أعادت الدول العربية علاقاتها مع الجارة سوريا خوفاً من تنامي النفوذ الإيراني والتركي، بالإضافة إلى بعض المخاوف الاقتصادية والأمنية، إذ إن كل ذلك دفع نحو عودة إقليمية مترددة لتطبيع العلاقات مع ذلك النظام المنبوذ.
فقد طُرد النظام السوري من الجامعة العربية قبل عقد من الزمان وذلك عندما حاول رئيسه بشار الأسد قمع الثورة الشعبية بصورة وحشية، فدعمت بعض الدول الخليجية المعارضة السورية في الوقت الذي أخذت فيه سوريا تتجه نحو الحرب.
شاهد أيضاً:التطبيع مع الأسد.. الطريق إلى دمشق لا يمر بواشنطن | سوريا اليوم
وبعدما أصبحت سوريا غير مستقرة وفقيرة، يسيطر الأسد اليوم على معظم أجزائها. وخلال الأسابيع الماضية، تحدث رأس النظام في سوريا وللمرة الأولى خلال عقد كامل، مع ملك الأردن عبد الله الثاني، في مكالمة أقلقت إدارة بايدن في الولايات المتحدة.
أما مصر، فقد التقى وزير خارجيتها بنظيره السوري خلال الشهر الماضي، وأيضاً للمرة الأولى منذ بداية الحرب في سوريا. كما قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بإعادة فتح سفارتها في سوريا منذ أواخر 2018، فضلاً عن إبراز اعتزازها بعلاقاتها مع النظام وذلك عندما استضافت سوريا في معرض إكسبو 2020 دبي للتجارة. كما أجرى ولي عهد الإمارات ثاني اتصال له مع الأسد خلال الأسبوع الفائت.
وبالرغم من إقرار قانون قيصر في عام 2020، والذي يخول وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات على أي شخص في أي مكان في العالم يمارس نشاطاً تجارياً مع كيانات ومؤسسات وأفراد خاضعين للعقوبات لكونهم تابعين للنظام السوري، فإن أميركا باتت غير قادرة، أو غير راغبة بمنع العودة المتسللة للدول الإقليمية لتطبيع العلاقات مع النظام السوري الذي تتهمه الولايات المتحدة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
وقد تحدث مسؤول أميركي رفيع لدى إدارة بايدن حول هذا الأمر فقال: "أعتقد أن كثيرا من تلك الدول العربية.... اتخذت قرارها بالرغم من مساعي الإدارة الأميركية التي تصب في اتجاه عدم القيام بذلك". وأضاف بأن بداية العلاقات الدافئة ظهرت في عهد إدارة ترامب.
يذكر أن البحرين أعادت فتح سفارتها في عام 2019، كما أعادت عُمان سفيرها في عام 2020، في حين عرض ولي عهد الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، تقديم مساعدة مباشرة للأسد في مواجهة جائحة كورونا.
ويعلق المسؤول الأميركي على ذلك بالقول: "إنهم يفعلون ذلك سواء من وراء ظهرنا أم أمام أعيننا"، كما وصف مكالمة الملك عبد الله بأنها: "مفاجئة حقاً، إذ لم نتوقع حدوث مثل هذا الشيء، كما أننا لم نعط الضوء الأخضر للقيام بذلك".
وفي إشارة إلى العودة المحتملة لتطبيع العلاقات ذكر هذا المسؤول ما يلي: "إننا نذكرهم بأنهم قد يتعرضون للعقوبات الأميركية لمجرد قيامهم بتلك المحادثات"، وأضاف بأن الولايات المتحدة تتوقع الإعلان عن عقوبات تستهدف سوريا، حيث قال: "لقد أوضحنا بأننا لن نطبع مع بشار الأسد".
اقرأ أيضاً: الغارديان: وجود الإنتربول في سوريا سيتسبب بتعطيل طلبات اللجوء
ولكن بالنسبة لجيران سوريا، ثمة أسباب واضحة للتطبيع، فالأردن ولبنان يشتركان بالحدود مع سوريا ويستضيفان الآلاف من اللاجئين السوريين، كما أن الحرب قطعت طرق التجارة الأساسية وترغب تلك الدولتان اللتان تعانيان من ضائقة اقتصادية بإعادة فتح تلك الطرق. في الوقت الذي أعرب فيه الأردن عن قلقه وخوفه من فلول داعش والميليشيات المدعومة من قبل إيران والموجودة في الجنوب السوري.
فقد تحدث الملك عبد الله لقناة سي إن إن في مطلع هذا العام وقال: "إن النظام مايزال هناك ولهذا علينا أن نفكر بطريقة ناضجة، أي هل نريد تغيير النظام أم تغيير سلوكه؟ فإذا كان الأمر يتعلق بتغيير سلوكه، ما الذي يترتب علينا لنوحد خطابنا مع النظام، لأن الجميع غيرنا يقوم بذلك".
يرى بعض السياسيين في الخليج أن قطع العلاقات مع الأسد كان خطأ استراتيجياً، فقد تم تهميش القوى الخليجية والغربية منذ أن قطعت دعمها للثورات، في الوقت الذي قام فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقطع التمويل الأميركي عنهم في عام 2017. ومنذ ذلك الحين وإيران وروسيا توسعان من نفوذهما وذلك عبر تقديمهما الدعم العسكري والمالي للنظام.
اقرأ أيضاً: واشنطن بوست: السوريون في لبنان يتعرضون لضغوط غير مسبوقة
أما دارين خليفة، وهي محللة سورية تعمل لدى مجموعة الأزمات الدولية، فتقول: "إن التطبيع مع بعض الدول العربية يعتبر لفتة سياسية" وذلك رداً على المخاوف حيال تزايد النفوذ الإيراني والتركي، بالإضافة إلى مشكلات اقتصادية أمنية إقليمية أخرى.
ولقد عزز الانسحاب الأميركي من أفغانستان هذه الفكرة بين الزعماء العرب لكونها أظهرت أميركا عازمة على إنهاء تدخلها بهذه المنطقة.
وتعلق خليفة على ذلك بقولها: "إن هذه الإدارة ترسل رسائل عامة هشة ومتناقضة إلى حد ما تجاه مسألة التطبيع، الأمر الذي جعل الكثير من الدول العربية تفكر بأنها حصلت على موافقة ضمنية".
يذكر أن إدارة بايدن أطلقت عملية مراجعة لسياستها حيال سوريا، لكنها لم تفصح عن موقفها بعد.
ويرى إيميل هوكايم، وهو محلل لشؤون الشرق الأوسط لدى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أنه من دون "توجيه أميركي واضح، ونظراً لتركيز الاتحاد الأوروبي على الهجرة والأمن بدلاً من نتائجهما السياسية، بات من الواضح أن المخاوف السياسية والأمنية والاقتصادية التي تظهر على المدى القريب هي التي تهيمن على تفكير الدول المجاورة لسوريا".
ولكن برأي ذلك المحلل: "ثمة تفاهم بأن تلك العودة في هذه المرحلة للتعامل مع سوريا ستكون محدودة... أي إن ذلك لا يعني أن بوسعك أن تعيد اللاجئين وأن تفتح خطوط التجارة وأن تواصل التعاون الأمني مع النظام، لأن الأمر أصعب من ذلك بكثير".
اقرأ أيضاً: إيكونوميست: التضييق على اللاجئين السوريين لن يجبرهم على العودة
ومع حتمية خروج سوريا من حالة الجمود، يرى مراقبون أن السعودية أيضاً لن تقف في وجه عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية بوجود الأسد رئيساً لهذا النظام، إذ يرى أحد المحللين المقيمين في الإمارات أن: "الرياض تبحث عن لفتة فقط من دمشق، كتحرير المعتقلين وأمور أخرى من هذا القبيل، حتى تعرب عن نواياها الحسنة".
بيد أن الأسد لم يصل إلى تسوية بعد بخصوص مشكلات تتصل بالمعتقلين، والعودة الآمنة للاجئين، أو المشاركة في عملية السلام التي أصبحت في طور الاحتضار. ومن الأمور التي دعمت موقفه الإقليمي تلك الخطة التي يدعمها الغرب لمساعدة لبنان عبر تقديم الغاز المصري والكهرباء الأردنية من خلال خطوط وكابلات تمر عبر سوريا، تلك الخطة التي دفعت أول وفد وزاري لبناني للقدوم إلى دمشق منذ بداية الحرب في سوريا.
في جناح سوريا بمعرض دبي إكسبو الذي تم تأجيله من عام 2020، التقطت صور للأسد وزوجته أسماء وهما ينظران بكل هدوء وطمأنينة، ويعكس ذلك عودة الاحترام على المستوى العام لهذين الزوجين في دولة الإمارات العربية المتحدة، بعدما تعرضا فيها للشتم ووصفا بأنهما مجرما حرب.
اقرأ أيضاً: "مؤتمر العودة"..اللاجئون السوريون لا يصدقون كلمة مما قالته روسيا
وحول ذلك يخبرنا أحد مندوبي المبيعات السوريين والذي طلب عدم الكشف عن اسمه فقال: "إننا نتمنى حقاً أن نعود للوضع الطبيعي الآن، إذ إننا نرغب أن نبيع في تلك الأسواق، وهذا سبب وجودنا في معرض إكسبو، أي لنبيع بضاعتنا للعالم من دبي".
المصدر: فاينانشال تايمز