بدأت إسرائيل منذ الشهر الفائت بقصف مناطق متعددة في لبنان مستهدفة البنية التحتية في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب اللبناني، مما أدى لنزوح عدد كبير من اللبنانيين إلى سوريا في سيناريو مشابه لحرب تموز 2006. سارعت حكومة النظام إلى عرض خدماتها ومساعداتها للبنانيين النازحين من تجهيز مراكز إيواء وتقديم مساعدات ومعونات غذائية، عدا عن الطبية للشعب اللبناني داخل لبنان، هذا كله والسوريون يعانون من شح كبير في القطاع الطبي لا سيما من ناحية الأدوية أو اللوازم الطبية، فكيف توافرت كل هذه المواد فجأة؟.
وفيق، (طلب عدم ذكر اسمه كاملا) موظف في قطاع الصحة السوري، يروي عن صدور عدة تعاميم سابقة من وزارة الصحة التابعة للنظام، للمشافي عن قلة الموارد وصعوبة توفير كل المواد الطبية، وحتى أن الوزير أعطى الصلاحية لمدراء المشافي للتصرف حسب مصلحة المشافي فيما يخص اللوازم الطبية والأدوية.
وعن سبب توافر الأدوية أشار وفيق إلى أن "المستودعات عموما ومستودعات الوزارة تحوي مايكفي لمساعدة المرضى السوريين، ومع كل كارثة تحل بسوريا من فيروس كورونا حتى الزلزال كانت المعونات تأتي بكميات مخيفة ويتم إخفاؤها".
ويتابع "نعم سوريا تبرعت بكثير من الأدوية للبنانيين، ولكن أنا واثق أن معظمها قديم ومكدس في المخازن وصلاحيتها تقارب على الانتهاء".
ويضيف "النظام سارع للتسول مجدداً ولكن هذه المرة لأجل اللبنانيين، فقد جرى اجتماع مع الإمارات من أجل توفير كل الجهود الممكنة لمساعدة سوريا في استضافة اللبنانيين، هذا عدا عن أن كثيراً من المسؤولين عن الجمعيات الإغاثية أكدوا عند بداية موجة النزوح أن عمليات الإغاثة كانت شبه متوقفة بسبب شح الموارد ولكن تم توفير كل المستلزمات الضرورية لإمداد الوافدين بكل المواد الضرورية، وهو ما يجده كثيرون حيلة من النظام".
ومنذ يومين تم وضع تسعيرة لربطة الخبز للأجانب في سوريا بقيمة 9 آلاف ليرة سورية وهو يعتبر ثلاثة أضعاف سعر الخبز غير المدعوم، والأجانب هنا هم اللبنانييون، عدا عن أن النظام سمح للمنشآت السياحية بتقاضي الدولار لقاء خدماتها السياحية، وهذا ما جعل النظام يستغل الوضع الراهن بطريقة ذكية، ولن يقف هنا بل سيكمل تسعير الخدمات كلها حسب ما يراه مناسباً لمصلحته.
"حفاوة غير متوقعة"
اعتاد السوريون عيش موجات نزوح متكررة والحال نفسه بالنسبة لسكان الجنوب اللبناني والضاحية في بيروت، فقد تكرر سيناريو حرب تموز2006 مجدداً ولكن هذه المرة بشكل أقوى وأبشع، إذ لم يبق مكان آمن لهم، واضطر كثيرون إلى النزوح لسوريا طلباً للأمان في بلد يعيش ويلات الحرب.
وجد اللبنانيون ترحيباً جيداً بهم في سوريا، سواء من جهات حكومية تابعة للنظام أو من عامة الشعب وإن كان بعض السوريين يخفون عكس ذلك.
أم حسين، ستينية قدمت من الضاحية الجنوبية إلى اللاذقية، بقيت في أحد مراكز الإيواء التي خصصتها الحكومة السورية للوافدين اللبنانيين، تؤكد أنها لاقت كل ترحيب من قبل السوريين، وأنها حزينة لما يمر به البلدان الشقيقان حسب قولها، ومن وجهة نظرها تجد أن ذلك واجب على السوريين فقد خسر حزب الله كثيرا في سوريا لحماية النظام، على حد قولها.
وتضيف "خسرنا كثيراً من أبنائنا في سوريا، وكلهم استشهدوا دفاعاً عن أراضي سوريا، أقل ما يمكن أن يستضيفونا بكل ترحاب".
في المقابل فوجئ محمد، وهو رجل وافد من الجنوب اللبناني، بحسن معاملة السوريين للوافدين، فقد شهد محمد المشاكل التي تعرض لها السوريون ضمن لبنان ولم يتوقع أن يلاقي تعاملاً جيداً في سوريا. يوضح "لا ذنب لنا ولا ذنب للسوريين، في الحرب الفقراء دوماً من يدفع ثمنا باهظا..".
ورغم احتفاء صفحات التواصل الاجتماعي الخاضعة للسلطة الأمنية بقدوم اللبنانيين وتقديم كل المساعدة اللازمة لهم لكن الشارع كان له رأي آخر، وبخجل عبر كثير من السكان عن امتعاضهم من استقبال اللبنانيين ووجوب فرض شروط على دخولهم إلى سوريا من مبدأ التعامل بالمثل ولكن معظم هؤلاء يتبعون حديثهم بأن "هذا ما تراه حكومتنا مناسباً".
(سعيد)؛ رجل خمسيني من اللاذقية يشعر بالغضب من هذه الحفاوة التي تعامل بها النظام مع الوافدين اللبنانيين، ويشعر بأنه توجب على النظام ألا يستقبل اللبنانيين بهذه السهولة، وفي نفس الوقت يجد أنه على النظام أن" يستقبل فقط سكان الضاحية وداعمي المقاومة الشعبية ففي نظره هم فقط من يدعمون النظام السوري ووقفوا جانبه، ويجد سعيد أيضاً أننا كسوريين نعمل بأصلنا وأخلاقنا وأنه مهما بدر من اللبنانيين ففي النهاية شعب واحد في بلدين".
"لا مكان للعنصرية هنا"
هذا ما أكده كثير من العاملين في المجال الصحي في سوريا، ومعظمهم كان استياؤهم بسبب "نفاق" النظام وحرمانهم من المواد الطبية وتوفيرها للبنانيين على حد قولهم. ربيعة (طلبت عدم ذكرى اسمها كاملا)، إحدى الممرضات العاملات في المجال الصحي، امتعضت صراحة من قرار الحكومة السورية توفير العلاج الطبي وكل شيء بالمجان للنازحين اللبنانيين، وأكدت أن استياءها ليس بسبب الكره للبنانيين، بالعكس تقول "ارحموا عزيز قول ذل"، ولكن "بسبب استخفاف الحكومة بشعبها ومعاناتهم، ففي الوقت الذي تجبر فيه ربيعة على الطلب من المرضى السوريين أن يشتروا معظم الأدوية واللوازم الطبية في حال دخولهم المشفى الحكومي يتم توفير نفس المواد للمرضى اللبنانيين!".
"المريض معاناته واحدة، اللبناني خسر الكثير والسوري يعاني الأمرين، لم التمييز وزرع التفرقة والمشاكل بين شعبين يعانيان من التفرقة؟ لا أعرف ماهدف حكومتنا من ذلك" تقول ربيعة.
تضيف ربيعة أنه لم يحصل أي تقصير بحق النازحين في المشافي الحكومية ولو أن بعضهم يتعامل بتعالٍ مع الطاقم الطبي إلا أن العملية الطبية تسير بشكل جيد والطاقم الطبي يقدم كل مابوسعه بأخلاق وإنسانية عاليين.
خوفا من القصف.. امتناع خجول عن تأجير اللبنانيين
منذ بدء نزوح اللبنانيين إلى سوريا أعلنت حكومة النظام عن فتح عدة مراكز إيواء لاستقبالهم، وعرض عدد من السوريين منازلهم بشكل مجاني لمن يرغب بالقدوم، ولكن على النقيض هنالك بعض الأشخاص لم يقبلوا بتأجير بيوتهم للبنانيين أو طلبوا أسعار مرتفعة مقارنة بأسعار الإيجارات المعروفة.
محمد صاحب أحد مكاتب العقارات في اللاذقية، أكد أن سوق العقارات تحرك بعد قدوم اللبنانيين فكثير منهم لا يرغب بالسكن ضمن مراكز إيواء ووضعه المادي يسمح بالاستئجار مقارنة بإيجارات المنازل في لبنان نفسها، ولكن كثيرون تخوفوا من هذه القصة بسبب خوفهم من استهداف منازلهم وأحيائهم من قبل العدو الإسرائيلي، لاسيما بعدما كثر الحديث عن استهداف إسرائيل لمنازل سكنها أعضاء في حزب الله أو عوائلهم، ومن الصعب على السوريين معرفة خلفية هؤلاء السياسية.
حسب محمد نفسه فإن قسماً كبيراً من الوافدين اختاروا منطقة صلنفة واستأجروا فيها لبعدها عن مركز المدينة وتنظيمها الجيد، إضافة لأن هؤلاء لا يتبعون لجهة سياسية حسب زعمهم، وقسم جيد منهم استقر في المدينة أو في مراكز الإيواء.
بعض اللبنانيين يربطهم بالسوريين صلات قرابة لذلك هؤلاء قدموا وسكنوا بين أقربائهم في قرى اللاذقية وطرطوس وحمص، وهؤلاء أصلاً بعيدون كل البعد عن الحركات السياسية، فحسب محمد نفسه من يملك المال ويتبع للحزب سيستأجر منزلاً ويسكنه به ولا يضطر للسكن عند أي أحد، أما من وضعه متوسط مادياً فهؤلاء سيضطرون إلى توفير النقود والسكن مجاناً إن صح لهم.
وحالياً تم تجهيز الميريديان في اللاذقية ونادي الضباط لاستقبال الوافدين ريثما تضع الحرب أوزارها في لبنان.