ملخص:
- اغتيال زعيم "حزب الله" حسن نصر الله يعيد تشكيل القوى الإقليمية في الشرق الأوسط.
- تركيا تتخذ موقفاً حذراً، منتقدةً إسرائيل دون إظهار تعاطف مع "حزب الله" لتجنب توتر علاقاتها مع إيران وإسرائيل.
- مقتل نصر الله يمثل فرصة لتركيا لتعزيز نفوذها في سوريا والعراق مع تراجع دور إيران.
- رغم التوتر مع "حزب الله"، تركيا قلقة من تصاعد الصراع الإقليمي بين إيران وإسرائيل.
- تركيا تسعى للحفاظ على توازن علاقاتها الإقليمية وتعزيز دورها في الصراعات الحالية.
يعيد الهجوم الإسرائيلي الذي أسفر عن مقتل زعيم "حزب الله" حسن نصر الله تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط، ويُظهر الموقف التركي الحذر تجاه هذا الحدث رغبة أنقرة في تعزيز نفوذها في المنطقة، مستفيدةً من ضعف خصمها الإقليمي، إيران، مع تجنب الدخول في صراعات مباشرة قد تُعرِّض مصالحها للخطر.
وانتقدت أنقرة تصرفات إسرائيل في لبنان، لكنها تجنبت إصدار أي تصريحات قد تُفهم على أنها دعم لـ "حزب الله". انضم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال عطلة نهاية الأسبوع، إلى عدد من القادة العرب في إصدار بيانات تدين التصعيد الإسرائيلي الأخير في لبنان. وفي منشور على منصة (X)، قال أردوغان: "لبنان وشعبه أصبحا أحدث أهداف لسياسة الإبادة والاحتلال والغزو التي تنتهجها إسرائيل منذ 7 تشرين الأول"، دون الإشارة إلى اغتيال حسن نصر الله.
في حديثه للصحفيين يوم السبت، أقر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بمقتل نصر الله، لكنه لم يدن الهجوم، بل أشار إلى أنه استهدف "قلب محور المقاومة" الإيراني. وقال في تصريحات متلفزة: "بصراحة، الفراغ الذي سيتركه غياب نصر الله سيكون من الصعب ملؤه". وأضاف فيدان: "كان مقتل نصر الله خسارة كبيرة لحزب الله وإيران معًا".
كما كشف فيدان أنه التقى بنصر الله في بيروت "تحت ظروف صعبة"، وذلك بعد نحو 10 أيام من هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول.
التصريح الوحيد الذي اختلف عن موقف الحكومة جاء من نعمان كورتولموش، رئيس البرلمان التركي والعضو في الحزب الحاكم، حيث قال: "اغتيال نصر الله على يد إسرائيل هو نتيجة خطيرة لسياسة الاحتلال والتدمير المستمرة منذ سنوات طويلة، ليس فقط ضد الشعب الفلسطيني، بل ضد جميع شعوب المنطقة"، واصفًا نصر الله بـ"الشهيد".
مقتل نصر الله يعزز الدور التركي في المنطقة
ويرى العديد من المحللين أن مقتل نصر الله يشكل فرصة لتركيا لتعزيز موقفها الإقليمي، خاصةً في سوريا والعراق. وقالت أصلي أيدن طاش باش، خبيرة الشؤون التركية في معهد بروكينغز الأميركي: "قطع رأس حزب الله يقلل من نفوذ الخصم الإقليمي الأكبر لتركيا، إيران، وليس شيئاً ستبكي عليه تركيا".
وتضيف في حديثها إلى موقع (France24) أن تركيا كانت على الدوام من أشد المنتقدين لإسرائيل في سياق القضية الفلسطينية، لكنها أقل حساسية تجاه الخسائر التي لحقت بـ "حزب الله"، نظراً للخلافات العميقة بين الطرفين، وخاصة فيما يتعلق بدعم إيران للنظام السوري: "من وجهة نظر تركية، إيران وحزب الله هما السبب في الفوضى التي تعيشها سوريا".
ومن جهة أخرى، قالت أيدن طاش باش: "تتحلى أنقرة بحذر شديد فيما تقوله وتفعله لأن علاقاتها مع إيران دائماً ما تكون حساسة". وتابعت: "من الواضح أن تركيا قلقة من تصعيد إقليمي أكبر وحتى اندلاع حرب شاملة بين إيران وإسرائيل، بما قد يترتب عليه من عواقب غير متوقعة. وستفعل كل ما في وسعها للبقاء خارج هذا الصراع".
وبحسب غونول تول، مديرة مركز تركيا في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، فإن مقتل نصر الله قد يؤدي إلى إضعاف طويل الأمد لإيران والميليشيات الشيعية المتحالفة معها، مما سيفتح المجال أمام تركيا لتوسيع نفوذها في مناطق الصراع مثل سوريا والعراق.
تقول تول: "إضعاف إيران وحزب الله يفتح الباب أمام تركيا للعب دور أكثر هيمنة في المنطقة، خاصة بعد سنوات من التوترات الإقليمية الناتجة عن تدخل إيران المباشر في هذه الدول".
التوتر التركي-الإيراني وموقف أنقرة الحذر
وبينما حافظت أنقرة على انتقاداتها العلنية لإسرائيل في ملفات أخرى، مثل دعمها للقضية الفلسطينية، إلا أنها التزمت الصمت نسبياً تجاه اغتيال نصر الله. هذا الصمت كان متعمداً وفقاً لما أشار إليه المحللون.
ويشير المحللون أيضاً إلى أن تركيا راضية عن انتكاسة "حزب الله"، وبالتحديد، إيران، إلى حد كبير بسبب دعمهما رئيس النظام السوري بشار الأسد، حيث تسببت الحرب في سوريا بزعزعة استقرار الحدود الجنوبية لتركيا، مما أدى إلى تدفق ملايين اللاجئين إلى أراضيها.
ويرى عمر أوزكزيلجيك، المحلل المرتبط بمركز الأبحاث "المجلس الأطلسي"، أن تركيا لا ترغب في الظهور بمظهر المتعاطف مع "حزب الله"، خاصة في ظل تاريخه الدموي في سوريا، الذي ساهم بشكل كبير في خلق أزمة اللاجئين التي تعاني منها تركيا.
وقال أوزكزيلجيك: "تركيا لا تزال تتذكر الجرائم التي ارتكبها حزب الله في سوريا، والتي أدت إلى تدفق الملايين من اللاجئين إلى تركيا".
وقال أوزكزيلجيك، إن تركيا تشعر بالقلق إزاء خطط إسرائيل الحربية للبنان والكوارث الإنسانية التي تتكشف في غزة، لكنها لا تريد أن تكون داعمة لإيران ووكلائها.
وأضاف: "تركيا تسير على خط ضيق بين عدم إظهار التضامن مع حزب الله وإيران من جهة، والمطالبة بإنهاء التصعيد الإسرائيلي من جهة أخرى".
الصمت التركي لم يكن مجرد غياب للرد، بل كان خطوة محسوبة، كما أوضح شخص مطلع على التفكير التركي لموقع (Middle East Eye). وقال: "الصمت هو أيضاً بيان. لم تُصدر تركيا أي رد فعل يعبر عن الفرح أو الحزن تجاه مقتل نصر الله، وهذا موقف مهم يحفظ توازن علاقاتها مع كل من إيران وإسرائيل".
حزب الله والأسد: جذور الخلاف التركي-الإيراني
ومن جانبه، أشار أوزغور أونلو حصار جيكلي، من صندوق مارشال الألماني، إلى أن تركيا ترى في ضعف "حزب الله" إضعافاً للنظام السوري الذي لطالما كان مدعوماً من قبل الحزب وإيران.
وأضاف في حديثه إلى موقع (France24) أن "تركيا وحزب الله ليسا على نفس الخط عندما يتعلق الأمر بالقضايا الإقليمية، وخاصة في سوريا، حيث يدعم حزب الله النظام ويشارك في جرائم الحرب التي ارتكبها الأسد".
وتابع: "على الرغم من تباين الآراء في تركيا بشأن مقتل نصر الله وخسائر حزب الله، فمن الواضح أن تركيا أقل قلقاً بشأن هذه الخسائر مقارنة بخسائر حماس".
التوتر بين تركيا و"حزب الله" يعود إلى الدعم العلني الذي قدمه الحزب للنظام السوري بقيادة بشار الأسد منذ اندلاع الثورة السورية، حيث دعمت تركيا المعارضة السورية واستقبلتها على أراضيها، ما جعلها في مواجهة مباشرة مع "حزب الله".
وخلال عملية "درع الربيع" التي شنتها تركيا في إدلب في عام 2020، استهدفت القوات التركية مقاتلي "حزب الله"، مما أدى إلى مقتل العديد منهم. هذا الصدام العسكري عمّق الخلافات بين أنقرة وطهران، ودفع تركيا إلى مراجعة استراتيجياتها الإقليمية في التعامل مع إيران وحلفائها.
ورغم هذه التوترات، يرى المحللون أن تركيا تحاول صياغة سياسة جديدة في الشرق الأوسط تهدف إلى تحقيق توازن بين دعمها للمعارضة السورية وفتح قنوات جديدة للحوار مع الحكومات الإقليمية، بما في ذلك لبنان وسوريا.
مصطفى جانر، المحلل في مركز أبحاث "سيتا" التركي، يقول في حديثه إلى موقع (Middle East Eye): "أولاً، يجب على أنقرة الحفاظ على دعمها للمعارضة السورية وأيضاً إدارة التحفظات العاطفية لهذه المعارضة.. ثانياً، يجب عليها تجنب الانجرار إلى الخطاب الإيراني بعد 7 تشرين الأول بشأن السياسة الفلسطينية. في حين أن تركيا تفضل الدبلوماسية والقانون الدولي، تواصل إيران تغذية النشاط المسلح من خلال الجماعات التي تمكّن توسعها الإقليمي".
وأشار جانر، إلى إن أنقرة تصيغ حالياً سياسة جديدة للشرق الأوسط تهدف إلى فتح صفحة جديدة مع كل من سوريا ولبنان، وبالتالي اتخاذ موقف وسطي بين "حزب الله" وإسرائيل.
قلق تركيا من تصاعد العنف الإقليمي
وبالنظر إلى أن تركيا تشعر بقلق بالغ إزاء تصرفات إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، بدءاً باغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية والتفجيرات الأخرى التي استهدفت قيادة "حزب الله"، قال الشخص المطلع على التفكير التركي: "إسرائيل، في سعيها لإعادة بناء قدرتها على الردع، تحولت في النهاية إلى قوة غير منضبطة وغير مقيدة. ومن غير المستدام أن تستمر في حملاتها الاغتيالية لفترة طويلة".
رغم أن تركيا انتقدت إسرائيل بشدة في هجماتها على غزة، إلا أنها حذرت أيضاً من مخاطر تصعيد إقليمي قد يؤدي إلى اندلاع حرب شاملة بين إيران وإسرائيل. سنان جدّي، خبير السياسة التركية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أشار إلى أن تركيا قلقة من التداعيات التي قد تترتب على هذا الصراع، لا سيما إذا ما توسعت المواجهات لتشمل مناطق أخرى في المنطقة.
وقال جدّي: "تركيا تسعى للحفاظ على موقعها كقوة إقليمية مستقلة، دون أن تتورط في صراع قد يؤدي إلى عواقب غير محسوبة"، وأشار إلى أن أردوغان استضاف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أيلول، ومن المرجح أنهما ناقشا "دوراً تنسيقياً أوسع" لبلديهما في غزة بعد انتهاء الصراع.