icon
التغطية الحية

بعد تجميد "الاتحاد الوطني لطلبة سوريا".. هل تنصف العدالة ضحايا القمع الجامعي؟

2024.12.30 | 05:41 دمشق

آخر تحديث: 30.12.2024 | 18:07 دمشق

الاتحاد الوطني لطلبة سوريا
"مبنى الاتحاد الوطني لطلبة سوريا" (فيس بوك)
تلفزيون سوريا - آمنة رياض
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- تجميد نشاط "الاتحاد الوطني لطلبة سوريا" يعيد للأذهان دوره القمعي السابق، حيث استُخدم كأداة لقمع الأصوات المعارضة داخل الجامعات، مع توثيق انتهاكات بين 2011 و2013 تشمل قمع المظاهرات واعتقالات وتعذيب بالتعاون مع أجهزة الأمن.

- الاتحاد كان جزءاً من نهج عقائدي للنظام السوري، يهدف إلى صناعة مؤيدين عبر مؤسسات متعددة، ولم يقتصر على أعضاء حزب البعث فقط. السياسي أيمن عبد النور أشار إلى أهمية تشكيل هيئات طلابية مستقلة.

- الجامعات السورية شهدت اعتداءات جسيمة على الطلاب، مثل التعذيب بالصعق الكهربائي، وسط دعوات لتحقيقات مستقلة ونزيهة لضمان عدم تكرار هذه الجرائم وبناء مسار عدالة انتقالية حقيقي.

جمّدت القيادة السورية الجديدة نشاط "الاتحاد الوطني لطلبة سوريا"، مما أعاد إلى الأذهان الدور القمعي الذي لعبه الاتحاد خلال السنوات الماضية. تقارير وشهادات طلابية كشفت عن اعتداءات جسدية وتعذيب داخل الحرم الجامعي، حيث استُخدمت هذه المؤسسة كأداة بيد النظام لقمع الأصوات المعارضة، وسط دعوات متزايدة لمحاسبة المسؤولين والمتورطين.

أكد تحقيق أجراه "المجلس السوري – البريطاني" أن الاتحاد مارس انتهاكات ضد الطلاب منذ عام 2011، شملت قمع المظاهرات واعتقالات وتعذيب الطلبة نفسياً وجسدياً بالتعاون مع أجهزة الأمن. ووثّق التحقيق انتهاكات بين عامي 2011 و2013 عبر شهادات 20 شخصاً، من بينهم طلاب وأعضاء هيئة تدريس.

وفي بيان صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان عام 2021، أكدت الشبكة أن الاتحاد الوطني لطلبة سوريا كيان مرتبط بشكل وثيق مع عدد من الأجهزة الأمنية، ومتورط بعشرات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. من أبرز هذه الانتهاكات قمع المظاهرات الطلابية المناهضة للنظام السوري، وملاحقة واعتقال آلاف الطلاب الجامعيين.

الاتحاد

وشدد البيان على أن عدداً كبيراً من هؤلاء الطلاب تعرض للتعذيب والإخفاء القسري بشكل منهجي واسع. كما أشار إلى مساهمة الاتحاد الوطني في تجنيد العشرات من الطلاب لصالح الأجهزة الأمنية، وجمع بيانات عن زملائهم الطلاب الناشطين في الحراك السياسي ضد النظام بهدف ملاحقتهم والتضييق عليهم وفصلهم من جامعاتهم.

الحاجة إلى تحقيقات مستقلة

قال المدير التنفيذي لمنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، بسام الأحمد، لموقع تلفزيون سوريا، إن الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، مثل العديد من الهيئات الأخرى كأفرع حزب البعث والمكاتب الإدارية، لعب دوراً لم يكن من المفترض أن يلعبه. فبدلاً من أن يكون جهة تدافع عن الطلبة وحقوقهم، تحول إلى إحدى الأذرع الأمنية للنظام السابق. هذا الدور شمل انتهاكات خطيرة تضمنت الوشاية، والاعتقالات، والتعذيب، والضرب، وحتى الاحتجاز.

وأضاف "الأحمد" أنه من الضروري فتح تحقيقات شفافة ومستقلة لمعرفة المتورطين في هذه الانتهاكات داخل الاتحاد الوطني لطلبة سوريا. وأكد أن ليس كل من كان ضمن الاتحاد تورط في هذه الجرائم، ولذلك يجب تحديد الأفراد الذين ارتكبوا الانتهاكات ودورهم بالتحديد، سواء كان ذلك عبر الوشاية، أو المشاركة المباشرة في التعذيب، أو تسليم المعتقلين.

وتابع أن التوثيق هو خطوة أساسية، ويجب أن تُجرى تحقيقات مستقلة ونزيهة تؤدي إلى محاكمات عادلة للمتورطين. كما ينبغي أن تشمل هذه التحقيقات تحديد ما إذا كان هناك أفراد فقدوا حياتهم تحت أيدي المتورطين في الاتحاد.

وأكد الأحمد أن تسليط الضوء على هذه الانتهاكات يهدف إلى ضمان عدم تكرارها.وأشار إلى أهمية بناء مسار عدالة انتقالية حقيقي يضمن محاسبة المتورطين أمام جهات مستقلة ونزيهة، مع تحقيق العدالة دون تكرار ممارسات النظام في حرمان المعارضة من المحاكم العادلة. وأضاف: "غايتنا هي دولة قانون تحكمها العدالة".

السياسات العقائدية للنظام ودور اتحاد الطلبة

قال السياسي والإعلامي السوري-الأميركي أيمن عبد النور، لموقع تلفزيون سوريا، إن النظام سعى على مدار عقود إلى تأسيس بناء عقائدي متكامل للفرد السوري عبر مؤسسات متعددة، تشمل طلائع البعث في المرحلة الابتدائية، واتحاد شبيبة الثورة في المرحلتين الإعدادية والثانوية، واتحاد الطلبة في المرحلة الجامعية، بالإضافة إلى الخدمة العسكرية الإلزامية في جيش ذي طابع عقائدي.

وأوضح "عبد النور" أن هذه السياسات هدفت إلى صناعة فرد "ممسوح الدماغ"، مما أسفر عن وجود مؤيدين للنظام حتى اليوم. ووصف عملية "غسيل الدماغ" التي بدأت من الصف الأول الابتدائي بأنها كانت ناجحة وأُتبعت في العديد من الدول الدكتاتورية، مما أفضى إلى إنتاج قاعدة داعمة للنظام تصدمها الحقائق المروعة عند مواجهتها.

وأكد أن اتحاد الطلبة كان جزءاً من هذا النهج العقائدي، لكنه أوضح أن الاتحاد لم يكن مقتصراً على أعضاء من حزب البعث فقط، إذ ضم أيضاً مستقلين. ومع ذلك، كان هناك أعضاء يرفعون تقارير إلى القيادة لاتخاذ الإجراءات المناسبة.

بشأن المستقبل، تحدث "عبد النور" عن أهمية تشكيل هيئات طلابية مستقلة، لكنه أبدى تخوفه من أن القيادة الجديدة قد لا تسمح بذلك، مشيراً إلى أن الجامعات كانت نقطة انطلاق للعديد من الانقلابات في تاريخ سوريا. وأضاف: "كانت المقولة الشائعة بين السياسيين: أعطوني الجامعات والجيش لأقوم بانقلاب شهري".
 

الاعتداءات داخل الحرم الجامعي: صعق بالكهرباء وحرق بالسجائر

قالت والدة الطبيب محمد العسراوي، لتلفزيون سوريا، إن ابنها تعرض لانتهاكات جسيمة داخل الحرم الجامعي على يد أعضاء الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، في سياق من الانتقام والتسلط بسبب مواقف والده السياسية.

بدأت المأساة عندما كان محمد في السنة الخامسة وفي طريقه لحضور جلسة عملي، حين اختُطف من بهو الكلية على يد زملائه الموالين للنظام. "تم أخذه إلى غرفة خاصة تابعة للاتحاد، وتعرض لتعذيب وحشي دام خمس ساعات، شمل الحرق بالسجائر والصعق الكهربائي والضرب المبرح".

ولحسن الحظ، تصادف غياب رئيس اتحاد الطلبة عن الجامعة بسبب مشكلات أمنية، مما أجبر المعتدين على إطلاق سراح محمد لاحقًا. إلا أن الأضرار النفسية والجسدية كانت هائلة، إذ استلزم علاجه أسبوعين للتعافي من آثار التعذيب.

ورغم استعادة بطاقة الجامعة بعد معاناة طويلة، لم تنتهِ معاناة محمد. في يوم تخرجه، حذره أحد أعضاء الاتحاد "المعتدلين" من دخول الجامعة، حيث كان زملاؤه يخططون لاعتقاله مجددًا. اضطر محمد إلى الهرب خارج البلاد، متنقلًا بين مصر وتركيا، وصولًا إلى أوروبا. وعلى الرغم من إنهاء دراسته الطبية، لم يتمكن من معادلة شهادته بسبب الظروف القاسية، ليجد نفسه يعمل كممرض، بعيدًا عن حلمه بممارسة الطب.

استدراج خارج الحرم الجامعي وضرب وحشي

وروت طالبة في كلية الهندسة المعمارية تفاصيل مروعة عن يوم تعرض فيه زميلها لاعتداء وحشي من أعضاء الاتحاد. بدأت الحادثة باستدراجه خارج أسوار الجامعة، حيث قام المعتدون بضربه بوحشية في شارع خلفي. شاهدت الطالبة كيف انهال اثنان من المعتدين على زميلها، أحدهما ركض وقفز على رأسه بوحشية، في حين حاول الآخر كسر قدميه. بعد انسحاب المعتدين، وجدت الطالبة وزملاؤها زميلهم فاقدًا للوعي ومغطى بالدماء، في مشهد وصفته بالكابوس.

"بدي أعمل لحمك شاورما"

وروى المهندس مصطفى زيتون، الذي كان طالباً في السنة الخامسة، تفاصيل اعتداء وحشي تعرض له مع زميله داخل الكلية. بدأت الأحداث عندما أحبط الأمن محاولة اعتصام احتجاجاً على القمع.

يقول: "كنا نحاول الخروج بهدوء، لكن أثناء عودتي وصديقي لاسترجاع اللابتوب من أحد الأقسام، اعترضنا شبيح وبدأ بتوجيه الشتائم. حاولنا تجاهله، لكن سرعان ما وجدنا أنفسنا محاصرين بمجموعة من الشبيحة. تعرض طارق للضرب على رأسه حتى سقط مغشياً عليه، وعندما تدخلت، بدأت المجموعة بالاعتداء عليّ أيضاً."

وتابع: "كانت الأعداد كبيرة، والضرب يأتي من كل اتجاه. سقطت على الأرض محاولًا حماية رأسي بينما استمرت الركلات والضربات بلا رحمة. في لحظة من الفوضى، شاهدت أحدهم يحاول ضرب طارق بكرسي خشبي. تدخلت، وحاولت حماية زميلي، لكن الضربات لم تتوقف حتى تدخل عميد الكلية، الذي أبعد الشبيحة وسحب طارق إلى مكتبه."

وزاد: "حتى داخل مكتب العميد، استمرت التهديدات، حيث اقتحم أحد الشبيحة المكتب وقال لي سأجعل لحمك شاورما".
بعد الحادثة، أُحيل مصطفى وزميله إلى مجلس تأديبي بتهم إثارة الفوضى، وظلت آثار الاعتداء الجسدية والنفسية تلاحقهما طويلًا.

إصلاح اتحاد الطلبة: نحو تمثيل حقيقي للطلاب

 

قال أستاذ في كلية جامعة دمشق، إن الاتحاد الوطني لطلبة سوريا كان فكرة جيدة وضرورية من حيث المبدأ، لكنه تحول في ظل النظام إلى أداة قمع تخدم مصالح الأمن وحزب البعث. وأضاف: "لقد شاهدت شخصياً كيف كان الأمن يستفيد من الاتحاد لجمع معلومات عن الطلاب، حيث كان البعض يقدم تقارير مباشرة إلى الجهات الأمنية".

وأكد الأستاذ الجامعي أن القرار بتجميد الاتحاد كان صحيحاً، مشدداً على حاجة الطلاب إلى جهة تمثلهم وتنقل مطالبهم إلى إدارات الكليات والجامعات. وقال: "الاتحاد في شكله الحالي لم يخدم الطلاب، بل استُغل لصالح حزب البعث ورأس النظام. يجب أن تبقى الفكرة قائمة كهيئة طلابية، ولكن على أن يكون هدفها الأساسي تمثيل مطالب الطلاب والدفاع عن حقوقهم، بعيداً عن أي تدخل أمني أو حزبي".

تأسيس الاتحاد ودوره التاريخي

في عام 1966، تم تأسيس "الاتحاد الوطني لطلبة سوريا" بموجب مرسوم تشريعي رقم 130 ليصبح الممثل الوحيد للطلبة الجامعيين في البلاد، ويعمل تحت مظلة "حزب البعث". واستمر الاتحاد في هذا الدور حتى أصدر بشار الأسد المخلوع، في كانون الثاني الماضي، قانوناً يضمن استقلال الاتحاد مالياً وإدارياً، قبل أن يتم تجميده قبل أيام من قبل الحكومة السورية الجديدة.

وعلى مدى سنوات، أشرف الاتحاد على تنظيم "معسكرات التدريب الجامعي" التي كانت جزءًا من البرنامج الدراسي، إلى أن تم حل مراكز التدريب المسؤولة عن هذه المعسكرات في عام 2015. ومع ذلك، وُجهت للاتحاد اتهامات بتجنيد الطلاب لخدمة الأجهزة الأمنية.

تصاعد دور الاتحاد داخل كتائب البعث، وهي ميليشيا مسلحة موالية للنظام السابق. وقد دفعت هذه الأنشطة وزارة الخزانة الأميركية إلى فرض عقوبات على محمد عمار ساعاتي، أحد أبرز مسؤولي حزب البعث ورئيس الاتحاد الوطني لطلبة سوريا لمدة 17 عامًا. وفي تموز 2020، خلفته دارين سليمان في رئاسة الاتحاد.

وذكرت وزارة الخزانة في بيانها أن ساعاتي "قاد منظمة ساهمت في إدخال طلاب الجامعات إلى الميليشيات المدعومة من الأسد".

وعمار ساعاتي، كان عضو القيادة القطرية لـ"حزب البعث"، وترأس الاتحاد الوطني لطلبة سوريا منذ عام 2004 ولمدة 17 عامًا. شغل عدة مناصب قيادية داخل الحزب، منها:
    نائب رئيس الاتحاد (1995-2000).
    عضو مجلس الشعب (2003-2015).
    عضو اللجنة المركزية لحزب البعث منذ عام 2013.
    رئيس مكتب إدارة الحزب.

كما يُعرف ساعاتي بتوجيهه الدعوات لالتحاق الشباب السوري بقوات النظام، وأسس "كتائب البعث" لدعم العمليات العسكرية. وأسهم أيضاً في تعزيز نفوذ رجال أعمال مقربين من النظام، مثل محمد حمشو.

كان ساعاتي متزوجاً من الإعلامية لونا الشبل، التي تحولت من مذيعة في قناة "الجزيرة" إلى مستشارة إعلامية لبشار الأسد، قبل أن تلقى حتفها بحادث سير قيل إنه مدبّر.