ثلاثة أشهر مرت على انتعاش أجواء المفاوضات النووية في فيينا بين إيران والقوى العظمى، لتعود إلى الاصطدام بحائط مسدود بسبب تمسك الإيرانيين بشروط رفض الأميركيين الاستجابة لها، تمثلت بشطب "الحرس الثوري" من قوائم الإرهاب.
اليوم يبدي الإيرانيون مرونة بالإعلان عن استعدادهم لاستئناف المفاوضات، بعد انهيارها منذ آذار/مارس الماضي، الأمر الذي يشكل انعطافة إيرانية لا سيما في ظل التقارير التي تتحدث عن تخلي طهران عن شرط إزالة "الحرس الثوري" من قائمة التنظيمات الإرهابية واستبداله برفع العقوبات عن شركة "خاتم الأنبياء" الحكومية.
انتعاش جديد
أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أمس السبت، أن بلاده مستعدة لاستئناف المفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وذلك خلال استقباله منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في طهران.
بدوره، أعلن بوريل، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع عبد اللهيان، استئناف المفاوضات النووية الإيرانية خلال أيام.
وقال منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، من المتوقع أن نستأنف المحادثات في الأيام المقبلة ونخرج من المأزق. لقد مرت ثلاثة أشهر ونحتاج إلى تسريع العمل، معرباً عن سعادته بقرار طهران وواشنطن للعودة إلى طاولة المفاوضات.
وكانت الولايات المتحدة قالت في وقت سابق في هذا الشهر إنها تنتظر رداً بناءً من إيران بشأن إحياء الاتفاق النووي المبرم في 2015، من دون شروط "خارجية".
ومنذ 14 شهراً انخرطت واشنطن وطهران في مفاوضات غير مباشرة، برعاية الاتحاد الأوروبي ومشاركة الصين وروسيا، في العاصمة النمساوية فيينا، لعودة الطرفين إلى الاتفاق النووي بعد الانسحاب الأميركي منه والتراجع الإيراني عنه.
وينص الاتفاق على إزالة العقوبات الغربية عن إيران مقابل تفكيك الأخيرة لبرنامجها النووي.
وبدا الاتفاق على وشك الانتعاش في آذار/مارس الماضي، عندما دعا الاتحاد الأوروبي الوزراء إلى فيينا لإبرام اتفاق بشأن العودة إلى الاتفاق القديم، لكن المفاوضات انهارت بسبب إصرار طهران على إزالة الحرس الثوري من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية (FTO).
وتبع ذلك إعلان إيران فصل 27 كاميرا مراقبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت مركبة داخل عدد من المنشآت النووية، في المقابل وبخ تقرير للوكالة الدولية طهران واتهمها بـ "عدم التعاون" بدفع من الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث.
ما هي التنازلات الإيرانية؟ وما هو الشرط الأميركي؟
إعلان استئناف المفاوضات بعد ثلاثة أشهر من الجمود، يقود إلى التساؤل، ما هي التنازلات التي قدمت؟ وما الجديد الذي طرأ لضخ المياه في القناة المتجمدة؟
في هذا السياق، كشفت "القناة 12" الإسرائيلية الخاصة، نقلاً عن تقارير استخبارية، أن الإيرانيين قدموا مقترحاً للأميركيين تخلت بموجبه طهران عن شطب "الحرس الثوري" من القوائم السوداء.
وأضافت القناة الإسرائيلية، يسعى الإيرانيون بدلا من ذلك إلى رفع العقوبات عن شركة "خاتم الأنبياء" للإنشاءات، التابعة للحرس الثوري،
شركة "خاتم الأنبياء"
تعد الشركة من الهيئات الاقتصادية الكبرى والمهمة في إيران، تسيطر على حصة اقتصادية كبيرة في البلاد، خاضعة للعقوبات الأميركية.
وأشارت التقارير إلى أن المقترح الإيراني الجديد هو جزء من رسائل أخرى أرسلتها طهران تتضمن مزيدا من التنازلات المحتملة.
في المقابل تدرس إيران طلباً أميركياً للإعلان بشكل صريح التعهد بالامتناع عن استهداف المسؤولين الأميركيين.
ووفقاً للقناة الإسرائيلية، يدرس الطرفان إمكانية أن يكون مثل هذا الاتفاق خطوة لبناء الثقة بين الطرفين، في ظل انعدام الثقة بينهما.
ويشكل الطلب الأميركي إحراجاً للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، المحسوب على اليمين المتطرف، والذي تعهد رسمياً بالانتقام لاغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، على يد الأميركيين في مطلع 2020.
وبحسب مراقبين، فإن الإعلان العلني عن تجنب إلحاق الأذى بالمسؤولين الأميركيين يعد خطوة صعبة للغاية بالنسبة لحكومة رئيسي، إلا أن التطورات الأخيرة وحوادث الاغتيال في إيران قد تشجعها على الموافقة على الاقتراح.
في الأسابيع الأخيرة، شهدت إيران سلسلة الاغتيالات "الغامضة"، تقول طهران إن إسرائيل هي المسؤولة عنها، طالت قياديين في الحرس الثوري، من أبرزهم العقيد حسن صياد خدايي، الأحد 22 أيار/مايو الماضي.
تبع اغتيال خدايي مقتل قيادي في "الوحدة 840" التابعة للحرس الثوري، إسماعيل زاده، تقول طهران إنه "انتحر"، في حين تقول المعارضة إن زاده تمت تصفيته لتورطه باغتيال خدايي.
وفي 31 من أيار/مايو الماضي، قالت تقارير إعلامية إن الخبير الإيراني في مجال صناعة الصواريخ والفضاء، أيوب انتظاري، توفي بحالة "تسمم".
مع ذلك تبقى فرص التفاؤل منخفضة من قبل الولايات المتحدة بشأن التقدم في المفاوضات، ويعود ذلك إلى حقيقة أن الإيرانيين يطلبون مطالب "خارجية" لا تتعلق مباشرة بالاتفاق النووي.
يذكر أن تقريرا سابقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية يقول إن إيران راكمت كمية كبيرة من اليورانيوم المخصب بنسب نقاء 20٪ و60٪.
وأضاف التقرير، إذا قررت طهران تخصيب اليورانيوم بمستوى عسكري، أي بنسبة 90%، سوف تصل في غضون أسابيع قليلة إلى كمية كافية لتطوير قنبلة نووية.
إسرائيل والاتفاق النووي الإيراني
على الرغم من أنها ليست طرفاً في المفاوضات، تقود إسرائيل "رأس الحربة" لمواجهة النووي الإيراني لمنع العودة إلى الاتفاق القديم.
ومنذ نيسان/أبريل من العام الماضي، انطلقت مفاوضات غير مباشرة في فيينا بين واشنطن وطهران لإحياء اتفاق عام 2015.
ينص الاتفاق، الموقع في 14 من تموز/يونيو 2015 بين طهران ومجموعة خمسة زائد واحد (القوى العظمى)، على رفع العقوبات الدولية عن إيران مقابل تفكيكها لبرنامجها النووي.
في أيار/مايو 2018 انسحبت إدارة ترامب من الاتفاق المذكور وعلى إثره تخلت طهران عن التزاماتها به، وتقول وكالة الطاقة الذرية وتقارير إسرائيلية وغربية إن إيران أحرزت تقدماً وباتت دولة "عتبة نووية".
ومع تسلم جو بايدن الرئاسة في البيت الأبيض، انخرطت واشنطن وطهران، منذ نيسان/أبريل العام الماضي، في مفاوضات غير مباشرة، في العاصمة النمساوية فيينا، برعاية الاتحاد الأوروبي لإحياء الاتفاق المنهار.
وكانت مباحثات فيينا شهدت انتعاشاً وساد جو من التفاؤل قبل أربعة أشهر بخصوص التوصل إلى تسوية، إلا أن معظم التقارير تشير إلى وصول الأطراف المشاركة إلى حائط مسدود، في ظل الحديث عن رفض واشنطن لطلب إيراني بشطب "الحرس الثوري" من قائمة المنظمات الإرهابية، فضلاً عن الأجواء الدولية المتوترة بسبب الحرب في أوكرانيا.