رغم نفي وزير الكهرباء في حكومة النظام السوري خصخصة قطاع الكهرباء، لأنه -بحسب زعمه- قطاع "سيادي"، لكننا لا غرابة في "بيع" هذا القطاع وفق صيغ يمكن وصفها بـ"خصخصة مع محسوبية"، لأنّ تراخيص "توليد الطاقة وبيعها" تُمنح وفقاً لـ"محسوبيات" ومعايير كرّسها النظام خلال عقود طويلة.
وبدأت حكومة النظام بتهيئة الأجواء العامة للإعلان عن خصخصة قطاع الكهرباء، حيث نشرت صحيفة "البعث"، مطلع العام 2024، مقالاً جاء فيه "قطاع طاقتنا الكهربائية يُقضم شيئاً فشيئاً من قبل القطاع الخاص"، وهو كلام غير مألوف نشره على وسائل الإعلام التابعة للنظام والمقرّبة منه.
وساقت الصحيفة الأدلة والبراهين على أن مؤشرات وملامح الخصخصة باتت واضحة ومنها ما تم تجييره تحت عنوان "الدفع الإلكتروني" لفواتير الكهرباء من كوّات الجباية الحكومية كخدمة عامة إلى محال الموبايلات والمراكز الخاصة التي أصبح لديها "باب رزق" جديد مستدام تحت مسمى "خدمة مأجورة أو عمولة".
وحصل موقع تلفزيون سوريا على صورة من قرارات منح رخصة توليد كهرباء "مستقلة" وهو ما اعتبره المهندس وائل المصطفى -اسم مستعار لأحد موظفي مديرية كهرباء دمشق- أنه إعلان رسمي عن ولادة نمط جديد من علاقة النظام مع المواطنين في ما يتعلّق بقطاع الكهرباء، حيث يتنصّل النظام من تأمين حد أدنى من الطاقة الكهربائية للأهالي.
وأضاف "المصطفى" وهو يعمل في قسم "العقود والمناقصات"، بأنّ "الأمن العسكري يدرس أسماء كل المتقديمن، ثم يرسل قائمة الأسماء الموافق على منحهم ترخيص توليد الطاقة وبيعها".
وتابع: الهدف الرئيس من الحصول على تراخيص هو المتاجرة ببيع "الأمبيرات"، والتي لم يعد يقتصر مستثمرها على مولدته الخاصة في إنتاج الكهرباء من الديزل، بل الحصول على تراخيص توليد تحت ذريعة تراخيص ممنوحة إلى شركات حكومية، وهذا ما أكّدته الوثائق بحصول المواطن (تمام المهلب حسن) على رخصة لتوليد الطاقة بترخيص ممنوح لشركة "زيت الزيتون" السوري المساهمة في طرطوس.
وبحسب "المصطفى"، فإنّ أخطر أشكال خصخصة القطاع تمثّلت بعقود التشغيل الحصرية لمحطة توليد كهرباء دير علي في دمشق، التي وقّعتها الحكومة مع إحدى الشركات الخاصة التابعة لـ(محمد حمشو)، والذي يعتبر الذراع الاقتصادية لـ ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري وقائد "الفرقة الرابعة".
يذكر أنّ رئيس النظام السوري، بشار الأسد أصدر، آواخر العام 2022، قانوناً يسمح للقطاع الخاص بإنتاج الكهرباء، لأوّل مرة في سوريا، وذلك في محاولة للتخفيف من الأزمة الحادة التي تعيشها مناطق سيطرة النظام، حيث تصل فترات التقنين اليومي فيها إلى أكثر من عشرين ساعة.
وبموجب القانون الجديد الذي نشرته وكالة أنباء النظام "سانا"، فإنه يمكن لوزارة الكهرباء الترخيص للمستثمرين الراغبين في تنفيذ مشاريع التوليد التقليدية والمتجددة للكهرباء، من دون التزام شراء الكهرباء.
ووفق القانون، تتولى المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء أو شركة الكهرباء في المحافظة، نقل الكهرباء إلى مشتركين رئيسيين أو مشتركين على التوتر المتوسط أو لغرض التصدير، ضمن الإمكانات الفنية وحدود الاستطاعة المتاحة لشبكة النقل أو التوزيع، مقابل بدل استخدام متفق عليه.
كذلك يمكّن القانون، مؤسسة الكهرباء أو شركة الكهرباء في المحافظة عند توافر الإمكانات الفنية لديها، من شراء الكهرباء الفائضة التي ينتجها المستثمر، على أن تُربَط شبكته بشبكة النقل أو التوزيع على التوتر المتوسط وعلى نفقته، وبشروط الوزارة وأسعارها.
المهندس في "مديرية كهرباء دمشق" يختم كلامه بالتأكيد على أنّ هذه الخطوة -إن حدثت- فإنها تعتبر تنصلاً من دور واستحقاق يُفترض أن تقوم به حكومة النظام تجاه المواطن، باعتبار أنّ "الخصخصة تعني تعويم اﻷسعار من دون ضوابط إﻻ من الناحية النظرية، في ظل انهيار كبير بسعر صرف الليرة السورية أمام الدوﻻر، ما يجعل الكهرباء حكراً على شريحة محدّدة قليلة من الناس، حصلت على الترخيص عبر بوابة الأمن العسكري".
من اللافت أن ملف خصخصة القطاع العام، مرّ بمراحل وجدلٍ واسع، دون أن يُحسم، وسط اعتراضات كبيرة من محللين اقتصاديين موالين، خاصةً أنه "ﻻ توجد دراسة جدوى" من جهة، ومن ناحية أخرى يتبنى النظام السوري "الاقتصاد اﻻشتراكي" رسمياً، فيما بدت تتشكّل ملامح اقتصاد مشوّش، خلال السنوات الماضية، وفق خبراء.