icon
التغطية الحية

وثائق السجون السورية المفقودة.. بحث عن رفات المعتقلين ودلائل الحياة

2024.12.29 | 05:07 دمشق

آخر تحديث: 29.12.2024 | 09:49 دمشق

وقفة في ساحة الحجاز بدمشق للمطالبة بكشف مصير المعتقلين والمختفين قسرا ـ AFP
وقفة في ساحة الحجاز بدمشق للمطالبة بكشف مصير المعتقلين والمختفين قسرا، 27 كانون الأول 2024 ـ AFP
تلفزيون سوريا ـ وفاء عبيدو
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- بعد سقوط نظام الأسد، طلبت الآلية الدولية المحايدة والمستقلة إذن الحكومة السورية الجديدة للتحقيق في الانتهاكات السابقة، حيث وثقت مئات مراكز الاعتقال والمقابر الجماعية، ونظم السوريون وقفات احتجاجية للمطالبة بالكشف عن مصير المفقودين.
- تروي روز النميري قصة اعتقال أخيها حسين النميري، النقيب المنشق، وتؤكد على أهمية الحفاظ على الوثائق التي تثبت الجرائم المرتكبة.
- تشير التقارير إلى اختفاء 96,321 شخصاً قسرياً منذ 2011، وتوثيق إعدامات جماعية في سجن صيدنايا، مما يعكس حجم المأساة الإنسانية.

بعد أسبوعين من سقوط نظام "السجون" السوري، جاء تصريح رئيس الآلية الدولية المحايدة والمستقلة التابعة للأمم المتحدة، روبرت بوتيت، متأخرا ليعلن أن الهيئة طلبت إذن الحكومة السورية الجديدة لبدء العمل الميداني والتحقيق في الانتهاكات التي وقعت في البلاد فترة حكم نظام الأسد المخلوع.

وقال بوتيت في تصريح من دمشق إن التحقيقات التي أجريت عن بُعد سابقاً أدت إلى توثيق المئات من مراكز الاعتقال في سوريا.

وأضاف: "كل مركز أمني، وكل قاعدة عسكرية، وكل سجن، كان له مكان احتجاز أو مقبرة جماعية خاصة به، وبالتالي سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن نعرف الحجم الكامل للجرائم المرتكبة".

وقال: "أولويتنا الأولى ستكون الذهاب ومحاولة تحديد مدى المشكلة، ومعرفة ما هو متاح بالضبط من حيث إمكانية الوصول والأدلة المحتملة، ثم معرفة كيف يمكننا المساعدة بشكل أفضل في الحفاظ على ذلك".

وبعد أيام من السقوط، ترقب عشرات آلاف السوريين أخبارا من سجن صيدنايا بشأن ذويهم المعتقلين، إلا أن فرق "الدفاع المدني" أعلنت عن انتهاء عمليات البحث من دون العثور على أي زنازين وسراديب سرية لم تفتح بعد.

وأخيرا، نظم العديد من السوريين في مختلف المدن والبلاد وقفات احتجاجية للمطالبة بالكشف عن مصير المفقودين والمغيبين قسراً في سجون النظام البائد خلال مدّة حكمه، كان من هذه الوقفات عند دوار الساعة في مدينة حمص، ومدينة القصير بريف حمص، بالإضافة إلى تجمعهم في ساحة الحجاز وساحة الأمويين في العاصمة دمشق، كما نظموا في العاصمة الألمانية برلين وقفة تضمنت حمل الشموع.

ورفع المحتجون صور أبنائهم وذويهم المفقودين ولافتات كتب عليها، "نطالب بالكشف عن مصير المفقودين"، "العدالة لا تكتمل دون الكشف عن الحقيقة"، "احمو المقابر الجماعية واحفظوا الوثائق"، "العدالة طريق السلام في سورية".

مختفون بلا مصير

"انتظرت حسين 11 عاما، رجوت الله عودته لكن الزمن لم يكن كريما، وطني ما زال مغيبا مع غيابه"، هكذا تصف روز النميري اعتقال أخيها النقيب المنشق حسين النميري.

درس حسين في كلية الحقوق ثم التحق بالجيش العربي السوري وانشق عنه منتصف العام 2012، بعد رفضه لأوامر تلقّاها بقصف مدينة اعزاز بريف حلب حيث كان قائد كتيبة مدفعية، ليلتحق في صفوف الجيش الحر وكان من قيادات أحياء الجنوب الدمشقي، تلك المنطقة التي تعرضت لسياسة ممنهجة من التجويع ومنع الغذاء والدواء من قبل قوات الأسد.

عرف حسين بـ "أبو الفقراء" وكانت جملته الشهيرة "لن نخذل أحلام البسطاء بالحرية والكرامة"، وفي 2013/11/6، اقتحمت قوات النظام بمؤازرة من حزب الله وميليشيا أبي الفضل العباس بلدة سبينة حيث اعتقل حسين وسميت عملية القبض عليه "يا سيد الشهداء".

وقف
وقفة في ألمانيا للمطالبة بالكشف عن مصير المعتقلين

أغمضت روز عينيها بألم رفعت رأسها وذرفت من عينيها ما سقط من الدموع، وقالت اتصل بي في أثناء الاقتحام وقال "اقتحموا موقعنا أعلم أن مصيري الشهادة وسيتلذذون في تعذيبي ليست مشكلة ولست خائفا ولكن وصيتي هو طفلي لا تتوقفوا يا أختاه وأكملوا الطريق الذي بدأناه، سقط الهاتف وبدأت أصواتهم وهم يلقون القبض عليه وأغلق الخط".

عملت روز على العديد من الحملات لتوثيق المغيبين والمختفين قسرا، وكشف مصير أخيها وجميع المعتقلين والمطالبة بهم، ولكن إلى اليوم لم تصل إلى أي معلومة مجدية تكشف مصير أخيها.

ضياع الوثائق مأساة جديدة لذوي المعتقلين

"أجلت كثيرا من أحلامي وأنا أنتظره"، تابعت روز أنه مع اقتراب سقوط النظام وصلت معلومات أنه ما زال على قيد الحياة ليتبين لاحقا أنها غير صحيحة، وبعد السقوط "انهارت كل الآمال، لا وثائق تُثبت مصيره ولا أثر في سجون صيدنايا أو غيرها لقد دفنوا الحقيقة معه في زنزانة مظلمة، وضم جثمانه الطاهر قبر مجهول كنت أعلم أن حسين بصموده وإيمانه، لن يكون إلا شهيدا".

تصف روز حزنها على أخيها أنه ألم يمتد إلى كل الأمهات والأخوات اللواتي ينتظرن أحبتهم والذين ما زالوا مختفين، وأن كل دقيقة تمر تُضاعف الغصة في قلبها، وكل يوم جديد في هذه الحيرة يعمّق شعور الظلم لديها.

كما أشارت إلى أهمية الوثائق والحقائق التي أتلفت في أثناء سقوط النظام أو التي ما زالت مرمية بين الأقدام من دون السعي للحفاظ عليها بمكان آمن، موضحة أن تلك الوثائق هي الإدانة للمجرمين الذين ارتكبوها وتفتح باب العدالة الانتقالية.

ويبلغ عدد المختفين قسريا في سجون نظام الأسد منذ آذار 2011 حتى آب الماضي 112 ألفا و414 شخصا، بينهم 2329 طفلا و5742 سيدة، بحسب بيانات "الشبكة السورية لحقوق الإنسان".

وأكد مدير الشبكة السورية فضل عبد الغني أن الشبكة توصلت إلى أن 24,200 شخص أُفرج عنهم من مراكز احتجاز النظام بعد سيطرة الفصائل السورية على مناطق عدة، منها حلب وحماة وحمص ودمشق خلال شهر كانون الأول الجاري.

ووثقت "منظمة العفو الدولية" في تقرير  نشرته في شباط عام 2017، إعدامات جماعية بطرق مختلفة نفذها النظام السوري السابق بحق 13 ألف معتقل في سجن صيدنايا، وأوضحت المنظمة أن الإعدامات جرت أسبوعيا أو ربما مرتين في الأسبوع بشكل سري، واقتيدت خلالها مجموعات تضم أحيانا 50 شخصا، إلى خارج زنزاناتهم، وشنقوا حتى الموت.

بحث عن رفات أو دليل حياة

في تفاصيل مشابهة سابقا حمل قيصر، وهو مصور سابق في الشرطة العسكرية السورية، 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل، قتلوا تحت التعذيب بين عامي 2011 و2013، وأكد مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) صحتها وعرضت في مجلس الشيوخ الأميركي، وأثارت الرأي العام العالمي.

"مضت أعوام ولا خبر عن شقيق الروح، لطالما بحثت في سجلات المعتقلين وسألت كل الناجين من سجون النظام ولا أثر لأخي".

هكذا عبرت سمر السعد إحدى النساء المسجلات في عائلات قيصر عن معاناتها بفقدان أخيها أسامة.

كان أسامة معيلا للعائلة بعد عجز والده النصفي، ولم يكن يملك القدرة على استئجار منزل بعد نزوحهم، ما دعاه لإبقاء عائلته بأحد الجوامع في منطقة الزاهرة، القريبة من سكنه الأساسي في مدينة الحجر الأسود جنوبي العاصمة دمشق، ليكون قريبا من أخيه الأصغر محمد الذي رفض ترك منطقته وانضم إلى صفوف "الجيش الحر"، ولمتابعة نشاطه في مساعدة أهالي المنطقة.

بدأ صوت سمر بالاختناق وهي تستعيد في ذاكرتها اعتقال أسامة في 19 من كانون الأول عام 2013 من جامع الأشمر، تقول إن أخاها كان يشتري لأطفاله العصير من إحدى العربات، وإذ بأربعة عناصر أمن بالزي المدني قالوا له "تفضل معنا"، سألهم والدي إلى أين تأخذونه ماذا تريدون منه فقال له أحد العناصر "ساعة ثم يعود لن يتأخر".

"ذهب أسامة ولم يعد"، ذهب تاركا خلفه ثلاثة أطفال، مرت السنوات ولا خبر عنه ولم تحصل عائلته على أي معلومة.

في إحدى المحادثات بين سمر وأخيها محمد عبر تطبيق "واتساب"، أرسل إليها صورة أخيهما المفقود كانت بين صور قيصر ولكنها لم تتمكن من معرفته عندما بحثت مسبقا، وقالت "عرفته هذا روحي هذا أخي، في هذا اليوم علمت أن للروح وجعا"، بهذه الكلمات تصف رؤية أخيها الذي قتل تحت التعذيب في سجون النظام كانت تقول كلماتها بحزن ثم توقفت وتنهدت وقالت "لا أعرف ماذا أقول".

قدمت سمر حينئذ طلب توثيق مفقود لـ "رابطة عائلات قيصر" وعلى أثره تواصل معها فريق التوثيق، وأخبرها عن مطابقة الصورة مع صورة أخيها.

ويبقى البحث عن جثامين المعتقلين ورفاتهم هاجسا لدى الأهالي الذين تأكدوا من وفاة ذويهم تحت التعذيب. وأعلن الدفاع المدني في بيان له، الثلاثاء 17 من كانون الأول أن فرق البحث تلقت بلاغا بوجود رفات منقولة غير مدفونة في موقع طريق مطار دمشق الدولي بريف دمشق الشرقي، حيث توجهت فرق الدفاع المدني للموقع وعاينته.

كما رصدت وكالة "الأناضول" ما يعتقد أنها مقبرة جماعية في منطقة الحسينية بريف العاصمة دمشق على طريق المطار، وأظهرت المشاهد المصورة أكثر من 100 حفرة يصل عمقها إلى نحو 20 مترا.