يسعى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية عبر ممثليته في واشنطن لتدارك التعامل السلبي من إدارة بايدن مع الملف السوري، وإعادته إلى سلم أولويات الإدارة الأميركية، في فترة تداعت فيها الخطوط الأميركية الحمراء فيما يخص التطبيع مع نظام الأسد والتساهلات غير المعلنة رسمياً مع ضوابط قانون قيصر.
وقال قتيبة إدلبي ممثل الائتلاف الوطني في الولايات المتحدة، إن الهدف الرئيس من الزيارة الأخيرة لوفد الائتلاف إلى واشنطن ونيويورك، العمل على إعادة الملف السوري إلى سلم أولويات إدارة الرئيس جو بايدن، ووقف التدهور الجاري حالياً في سياسة البيت الأبيض تجاه القضية السورية.
جاء ذلك في حوار خاص أجراه موقع "تلفزيون سوريا" مع إدلبي، على هامش الزيارة التي أجراها وفدا الائتلاف الوطني والهيئة العليا للتفاوض إلى الولايات المتحدة والتي استمرت 20 يوماً، عقد خلالها ما يصل إلى 48 لقاءً واجتماعاً مع مسؤولين ودبلوماسيين ومنظمات وجهات إعلامية فاعلة.
ممثل الائتلاف تحدث بشكل موسع عن مختلف الموضوعات والملفات التي تم بحثها في تلك الاجتماعات، وموضحاً الأجندة الأساسية التي دارت حولها، بالإضافة إلى تزامنها مع زيارة وفد "الإدارة الذاتية" التي تسيطر على مناطق شمال شرقي سوريا بدعم أميركي، وإمكانية التنسيق معها في الوقت الراهن.
كما شرح "إدلبي" - عُين ممثلاً للائتلاف بواشنطن في آب 2020 - بإسهاب عن رؤية إدارة بايدن تجاه الملف السوري، وإلى أين يسير في خضم تراجع الدور الأميركي على حساب قوى دولية وإقلمية أخرى بالمنطقة.
هذا نص الحوار كاملاً مع "قتيبة إدلبي" ممثل الائتلاف الوطني لدى الولايات المتحدة:
-
ما الأجندة الرئيسية التي حملها وفد الائتلاف إلى الولايات المتحدة؟
زيارة وفد الائتلاف إلى الولايات المتحدة على مدار 20 يوماً تم خلالها عقد 48 لقاءً تنوع بين مسؤولين ودبلوماسيين ومنظمات وجمعيات ومجالس إدارة إعلامية بهدف رئيسي هو إعادة وضع الملف السوري على خارطة الأولويات الأميركية وبالحد الأدنى وقف التدهور في السياسة الأميركية تجاه القضية السورية بالوقت الحالي.
وشملت اللقاءات الأميركية "البيت الأبيض، ووزارة الخارجية، ووزارة الخزانة لمناقشة موضوع العقوبات، والتقينا بصحفيين يغطون البيت الأبيض والأمن القومي الأميركي باعتبارهم أعلى مستوى من الصحفيين بواشنطن".
وتضمنت اللقاءات كلاً من لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ وبمجلس النواب وبعض النواب بالكونغرس، كما التقينا مع عدد من المؤثرين بالسياسية الخارجية بواشنطن.
والتقينا كذلك مع وزراء خارجية ودبلوماسيين وسفراء أوروبين على رأسهم بريطانيا وفرنسا وأستونيا والدنمارك والنرويج وأستونيا.
-
ما أبرز الملفات التي طرحها الوفد خلال لقاءاته مع مسؤولي الإدارة الأميركية والدبلوماسيين؟
ناقشت الزيارة العديد من الموضوعات المهمة للقضية السورية، وفي مقدمتها:
مسار مفاوضات جنيف
ملف المفاوضات والمسار السياسي بجنيف وعمل اللجنة الدستورية، خصوصاً أن النظام وافق على العودة إلى مسار المفاوضات في جنيف ضمن 5 شروط "الشرط الأول: الاتفاق على عقد الجلسة التي ستتم، الثاني: الموافقة على لقاء رئيسي اللجنة الدستورية من الطرفين لوضع أجندة اللقاءات المقبلة انتهاءً بوضع دستور، الثالث: الالتزام بالنظام الداخلي لعمل اللجنة، الرابع: الموافقة على الخارطة التي ستنتج عن هذا الاتفاق، أما الخامس فهو القدوم إلى جنيف بمسودات للنقاش حولها".
وإن كان النظام فعلاً قبل بهذه الشروط والقدوم لجنيف وفقها، فهذا أثار العديد من التساؤلات بمختلف نقاشاتنا هنا، ما هو الثمن الذي دفع نظام الأسد لقبول هذه الشروط؟
"مسار الخطوة بخطوة"
كما تم بحث ما طرحه المبعوث الأممي إلى سوريا "غير بيدرسون"، وبالأخص "مسار الخطوة بخطوة"، ولدى المعارضة السورية تخوف من أن هذا المسار سيعطل تنفيذ القرار "2254"، بمعنى نحن سنقدم تنازل للنظام مقابل أن يقدم تنازلاً، ولكن عملياً سنصل إلى نقطة توازن نوعاً ما. وبهذا سيكون نظام الأسد حصل فيها على ما يريد، فيما أن الشعب السوري لن يحصل على تطبيق كامل لما ورد في القرار "2254"، وهذا ما تخشاه المعارضة بشكل مباشر.
وبصراحة "بيدرسون" لا يعطي أجوبة واضحة على طبيعة هذا المسار، وما هي القائمة المعروضة على النظام أو التي يمكن تقديمها للنظام حتى يتنازل سياسياً.
من جهة أخرى نرى تنازلات سياسية عملياً سواء من واشنطن أو دول أخرى للنظام دون أي مردود سياسي دفع الأخير لتقديم أي شيء حتى الآن، وحتى الشروط الخمسة التي وافق عليها للعودة إلى المفاوضات ليست بالإنجاز الكبير من الناحية السياسية أو العملية.
"ملف المعتقلين"
تم نقاش ملف المعتقلين ومحاولة تحريكه بشكل ما، عبر مبادرات عديدة عملية، وكان هناك عدة مشاورات حول الدفع بأحد هذه المبادرات:
- المبادرة الأولى تخص إنشاء محكمة أوروبية خاصة بسوريا، تكون بناء على معاهدة بين الدول الأوروبية التي تنشأ محاكمات خاصة بسوريا وفق الولاية القضائية العالمية، لكن مع ترك المجال مفتوحاً للانضمام إلى هذه المعاهدة، حيث إن هناك مقترحاً حول هذه الأمر يتم التباحث به بين بعض الدول.
- المبادرة الثانية هي اقتراح إنشاء آلية خاصة للكشف عن مصير المعتقلين مشابهة للآلية الدولية المحايدة المستقلة التي تم تشكيلها لتوثيق جرائم حقوق الإنسان المرتكبة في سوريا.
- أما المبادرة الثالثة فكانت عن طريق الصليب الأحمر الدولي، والتي تهدف لتسليم قوائم المعتقلين من قبل حكومة الأسد إلى الصليب الأحمر، وهو ما يساعد أهالي المعتقلين لمعرفة مصير أبنائهم، وبالمقابل نظام الأسد لن يخسر شيء بتقديم هذه القوائم لأن الصليب الأحمر لديه حصانة من الشهادة أمام المحاكم الدولية.
-
هل بحث الائتلاف ملف زيادة المساعدات لسوريا، خصوصاً أن واشنطن زادت نسبتها لمناطق معينة في شمال شرقي سوريا؟
نعم، تم النقاش مع المسؤولين الأميركيين وتم الأخذ والرد بهذا الأمر، من جهة أن المساعدات الأميركية المخصصة لإعادة الاستقرار بالمجتمع المدني مخصصة بشكل أساس أكثر من أي وقت مضى لمنطقة الشمال الشرقي تحت حكم "الإدارة الذاتية".
كان الرد الأميركي أنهم يقدمون دعماً للمناطق المحررة في الشمال الغربي عبر منظمات الأمم المتحدة التي تمول الدعم الإنساني، والتوجه واضح على الأرض من تخفيف المساعدات في الشمال الغربي، لصالح مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية".
وتفسير هذا سياسياً أن إدارة بايدن بمحاولتها لملمة الملف السوري تحاول أن تدعم نفوذ "الإدارة الذاتية" لتحسين شروط التفاوض مع نظام الأسد، وهم غير مهتمين بتقويته للأسف في المناطق المحررة بالشمال الغربي.
ونحن نحاول العمل بالملف داخل الكونغرس الأميركي بغرفتيه (الشيوخ والنواب) للدفع أكثر بهذا الموضوع، ويحتاج ذلك عملاً إعلامياً بشكل أكبر بكثير.
-
في الوقت الذي زار وفد من "الإدارة الذاتية" واشنطن، هل حصل تنسيق أو سيحصل بين الائتلاف و"قسد" أو"مسد" برعاية أميركية في الفترة المقبلة؟
لم يكن هناك أي تنسيق أو لقاء بين الطرفين، وإن كان هناك بعض التشابه بالأفكار المطروحة، فكلا الوفدين طرح أهمية أن تأخذ الولايات المتحدة دوراً أكثر فاعلية في سوريا، وعدم انسحاب الولايات المتحدة من سوريا في الوقت الحالي قبل الوصول إلى حل سياسي.
كما تم طرح أهمية وضع سياسية أميركية واضحة لمواجهة التمدد الإيراني والروسي في سوريا والمنطقة.
واشنطن بالطبع طرحت موضوع التنسيق مع "الإدارة الذاتية"، لم يكن كطلب مباشر؛ إنما قدمته كمحفزات للمعارضة السورية مقابل الالتقاء بوفد الإدارة الذاتية، وهو لم يحصل.
ولكن بشكل عام وفد المعارضة كان له حضور أكبر بواشنطن ونيويورك بالمقابل لم يكن لممثلي "الإدارة الذاتية" ذلك النشاط، وأظن أن حضوره بنفس وقت حضور وفد الائتلاف جعل له تغطية إعلامية أكبر.
-
هل ضعف تحرك "اللوبي السوري الأميركي" في واشنطن بعد قدوم الإدارة الجديدة؟
سأكون صريحاً، هناك نوع من اليأس لدى العاملين بالملف السوري بواشنطن، كما أن التحديات التي تواجه المنظمات السورية مع الإدارة الأميركية الجديدة ليست سهلة. أنا موجود في واشنطن منذ 8 سنوات، وهذه الفترة هي من أقل الأوقات دفعاً للملف السوري في الأروقة الأميركية. قبل ذلك كان هناك بين 6 إلى 7 منظمات تعمل بشكل فاعل لتحقيق وجود أكثر للملف السوري، حالياً لا يوجد أكثر من منظمتين بمكتب فاعل بواشنطن، وهذا يعود للتململ من عدم وجود أي تغيير حقيقي على الأرض، ومع الأسف تأثير ذلك سلبي جداً على الملف السوري برمته.
-
هل هناك توقعات معينة حول رؤية إدارة بايدن للمرحلة المقبلة في سوريا، وخاصة الحديث عن تخفيف العقوبات؟
مع الأسف تم تخفيض التعامل مع الملف السوري، حيث يوجد نظرة بالإدارة الديمقراطية أن عدم القدرة من الوصول إلى حل في الملف السوري كان سبباً بالتعتيم على إنجازات الإدارة الديمقراطية السابقة وأن الدخول بالملف السوري بالحماس الذي كان من قبل سيجر الإدارة الحالية إلى مستنقع شبيه بالمستنقع الذي وقعت به إدارة أوباما، كما يصفه الديمقراطيون، ولن يساعد الإدارة على المضي قدماً بخططها وتوجهاتها. نحن بواقع إدارة أميركية مختلفة تماماً عن كل الإدارات السابقة.
الرئيس بايدن منذ البداية حصر الملف بشكل ضيق بيد منسق الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي "بريت ماكغورك"، وليس هناك أحد آخر بالإدارة الأميركية قادر أو مسؤول عن اتخاذ قرارات تتعلق بالشرق الأوسط سوى ذلك الشخص، وهذا جديد كلياً بتعامل الإدارة الأميركية مع ملفات المنطقة وخاصة الملف السوري.
وتتجلى الرؤية الأميركية تجاه القضية السورية عبر الانسحاب سياسياً وعسكرياً وتسليم الملف بشكل كامل لسياسة الأمر الواقع وما هو سيضمن الاستقرار بشكل أو بآخر ويشمل ذلك روسيا وإيران، ويبدو أن هذا التوجه الذي تسير به واشنطن تجاه سوريا، قد يأخذ لتطبيقه من 3 إلى 4 سنوات بسبب انشغال الإدارة حالياً بالانسحاب الأميركي من أفغانستان وتداعيات ذلك.
-
ماذا بخصوص سماح واشنطن بتشغيل خط الغاز العربي بمشاركة نظام الأسد؟
تشغيل خط الغاز العربي من مصر إلى لبنان مروراً بالأردن وسوريا، هذا المشروع قديم وتم طرحه مرتين على زمن إدارة دونالد ترامب ورفض بحجة استكمال المسار السياسي. الإدارة الأميركية الجديدة ترى أن هذا المشروع هو لمصلحة اللبنانيين والاستقرار في المنطقة، وبالطبع لا أحد يعارض أي مشروع يخدم الناس في ظل الوضع المعيشي السيء الذي تشهده المنطقة.
المشكلة أن الإدارة لم تعطِ الإذن بشكل خاص لهذا المشروع فقط، إنما هي بصدد فتح الباب أمام هذا النوع من المشاريع من قِبل منظمات دولية أو أطراف بالمنطقة.
فالإدارة الأميركية قالت مثلاً حين الحديث عن السماح للمشروع إن البنك الدولي لا يحتاج إذناً لمثل هذه المشاريع لأنه مؤسسة دولية، ولأنه لا يتخطى مبدأ meager transaction (الصفقات الهزيلة). ما يتم عملياً هو فتح الباب أمام البنك الدولي دون وضع أي ضوابط عن كيف سيتم التعامل مع هذه المشاريع أو ما هي الإجراءات التي سيتم القيام بها لضمان أن النظام لن يستخدم هذه المشاريع لخرق العقوبات أو لفتح خطوط اقتصادية أو غيرها.
-
إن بقي الملف السوري خارج الأولويات الأميركية، هل لديكم أي خطة؟
قوى المعارضة تعمل بجهد كبير لمحاولة بناء شراكات وتحالفات لتتجاوز الموقف الحالي بالإدارة الأميركية، وتعويض التراجع السياسي الموجود، والمشكلة التي تواجهنا عربياً أو أوروبياً أنهم لا يتشجعون للعمل على الملف السوري في ظل غياب الرغبة والقيادة الأميركية، وهناك محاولات لمد جسور تعاون أكبر مع دول فاعلة إقليمياً مثل السعودية وغيرها ودول أوروبية لمحاولة المسير قدماً على الأقل بخط يحافظ على الوضع الحالي ويمنع التراجع بشكل أكبر بالملف السوري.
-
في ظل ذلك، هل بقي حلفاء وأصدقاء في في أروقة الخارجية الأميركية والكونغرس والبنتاغون والأمن القومي، يمكنهم المساعدة؟
بالطبع يوجد الكثير من الأصدقاء، لكن المشكلة الأساسية أن السياسة الأميركية في سوريا محصورة بشخص واحد قادر على اتخاذ القرارات، طبعاً يوجد أصدقاء موجودون بمختلف الأجسام الأميركية نحاول عبرهم استخدام ملفات أصغر يمكن العمل عليها والتأثير على دول أخرى تنتظر التفاعل الأميركي.