icon
التغطية الحية

تحركات سياسية وتوازنات دقيقة.. هل تعزز تركيا وجودها باستراتيجيات إقليمية جديدة؟

2024.10.05 | 06:36 دمشق

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الأناضول)
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الأناضول)
إسطنبول - حمزة خضر
+A
حجم الخط
-A

ملخص:

  • تصاعدت تحركات تركيا الأمنية، حيث زار قائد القوات البرية التركية منطقة "غصن الزيتون" شمالي سوريا، مما يشير إلى استعداد لمواجهة تهديدات عبر الحدود مع التصعيد الإسرائيلي في لبنان وغزة.
  • تنظر تركيا إلى تراجع النفوذ الإيراني كفرصة لتعزيز وجودها في لبنان وسوريا، معتمدة على قوتها العسكرية والدبلوماسية لتعزيز نفوذها الإقليمي.
  • تحافظ تركيا على توازن معقد مع "حزب الله"، مع تعاطف محدود وإدانة لهجمات إسرائيل من دون دعم صريح لزعيم الحزب، بهدف الحفاظ على مصالحها المتشابكة مع إيران.
  • تعزز أنقرة وجودها عبر منظمات إغاثة في لبنان وتعتبر ملف فلسطين فرصة لتوسيع دورها العالمي، حيث تروج لحل الدولتين وتطمح لدور أكبر في النظام الدولي.
  • تواجه تركيا معارضة من الولايات المتحدة وروسيا فيما يتعلق بتوسع دورها في الشرق الأوسط، مما قد يؤدي إلى تحديات دبلوماسية مع الدول الإقليمية الأخرى مع استمرارها في ملء الفراغات التي تتركها إيران.

أبدت تركيا اهتماماً متزايداً بتأمين حدودها وتعزيز نفوذها الإقليمي في خضم التصعيد الإسرائيلي في لبنان والعدوان على قطاع غزة. حيث توجه الجنرال سلجوق بيرقدار أوغلو، قائد القوات البرية التركية، مع مجموعة من القادة العسكريين إلى منطقة عمليات "غصن الزيتون" شمالي سوريا، وتفقدوا المواقع العسكرية في عفرين وريف إدلب.

وتشير هذه التحركات إلى استعداد تركي لمواجهة ما تعتبره تهديدات محتملة عبر الحدود، وهو ما أكده مستشار وزارة الدفاع التركية زكي أكتورك، موضحاً أن الجيش التركي يتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية البلاد.

وتتزامن هذه الإجراءات العسكرية مع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي حذّر فيها من امتداد الخطر الإسرائيلي نحو تركيا. وفي حين تُصعّد إسرائيل هجماتها على لبنان وسوريا، تبدو أنقرة وكأنها ترسم استراتيجية جديدة تستهدف ملء الفراغ الذي يخلفه تراجع الدور الإيراني في المنطقة.

وترى تركيا في هذا التراجع فرصة سانحة لتعزيز وجودها في المحاور الحيوية بسوريا والعراق ولبنان، معتمدة على قوتها العسكرية والدبلوماسية لتوسيع دائرة نفوذها، لا سيما في ملفي لبنان وفلسطين اللذين طالما شكلا ساحة تنافسية مع إيران.

وتتعامل تركيا بحذر مع "حزب الله"، إذ أبدت "تعاطفاً محدوداً" معه خلال التصعيد الإسرائيلي، مع تجنب الانخراط في أي مواقف قد تُعتبر دعماً صريحاً له. ورغم إدانتها للهجمات الإسرائيلية، تلتزم تركيا بصمتها بشأن مقتل حسن نصر الله، زعيم حزب الله، حيث يسعى المسؤولون الأتراك إلى الموازنة بين مصالحهم المتشابكة مع طهران وضرورة تقديم موقف حازم أمام جمهورها الداخلي.

وعلاوة على ذلك، ترى أنقرة في التغيرات الحاصلة فرصة للتمدد الاستراتيجي الذي يتيح لها تعزيز موقعها كقوة إقليمية وازنة، وسط حالة من إعادة تشكيل التحالفات في الشرق الأوسط، بما يسمح لها بتوسيع دورها في المنطقة من دون الانجرار إلى صراعات قد تضر بمصالحها.

تركيا والتصعيد الإقليمي: توازن بين المصالح والتحفظات

تحاول تركيا الاستفادة من التحولات الراهنة لتعزيز نفوذها الإقليمي، مع تجنب الدخول في صراعات مباشرة قد تؤدي إلى تصعيد أكبر. كما تسعى أنقرة إلى تحقيق توازن مع القوى الإقليمية والدولية، وسط إعادة تشكيل للتحالفات في الشرق الأوسط، حيث تضع مصالحها الإستراتيجية نصب عينيها من دون أن تتنازل عنها بسهولة.

ويؤكد الدكتور سمير صالحة، أستاذ القانون والعلاقات الدولية، أن "ما يجري في المنطقة يتعارض تماماً مع السياسة التركية التي بدأت قبل سنتين في التعامل مع الملفات الإقليمية"، مشيراً إلى أن أنقرة بنت هذه السياسة على أساس "التهدئة مع دول الجوار والعمل على حل الخلافات".

ويرى صالحة أن "التصعيد الحالي يتعارض مع الجهود التركية في إطلاق هذه السياسة الإقليمية الجديدة"، وهو ما يُترجم على الأرض بتحديات مباشرة أمام العلاقات التركية - الإسرائيلية. ويعتبر صالحة أن هذا التصعيد يشكل "امتحاناً حقيقياً لمسار العلاقات بين البلدين على ضوء تمسك إسرائيل بالتصعيد على أكثر من جبهة إقليمية".

يبدي صالحة قلقه إزاء اتساع رقعة المواجهات إلى مناطق غير لبنان وغزة، ليشمل العراق واليمن، موضحاً أن "أنقرة ذهبت باتجاه الحوار مع هذين الملفين"، ما يجعل التحديات أكبر في حال استمرار التصعيد. ويرى أن أي "تصعيد طويل الأمد سيؤثر بالطبع على حسابات تركيا الإقليمية ومصالحها."

ويعتقد صالحة أن "الأمر لن يصل إلى التدخل العسكري المباشر"، متوقعاً أن أنقرة ستلتزم بالتريث. لكنه يُشير أيضاً إلى أن "دخول أطراف جديدة على خط المواجهات قد يدفع تركيا إلى تبني سياسة أكثر تشدداً". وفقاً له، فإن تركيا ستعتمد على تحريك أدوات دبلوماسية مثل "استخدام ورقة الجمعية العامة للأمم المتحدة وإصدار توصيات تقدم إلى مجلس الأمن الدولي تكون ملزمة بوقف إطلاق النار".

ويؤكد أن أنقرة "لن تفرط بهذه المصالح بهذه السهولة، سواء لصالح إسرائيل أو إيران." لذلك، يتوقع أن تضغط تركيا على "مجموعات وعناصر حزب الله أيضاً لوقف المعارك". ويرى صالحة أن تركيا "تمتلك الكثير من الحساسية تجاه حزب الله" نظراً لتداخل المصالح في الملف السوري ومواقف "حزب الله" هناك.

تعزيز حضور تركيا الإقليمي في ظل تراجع النفوذ الإيراني

ويتساءل صالحة حول ما إذا كانت طهران ستتجه نحو "مراجعة سياستها ومواقفها"، وما إذا كانت هذه الخطوة نحو التهدئة ستؤثر على "حزب الله" بشكل كبير، معتبراً أن أي "تفاهمات إيرانية في الإقليم ستجعله الخاسر الأكبر".

ويشير الكاتب الصحفي التركي، رمضان بورصة، إلى أن "تركيا بإمكانها التحرك بشكل أكثر ارتياحاً وفعالية وسرعة في هذا الفراغ الذي خلفته إيران"، مؤكداً أن هذا يعزز موقف تركيا في المنافسة على التأثير في هذه الساحات.

وأبرز بورصة، في حديثه إلى موقع تلفزيون سوريا، المخاوف التركية إزاء التصعيد الإسرائيلي، معتبراً أن أنقرة ترى في الهجمات على لبنان تهديداً لأمنها الخاص، وهو ما عبر عنه أردوغان بقوله إن "غزة تحمي تركيا والمنطقة بشكل عام." هذا الموقف يوضح التزام تركيا بدعم لبنان ضمنياً، حيث عبّر بورصة عن هذا بالقول: "وقفت تركيا بجانب لبنان في الهجمات الموجهة إليه، وأبرز الرئيس هذا الموقف بوضوح في افتتاحية البرلمان التركي".

وأوضح أن تركيا تعتبر "حزب الله" حاجزاً أمام إسرائيل، لكنها تفضل أن يبقى في هذا الإطار دون تخطي هذا الدور: "تركيا تفضل حزب الله الذي يمتلك قوة معقولة تقف أمام إسرائيل في لبنان من دون أن يسيطر بشكل كامل على السياسة اللبنانية، أو يوجد بشكل مفرط في سوريا ويؤثر سلباً على سياسات تركيا. وفي ظل ضعف إيران في المنطقة".

وأشار إلى أن إيران تتخوف من تطبيع الأوضاع في سوريا، لأنه كلما تطبعت الأوضاع، أصبح وجود إيران هناك، خصوصاً العسكري، محل تساؤل: "إيران لا تتفاعل إيجابياً مع جهود تركيا في تطبيع العلاقات مع سوريا، إيران تعتبر أن الوضع الحالي في سوريا مناسب، لأنها تخشى من خسارة مكتسباتها في حال التطبيع السريع، لذلك، لا تتخذ موقفاً إيجابياً تجاه تحسين العلاقات بين أنقرة ودمشق، وفي هذه الحالة، يمكن أن تتخذ تركيا دوراً أكثر نشاطاً في العراق وسوريا ولبنان".

وفيما يخص رغبة تركيا في ملء الفراغ الذي يمكن أن يحصل في لبنان، أكد بورصة أن "تركيا موجودة بالفعل في لبنان منذ سنوات طويلة عبر منظمات الإغاثة ومؤسسات أخرى متنوعة، وهذه الجهات قد تتولى دوراً أكثر نشاطاً هناك".

ويرى بورصة أن تركيا تركز على حل الدولتين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لكنه يوضح أن نهجها ليس مبنياً على خطة شاملة تجاه فلسطين بقدر ما هو توجّه نحو دور إقليمي ودولي أوسع. ويشير إلى أن تركيا قد تسعى لتبنّي دور ضمن "نظام ضمان" لحماية فلسطين من هجمات إسرائيل، كما يعتقد أن تركيا تنظر إلى القضية الفلسطينية كفرصة لتعزيز دورها العالمي، مستغلةً الأحداث الراهنة كنموذج لتأسيس نظام دولي أكثر "عدلاً وشمولية".

نفوذ متضارب وتوازنات إقليمية صعبة

يشير الباحث التركي عمر أوزكيزلجيك إلى أن هناك قاعدة ثابتة تحكم وجود تركيا وإيران في المنطقة، قائلاً: "كلما تدخلت تركيا في مكان، لن تجد إيران فيه. وكلما تدخلت إيران في مكان، لن تجد تركيا فيه. لذلك، هما دائماً منفصلان، مثل الزيت والماء". موضحاً أن الأجندات التركية والإيرانية غالباً ما تتعارض، حيث يسعى كل منهما إلى تعزيز نفوذه على حساب الآخر.

ويرى أوزكيزلجيك أن تركيا قد تملأ الفراغات التي تتركها إيران مع مرور الوقت، لا سيما في ظل استمرار حركة الهجرة من لبنان إلى سوريا، والتي قد تغير من طبيعة التوازنات في المنطقة. كما يتوقع أن تدخل تركيا بشكل تدريجي إلى "الأماكن التي أخلتها إيران"، مؤكداً أن هذا السيناريو ممكن الحدوث مع تطور الأوضاع في المنطقة.

ويؤكد أوزكيزلجيك أن الولايات المتحدة وروسيا لا ترحبان بتعزيز دور تركيا في الشرق الأوسط، قائلاً: "حتى الآن، لا ترغب الولايات المتحدة ولا روسيا في تطوير دور تركيا في الشرق الأوسط، ولذلك يتخذون موقفاً معارضاً لهذا التوجه".

ويرى أوزكيزلجيك أن أي خطوات تقدم عليها تركيا لتعزيز وجودها في المنطقة ستؤثر بلا شك على علاقاتها مع الدول المعنية، ما اعتبره تحدياً دبلوماسياً قد تواجهه في سعيها لتوسيع نفوذها، خاصة في ظل التوازنات الدقيقة التي تحكم سياساتها في سوريا والعراق ولبنان.

يمكن القول إن تركيا تتحرك لتعزيز وجودها في الساحة الإقليمية، خصوصاً في سوريا ولبنان وفلسطين، مع مراعاة الحذر في التعامل مع الأطراف المتورطة. تسعى أنقرة للحفاظ على توازنات دقيقة وسط التحولات الجيوسياسية، وربما تراجع استراتيجياتها الإقليمية استعداداً لمرحلة قد تشهد توسعاً في نفوذها في منطقة الشرق الأوسط.