تبتعد اهتمامات الولايات المتحدة شيئاً فشيئاً عن سوريا وما يجري فيها من أحداث، بعد أن تسلّم الرئيس الأميركي جو بايدن زمام الأمور في البيت الأبيض، كما بدأت مواقفها المتصلبة وخطوطها الحمراء التي وضعتها حيال الملف السوري بالتلاشي، لا سيما ما يخص التطبيع مع نظام الأسد، وإعادة العلاقات معه.
تراجُع التأثير الأميركي في سوريا، دفع المعارضة السورية للتحرك سياسياً، في محاولة لإعادة الملف السوري إلى أولويات جو بايدن، ووضع حد لخطوات التطبيع مع نظام الأسد، وتوسع روسيا في شمال شرقي البلاد، وتصعيد قصفها في الشمال الغربي منه، وتنامي علاقاتها مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، التي تعدّ حليفةً لواشنطن في سوريا.
من بين الخطوات التي اتخذتها المعارضة، زيارة وفد من الائتلاف الوطني السوري للولايات المتحدة، وعقد نحو 48 لقاءً مع مسؤولين ودبلوماسيين أميركيين، ومنظمات وجمعيات تعمل في أميركا، بهدف وقف تدهور سياسة واشنطن تجاه القضية السورية، وإعادة وضع الملف السوري على خريطة الأولويات لدى إدارة بايدن.
إضافة إلى ذلك، بدأت الجالية السورية في الولايات المتحدة بترتيب أوراقها، والتحالف فيما بينها للأهداف نفسها، وكان من أولى ثمرات تعاونها، تشكيل "التحالف الأميركي من أجل سوريا"، بعد أشهر من الاجتماعات واللقاءات والنقاشات، التي يبدو أنها تكللت بالنجاح.
"التحالف الأميركي من أجل سوريا"
أعلنت 9 منظمات تعمل في الولايات المتحدة، في 22 من تشرين الأول الجاري عن تشكيل "التحالف الأميركي من أجل سوريا"، بعد اجتماع عقد في واشنطن ضمّ ممثلي تلك المنظمات، لإقرار النظام الداخلي، ووضع محددات مستقبلية لنشاط التحالف لمدة عام.
ويضم التحالف تسع منظمات، هي "أميركيون من أجل سوريا حرة"، و"باك سوريا الحرة"، و"لائحة كيلا باك"، و"مواطنون من أجل أميركا آمنة"، و"منظمة دعم العدالة"، و"سوريون مسيحيون من أجل السلام"، و"مبادرة الأديان من أجل سوريا"، و"المجلس السوري الأميركي"، و"المنتدى السوري".
وذكر مدير منظمة "سوريون مسيحيون من أجل السلام"، أيمن عبد النور، أن الاجتماع الأول للمنظمات المؤسسة للتحالف، ركز على كيفية وطرق التواصل مع الإدارة الأميركية والكونغرس، وتنظيم العمل والتواصل مع وسائل الإعلام، وتوحيد الرسائل بين مختلف المنظمات، لكي يصبح تأثيرها أكبر، وتصل إلى الجهات المعنية.
وقال عبد النور خلال حديث خاص لموقع تلفزيون سوريا، إن المنظمات وضعت خطة عمل للعام 2022، وتهدف بشكل أساسي إلى تقديم القضية السورية بشكل أقوى في الولايات المتحدة، وإعادة اهتمام الإدارة الأميركية والكونغرس بالملف السوري، واقتراح حلول يمكن أن تفيد السوريين، وتضع قضيتهم دائماً في أذهان المسؤولين في الولايات المتحدة.
وأضاف أن المنظمات ترغب بدفع الملف السوري قدماً، من خلال التواصل مع الخارجية والإدارة الأميركية، والبيت الأبيض والكونغرس، ووسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الأميركية، وكذلك إجراء لقاءات مع المنظمات والجهات المجتمعية هناك.
فكرة التحالف تعود إلى عامين والهدف دعم الشعب السوري
وفقاً للدكتور زاهر سحلول، رئيس "مبادرة الأديان من أجل سوريا"، فإن فكرة التحالف الأميركي من أجل سوريا، بدأت منذ عامين بالتشاور بين بعض الناشطين ورؤساء المؤسسات السورية الأميركية، إلى أن تكللت المشاورات بإطلاق التحالف، وإقرار النظام الداخلي.
وأفاد سحلول في حديث لموقع تلفزيون سوريا بأن التحالف يضم "تسع مؤسسات مهمة"، شاركت في "المناصرة والتواصل مع صناع القرار الأميركي في الكونغرس والإدارة الأميركية"، مضيفاً أن التحالف مفتوح أمام كل المؤسسات السورية الأميركية المهتمة بدعم الشعب السوري بتنوع أطيافه وجغرافيته، وقضيته العادلة، بغض النظر عن الانتماء العرقي والديني والأيديولوجي.
وأشار سحلول إلى أن التحالف يمكن أن يقوم بدور فعال لدعم الشعب السوري، خاصة أنه يمر بظروف إنسانية صعبة، بسبب "الحرب الطويلة والبطش وتضارب المصالح الإقليمية والدولية"، والتي لا تصب في مصلحة السوريين، بغض النظر عن استراتيجية الإدارة الأميركية حول سوريا، أو غياب هذه الاستراتيجية.
التركيز على 6 نقاط
زوّد سحلول موقع تلفزيون سوريا، بقائمة النقاط التي سيعملون على تحقيقها عبر "التحالف الأميركي من أجل سوريا"، وأولها رفع الاهتمام بالقضية السورية واللاجئين السوريين بين أطياف الشعب الأميركي، وفي سلّم أولويات الإدارة الأميركية، والدفع للوصول إلى حل سلمي وعادل بحسب قرارات مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة.
ومن بين الأهداف مساعدة الشعب السوري على مختلف الصعد، خاصة الصعيد الإنساني والتحضير لإعادة البناء والإعمار عندما يتوفر المناخ السياسي والأمني الملائم، ووصول المساعدات إلى السوريين بكل السبل "عبر الحدود وعبر الخطوط".
وسيتم المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا، والوصول إلى العدالة الانتقالية التي تضمن السلم الأهلي، وبناء جسور التواصل مع مختلف مكونات الشعب السوري ومعالجة القضية الكردية بحكمة واهتمام لضمان حقوق الأكراد في سوريا.
ولفت سحلول إلى أن التحالف سيتواصل مع الدول العربية الفاعلة في الملف السوري والمتأثرة به، خاصة مصر والأردن ولبنان والعراق والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات والكويت، ودعم الجهود الدولية والمحلية لمكافحة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله، والتركيز على التعليم وتمكين المرأة وإيجاد فرص عمل للشباب السوري.
وفي السياق نفسه، أكد رئيس منظمة "كيلا باك" الدكتور طارق أبو غزالة، لموقع تلفزيون سوريا، أنهم سيركزون على التنسيق بين عمل المنظمات السورية الأميركية، ولفت انتباه المجتمع الأميركي للقضية السورية وعدالتها في سبيل تحقيق حرية الشعب ووصوله إلى الديمقراطية المنشودة والخلاص من الاستبداد، والتعاون مع كل المنظمات العاملة في شؤون حقوق الإنسان لمحاولة ضمها للعمل السوري الأميركي، للضغط على القواعد الشعبية التي بدورها تضغط على مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة.
الدور الأميركي في سوريا
بالرغم من المؤشرات التي تدل على تراجع دور الولايات المتحدة في سوريا، ومن بينها تهافت بعض الدول العربية للتطبيع مع نظام الأسد، وتوجه "قوات سوريا الديمقراطية" لتعزيز العلاقة مع روسيا، فإن واشنطن أكدت في أكثر من مناسبة، أنها لا تشجع على إعادة العلاقات مع النظام.
وقبل نحو شهر من الآن قال المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية صامويل وربيرغ، إن واشنطن تشجع الدول على عدم استئناف علاقاتها مع نظام الأسد، مؤكداً أن الأخير مسؤول عن معاناة السوريين، وأنه "لا يمكن للولايات المتحدة إقامة علاقة مع نظام الأسد في ظل استمرار غياب آلاف المفقودين بسجون النظام".
وفي منتصف الشهر الجاري، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن الولايات المتحدة لا تعتزم دعم أي جهود لتطبيع العلاقات مع رئيس النظام بشار الأسد أو استئناف التعامل معه حتى يتم "إحراز تقدم لا رجعة فيه" باتجاه التوصل إلى حل سياسي في سوريا، وفي الوقت نفسه انتقد أعضاء بمجلس الشيوخ الأميركي، "تسرع بعض حلفاء الولايات المتحدة بمن فيهم دول عربية في تطبيع العلاقات مع نظام الأسد"، مؤكدين أن هذا القرار "خاطئ".
وبيّن رئيس المجلس السوري الأميركي الدكتور زكي لبابيدي، في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن "التحالف" أُسس للضغط بشكل أكبر في واشنطن، من أجل التوصل إلى حل سياسي في سوريا عبر تفعيل دور الولايات المتحدة - الذي يعد ضعيفاً في الوقت الحالي -، خاصة أن الإدارة الأميركية لا يبدو أنها مستعدة للعمل على إيجاد حل للمشكلة السورية.
ما دور المعارضة السورية؟
من الواضح أن المعارضة السورية استشعرت الخطر، بعد تراجع اهتمام الولايات المتحدة تجاه سوريا، وإفساح المجال أمام روسيا، على عكس الإدارة السابقة برئاسة دونالد ترامب، التي فرضت 6 حزم من العقوبات على نظام الأسد خلال نصف عام، وأبدت موقفاً حازماً لمنع التطبيع مع النظام، أو التعاون الاقتصادي معه.
وفي هذا السياق، طالب رئيس الائتلاف السوري سالم المسلط الإدارة الأميركية في شهر أيلول الماضي بالتصعيد ضد نظام الأسد، مضيفاً أن للولايات المتحدة "مصلحة حيوية" في إعطاء الملف السوري أولوية قصوى، كما دعا الدول الفاعلة إلى التصعيد ضد الأسد على المستوى السياسي والحقوقي والاقتصادي، والذهاب إلى الخيارات الكفيلة بإجباره على المشاركة الفاعلة والجادة وصولاً إلى إتمام الحل والانتقال السياسي.
وأشار إلى ضرورة أن تذهب الولايات المتحدة باتجاه تشكيل تحالف دولي جاد، ينطلق من مشروعية التحرك تحت الفصل السابع استناداً إلى خرق النظام للقرار 2118، المتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية، وأن يضع هذا التحالف مهمة أساسية ضمن أولوياته، وهي اقتلاع النظام بكامله، ومحاسبة أركانه ورموزه.
وسبق أن أكد ممثل الائتلاف الوطني في الولايات المتحدة قتيبة إدلبي، ضعف تحرك "اللوبي السوري الأميركي" في واشنطن بعد قدوم الإدارة الجديدة، حيث قال لموقع تلفزيون سوريا: "سأكون صريحاً، هناك نوع من اليأس لدى العاملين بالملف السوري بواشنطن، كما أن التحديات التي تواجه المنظمات السورية مع الإدارة الأميركية الجديدة ليست سهلة. أنا موجود في واشنطن منذ 8 سنوات، وهذه الفترة هي من أقل الأوقات دفعاً للملف السوري في الأروقة الأميركية. قبل ذلك كان هناك بين 6 إلى 7 منظمات تعمل بشكل فاعل لتحقيق وجود أكثر للملف السوري، حالياً لا يوجد أكثر من منظمتين بمكتب فاعل بواشنطن، وهذا يعود للتململ من عدم وجود أي تغيير حقيقي على الأرض، ومع الأسف تأثير ذلك سلبي جداً على الملف السوري برمته".
وتعمل قوى المعارضة بجهد كبير - بحسب إدلبي - لمحاولة بناء شراكات وتحالفات لتجاوز الموقف الحالي بالإدارة الأميركية، وتعويض التراجع السياسي الموجود، مضيفاً: "المشكلة التي تواجهنا عربياً أو أوروبياً أنهم لا يتشجعون للعمل على الملف السوري في ظل غياب الرغبة والقيادة الأميركية، وهناك محاولات لمد جسور تعاون أكبر مع دول فاعلة إقليمياً مثل السعودية وغيرها ودول أوروبية لمحاولة المسير قدماً على الأقل بخط يحافظ على الوضع الحالي ويمنع التراجع بشكل أكبر بالملف السوري".
استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا
من خلال التصريحات الأميركية، والأعمال العسكرية التي نفذتها في سوريا، بعد وصول جو بايدن للبيت الأبيض، يمكن القول إن استراتيجية الولايات المتحدة تركز في سوريا على ما يأتي:
- ضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق شمال غربي سوريا.
- دعم عمليات إعادة الإعمار وإصلاح البنية التحتية في مناطق سيطرة "قسد" شمال شرقي سوريا.
- القضاء على قادة وعناصر فرع تنظيم القاعدة في سوريا (حراس الدين) عبر عمليات تتم بواسطة طائرات من دون طيار.
- استهداف الوجود الإيراني عبر عمليات قصف جوية تتم من قبل التحالف الدولي أو إسرائيل، أو الجيش الأميركي نفسه.
- منع تجدد العمليات العسكرية من قبل روسيا ونظام الأسد ضد محافظة إدلب.
- دعم "قسد" وحمايتها من أي هجمات عسكرية تركية محتملة.
- منع تمدد تنظيم "الدولة".
- إبعاد الميليشيات الإيرانية وميليشيا "حزب الله" اللبناني عن الحدود الشمالية لإسرائيل.
- دعم "جيش مغاوير الثورة" في التنف شرقي سوريا وتدريب عناصره.
ويضاف إلى ذلك بعض الأهداف المعلنة، مثل محاسبة النظام على جرائمه، ومنع التطبيع معه، أو مساعدته في عملية إعادة الإعمار، والتوصل إلى حل سياسي، لكن لم يكن لتلك الأهداف ما يدعمها من أفعال حقيقية لتنفيذها واقعاً.