يعمل التجار في سوريا وفق مفهوم الضربة المسبقة، فقبل أن يفتحوا أبواب محالهم صباحاً يطمئنون على سعر صرف العملة وأية زيادة ولو بسيطة، تدفعهم لبدء يومهم برفع أسعار المواد التي يبيعونها تلقائياً حتى لو كان ربحهم مضموناً والبضاعة قديمة.
في السنوات الماضية كانت تقتصر الزيادة على ارتفاع الدولار، بين المئتي ليرة حتى الخمسمئة، أما الآن فالزيادة تبدأ من ألفين أو ثلاثة آلاف لتصل إلى خمسة آلاف وأكثر. ترتفع الأسعار مع كل ارتفاع وتعود للانخفاض، وجميع التجار لديهم مبرراتهم فور دخولك المتجر سينبهونك إلى أن سعر الصرف قد ارتفع كي لا تصاب بصدمة، ولكنك حتماً ستصاب نظراً للزيادات الكبيرة في الأسعار التي تحدث بشكل يومي.
المواد الغذائية
هناك بعض المواد التي لا يمكن لأي منزل الاستغناء عنها مثل مادة الزيت، فمن غير الممكن صنع الطعام بدونه. منذ أشهر قليلة كانت علبة زيت الزيتون ذات الحجم الصغير (ربع ليتر) بتسعة آلاف ليرة سورية فقط، واليوم تباع هذه العبوة بثلاثة وثلاثين ألفاً، ويختلف سعرها من متجر لآخر وفق حسابات صاحب المتجر.
أما علبة زيت القلي فسعرها 30 ألف ليرة بعد أن كانت بـ17 ألفاً منذ شهر، وينطبق ذلك على جميع المواد الغذائية الأساسية، والتي يحتاج إليها المنزل بشكل يومي. كيلو الرز التايلندي كان يباع قبل شهر بـ9 آلاف ليرة واليوم أصبح سعره 17 ألفاً و500 ليرة، أما الرز البسمتي ارتفع من 14 ألف ليرة إلى 32 ألفاً للكيلو الواحد، السكر بدوره تضاعف سعره من 7500 ليرة إلى 14 ألفاً، والبرغل أصبح بـ11 ألفاً بعد أن كان بخمسة آلاف.
المتة باعتبارها مطلوبة أكثر من غيرها في عدة مناطق من سوريا فقد ارتفع سعر العبوة 250 غراماً من تسعة آلاف إلى سبعة عشر ألفاً وخمسمئة، وهذا الارتفاع طال الحليب الذي كان يباع الكيلو منه بعشرة آلاف أصبح بـ14 ألف ليرة سورية، فيما تضاعف سعر صحن البيض من ثلاثين ألفاً إلى ستين ألف ليرة، والخبز لم ينجُ من هذا الارتفاع فربطة الخبز السياحي التي كانت تباع بستة آلاف أصبحت بعشرة آلاف ليرة، والربطة العادية تباع بستة آلاف ليرة خارج الفرن.
يتحدث "أبو سلمان" وهو صاحب محل تجاري عن السبب برفع الأسعار، معتبراً أن الموزعين هم من يتلاعب بها حتى ولو حصلوا عليها بأسعار أقل، فهم يبيعونها بسعر أغلى بسبب أجور النقل وغلاء البنزين حسب زعمهم، ويضيف بأنه يستغني عن الكثير من المواد بسبب خوفه من تغير سعرها حتى إنه يتوقف أياماً عن بيع أي شيء حتى يثبت السعر خوفاً من الخسارة إن باعها بسعر أقل.
من ناحية أخرى لا يتوانى غالبية التجار عن زيادة الأسعار بشكل كبير بمجرد معرفتهم بارتفاع سعر الصرف، ويختلف هذا الارتفاع من منطقة لأخرى ومن زبون لآخر. لا يلتزم التجار بنشرة أسعار أو بمقدار الربح الذي يفترض بهم الحصول عليه، بل ما يحركهم في تجارتهم هو الرغبة باقتناص أية فرصة لكسب مزيد من المال على حساب المواطنين.
المنظفات بالكمية التي تريد
تعتبر مواد التنظيف حاجة أساسية أخرى لا يمكن الاستغناء عنها، ولكنها تعاني من ارتفاع أسعار يفوق المواد الغذائية الأساسية من دون معرفة السبب، فمسحوق الغسيل (2 كيلو غرام) الذي كان يباع قبل شهر بـ20 ألفاً ارتفع الآن ليصبح بـ40 ألف ليرة. سعر قطعة الصابون الواحدة نوع (زهر الزيتون) والذي يعتبر أرخص الأنواع، ثلاثة آلاف ليرة بعد أن كانت الصابونة بألف ليرة، والأنواع الأخرى أغلى سعراً لتصل لعشرة آلاف. الشامبو أيضاً تبدأ أسعاره من الـ25 ألفاً لتصل إلى خمسين أو ستين ألفاً بحسب النوع والحجم، لكن لا يمكن الحصول على علبة شامبو بأقل من ذلك.
تقول مرح سليم (اسم مستعار) وهي طبيبة مقيمة في أحد المشافي: "أعيش وحدي وراتبي أصبح بعد الزيادة 196 ألفاً، أستلمه وأصرفه في اليوم نفسه، الرواتب التي نتقاضاها هي رواتب يوم واحد فقط، أقل عائلة أو حتى شخص يحتاج لمئة ألف ليرة كمصروف يومي هذا دون حساب أجور المواصلات وغيرها".
من جهتهم، وجد التجار حلاً بديلاً أصبح منتشراً بشكل كبير، ففي غالبية المحال التجارية أصبح هناك قسم لمواد تنظيف تباع بحسب الطلب، مصدر هذه المواد معامل وطنية، وجودتها سيئة لكنها تلبي حاجة المواطنين، حيث يمكنك شراء الشامبو أو سائل الجلي او مسحوق الغسيل بالكمية التي تريد على أن لا تقل قيمتها عن خمسة آلاف ليرة، والمناديل الورقية بدورها أصبحت تباع بهذه الطريقة. الخضراوات بدورها تشهد ارتفاعاً بشكل يومي وتختلف أسعارها من منطقة لأخرى، لا يمكن الحصول على أي نوع منها بأقل من ثلاثة أو أربعة آلاف ليرة للكيلو الواحد.
أحلام السوريين
أحلام الشعب السوري اليوم لا تحمل مخططات للمستقبل ولا رغبات بإنجازات عظيمة، وتقتصر فقط على أجور تكفيهم للعيش ضمن الحد الأدنى للمحافظة على الحياة. يحتاج الفرد لمليوني ليرة شهرياً على الأقل ليعيش، والوضع النفسي للشعب السوري اليوم هو الأكثر سوءاً منذ سنوات بسبب الضغط الاقتصادي الكبير وغياب الحلول، والشعور العام بالعجز عن العيش بطريقة طبيعية.