين حسين، 21 عاماً، فقد بترت ساقه بسبب التفجير، ويعاني من إصابات في ظهره ووجهه. ونقل الشابان إلى مستشفى قريب تابع لحزب الله والذي حافظ على تأييد الناس له في معاقله عبر تقديم خدمات عجزت الدولة عن تقديمها لهم.

كانت المرافق المجهزة بشكل جيد مزدحمة لكنها منظمة، أما الأطباء الذين ارتدوا ملابس العمليات الجراحية، فقد زينوا صدورهم بدبابيس تحمل صور مقاتلي قتلى من حزب الله. وفوق مكتب الاستعلامات علقت لوحة فسيفسائية ملونة للمرشد الأعلى لإيران.

أدخل الأطباء الشابين المصابين بغيبوبة باستعمال العقاقير الطبية، أما من سهر على راحتهم فكان حسان أحمد موسى، 51 عاماً من مدينة حلب السورية، ويقيم حالياً في بيروت، ويشرح سبب وقوفه إلى جانبهما بأن حسان ابن شقيقه، أما حسين فهو ابن عمه، ولهذا فهو أقرب قريب هنا لهذين الشابين، بما أن قريبين آخرين من عائلته قتلا في تلك الغارة.

أخذ أقاربه في سوريا يراسلونه ليسمعوا منه آخر التطورات، وعن ذلك يقول موسى: "ظل شقيقي يطلب مني أن أرسل له صورة لحسان، ولكني لا أستطيع لأني لم أخبرهم بكل شيء"، إذ تتقاطع الأنابيب والأسلاك فوق سرير ابن شقيقه في المشفى لتصله بجهاز تنفس.

يخبرنا هذا الرجل بأن حزب الله أرسل سيارة إلى بيروت بعد الهجوم لتنقله إلى الجنوب، كما أمن له مكاناً ليبيت فيه داخل المشفى.

جلس عاملان في المشفى بجانب الرجل وهو يجيب على أسئلة الصحفيين داخل مكتب ضيق، وعلى طاولة المكتب، كان هنالك فنجان كبير من القهوة كتب عليه: "أنا (قلب) الإنعاش القلبي الرئوي" وبجانبه ظهر علم حزب الله الأصفر. أما موسى فقد شكر الحزب مراراً وتكراراً، وهو ينظر للمسؤولين أثناء تفوهه بذلك، وخاصة عندما قال: "بيننا احترام متبادل".

  

 المصدر: The Washington Post