في التقرير الكامل عن مجزرة حيّ التضامن بدمشق، والذي أصدره المعهد الهولندي لدراسات الحرب والهولوكوست والإبادة الجماعية؛ يُذكر اللواء «بسام مرهج حسن» بوصفه أحد كبار المسؤولين عن هذه المجزرة وفق التسلسل الإداري.
هذه واحدة من مرات كثيرة يتكرر فيها خطأ شائع يخلط بين ضابطين في القصر الجمهوري، متشابهي السيرة جزئياً، يحمل كل منهما اسم بسام، هما «بسام محمد حسن» و«بسام محمد مرهج». ويرجّح مطلعون أن النظام تقصد هذا منذ البداية للتعمية على المنصب الخطير للأول بالوظيفة الهامشية للثاني. ويضيفون أن الصور المتداولة لبسام حسن ليست له كذلك، بل للعميد معين شحادة، المرافق المخلص للأسدين. وهو خطأ بثته Fox News عام 2017 حين أعلنت عن الوصول إلى صور للواء الغامض بسام حسن ونشرت صور شحادة بدلاً عنها دون قصد.
تمييز الثلاثة مهم. وعلى وجه الدقة تمييز حسن عن الاثنين الآخرين، لورود اسمه في قوائم العقوبات الأميركية والأوروبية نتيجة مسؤولياته الجسيمة عن انتهاكات كبرى خلال السنوات الماضية بعد الثورة.
ولد بسام حسن عام 1961 لعائلة علوية تنحدر من قرية شين بريف حمص، ولأب خدم في الجيش الفرنسي ثم في الدرك. نشأ بسام في حمص ودرس في جامعتها، «جامعة البعث»، وتخرج في كلية الهندسة المدنية عام 1985.
في ذلك الوقت كان باسل الأسد قد بدأ بإعداد طاقمه لحكم البلاد في المستقبل، وخاصة عبر دورات المهندسين القياديين التي ابتدعها في الجيش والتحق بأولاها، في حين كان بسام حسن أحد أفراد قليلين (منهم مناف طلاس وكفاح ملحم) من دورتها الثانية، بعد أن تطوّع في الجيش ثم صار على ملاك الحرس الجمهوري، ضابطاً في الكتيبة الثانية دبابات مستقلة، التي كانت بقيادة باسل نفسه منذ تأسيسها عام 1986 وحتى ترقيتها إلى اللواء 105 مدرعات عام 1992. تدرّج بسام حسن في الكتيبة، ثم في اللواء حتى أصبح رئيس أركانه.
لكن مهام بسام حسن تغيرت فجأة عندما خلف العميد محمد سليمان، مدير المكتب الأمني والعسكري لبشار الأسد، عند مقتل سليمان في منتجع الرمال الذهبية بطرطوس، في استهداف من البحر، عام 2008. وهنا بدأ التباس الاسم عندما قالت تسريبات إن الذي حل مكان سليمان هو «بسام مرهج». وبدأت التعمية على الشكل بعد تمكن قناصين إسرائيليين من إصابة سليمان وحده في مقتل، بين مجموعة الضيوف الذين كان قد دعاهم للعشاء على شرفة الشاليه، نتيجة معرفة صورته.
يكبر بسام مرهج سميَّه قليلاً. وهو ينحدر من لفتايا القريبة من شين. نشأ مرهج في حيّ الزهراء بحمص في حين قطنت عائلة حسن في حيّ النزهة المجاور. درس الاثنان في الثانوية نفسها على الأرجح، ولم تكن علاقتهما طيبة رغم زمالتهما أيضاً في الحرس الجمهوري الذي التحق به مرهج بعد تخرجه في الكلية الحربية، ثم وجودهما في القصر الجمهوري الذي تسلّم فيه مرهج «مكتب الاستعلامات». وهو مكتب قليل الأهمية يعنى بعلاقات منزل الرئيس مع محيطه، ولا سيما أيام «قصر المهاجرين» الواقع في منطقة مأهولة يحتاج سكانها إلى إدخال شاحنة محمّلة بالمفروشات مثلاً، أو إلى إصلاح خزّان المياه على السطح، أو إلى استقبال المعزّين الذين سيتجمعون في بيت أو في سرادق. وكانت كل هذه الأمور تحتاج إلى موافقة من جارهم الرئاسي حفاظاً على أمنه. ورغم أن هذه المهام ثانوية فإنها أتاحت لمرهج، بوصفه «ضابطاً في القصر» في أول الأمر وآخره، علاقات مع هذا الجوار الميسور، استفاد منها في جمع ثروة عمد إلى استثمارها في قطاع الإعلانات والمعارض الناشئ مع الانفتاح الاقتصادي في عهد بشار. بالإضافة إلى تعهدات المشاريع التي كانت تحصل عليها زوجته المهندسة من عملها في رئاسة مجلس الوزراء.
سيرة الرجل الثالث قصيرة جداً. معين شحادة شقيق أصغر لرفيق، رجل المخابرات الشهير. ومعين ضابط في الحرس الجمهوري لكن مهمته هي المرافقة فقط. وهو متزوج من الصيدلانية غيداء بنت هاشم معلا، الضابط التاريخي في الوحدات الخاصة.
بالعودة إلى بسام حسن فإننا لا نعرف الكثير عن حياته الشخصية، إن وجدت، فهو يقضي وقته في العمل لصالح الأسد بكل تفان. متزوج من ملك هزيم، وهي ربة منزل ليس لها ظهور في الحياة العامة. ومن يعرفون أبو عمار يتحدثون عن رجل بلا صداقات ولا علاقات نسائية ولا هوايات ولا اهتمام ببناء شبكة ولاءات بين المسؤولين الذين يعاملهم بفظاظة وعند الاضطرار فقط. ولا حتى اهتمام خاص بالمال الذي يأتي ويفيض على كل حال، ويوكّل باستثماره ابن أخته وبيت سرّه الوحيد، صقر رستم، أحد أبرز من ينطبق عليهم وصف «أمير حرب» في سوريا الحديثة.
في منزله المكون من عدة طوابق في حي وادي الذهب بحمص كان المهندس صقر قد بدأ يجمع حوله متطوعين علويين في لجان شعبية بادرت إلى مؤازرة الأجهزة الأمنية في التصدي للمحتجين، والدخول مع الأحياء السنّية في حرب أهلية محلية ومتصاعدة، بدأت بالمناوشات وقطع الطرق وخطف الرهائن المتبادل. لم يكن مستقبل هذه المجموعات واضحاً قبل كانون الثاني 2012، عندما استقبل صقر خاله القوي قادماً من دمشق وبصحبته وفد مفاجئ ضم الجنرالين قاسم سليماني وحسين همذاني من الحرس الثوري الإيراني. وفي مذكراته يروي الأخير كيف جرى الاتفاق مع صقر على تجهيز قوة بعدد أولي من ألفي مقاتل من الطائفة العلوية تكفل الحرس الثوري بتسليحهم وتدريبهم ودفع رواتبهم لبناء ما يشبه الباسيج السوري سيعرف باسم «الدفاع الوطني» الذي رعاه العميد بسام حسن دون صفة تتعدى لقب «الخال» الذي تلبّسه نتيجة قرابته هذه بصقر رستم، أشهر قادة الدفاع الوطني وأشرسهم.
بعد اهتراء البنية العسكرية للجيش واعتماد التراتبية فيه لفظة «المعلّم»، تُرك لقب «الخال» لزعماء المجموعات الرديفة التي تبيح لنفسها السلوك كعصابات مسلحة موالية للنظام. وهذا ما حازه الخال بسام حسن عبر ذراعيه القويين في الدفاع الوطني، صقر رستم في حمص وفادي صقر في دمشق. ضمّت هذه القوات عشرات آلاف المتطوعين في خليط من المارقين وأرباب السوابق والعسكريين الملزمين وضباط الجيش السابقين أو العاملين المفرزين للتدريب. وبحكم تكوينها الطائفي الغالب ارتكبت أبرز المجازر الأهلية المعروفة في حمص وريفها، ونهبت الأسواق التجارية والبنوك والشركات العامة والخاصة كلما وجدت إلى السرقة سبيلاً.
في غضون ذلك كان بسام حسن، وقد تمت ترقيته إلى لواء في 2016، يتابع تحت سيفي هذه الرتبة ونسرها استخدام أسلحة أثقل مما يستطيع فعله بوصفه خالاً. فمنذ ورث مهامه عن محمد سليمان صار مركز البحوث والدراسات العلمية من صلاحياته، بما ينتجه من صواريخ صارت تستخدم لقصف المناطق المتمردة ومن مخزون كيماوي يلزم التحايل على إخفائه ونقله واستخدامه مرات عدة لم يكن مستشار بشار هذا خارج المجموعة التي اتخذت قرارها.
كما يمسك اللواء بسام حسن ملف العلاقة مع الإيرانيين وحزب الله. وكان أقرب الشركاء السوريين لقاسم سليماني. من دون أن يصبح رجل إيران، فهو يحافظ على ولاء شديد لآل الأسد. وبالمقابل يوليه بشار ثقة شبه مطلقة، فهو المتحكم بالأجهزة الأمنية والمشرف عليها. ويرى بعض المطلعين داخل التركيبة أن الفضل في بقاء بشار في الحكم يرجع إلى بسام، وأنه الرجل الذي حمى الأسد من السقوط الذي كان وشيكاً في كثير من المرات.