البث المباشر
تبدو سوريا اليوم كبقعة منفصلة عن العالم، ينقصها منطق العيش كما ينقص أبناءَها العيشُ نفسه، وليس غريباً أن يتخلى السوري عن رغبة ابنه في شراء حقيبة جديدة في بداية العام الدراسي كما اعتاد أن يتخلى عن شراء الكثير من الأشياء والأطعمة التي تحولت إلى "كماليات" قد يشتريها السوري في المناسبات الطارئة أو قد لا يشتريها.
اللحوم خارج حسابات السوريين
منذ بدء الحرب السورية وتفاقم الأسعار بحجّة "العقوبات الاقتصادية" بدأت بعض المواد الغذائية تنسحب "تكتيكياً" من موائد السوريين؛ بدءاً بالمواد الحيوانية مروراً بالمكسرات والفاكهة وليس انتهاءً بالمواد المستوردة.
وصل سعر كيلو لحم الغنم في الآونة الأخيرة في الأسواق السورية إلى 140 ألف ليرة، ما دفع بالسوريين إلى شراء "النتر" وهو العظم المفتت (المجروم) والمخلوط مع الدهن والجلد وعادة يطلق عليه أصحاب بعض الملحمات "زبالة اللحم"، أو شراء العظام التي عليها بقايا اللحم الضئيلة، شراء أرجل الدجاج؛ والتي تدخل جميعها في إعداد الطعام كي يقنع السوريون أنفسهم بأنهم يأكلون اللحم.
وفي مقابلة لموقع تلفزيون سوريا مع (أبو محمد. س) وهو صاحب ملحمة في سوق باب سريجة وسط دمشق، أخبرنا أن النتر وأرجل الدجاج وبقايا العظم والدهن، كانت تؤخذ سابقاً لإطعام الكلاب ولا سيّما تلك التي تحرس المزارع الكبيرة على أطراف دمشق وفي الريف، وأنَّ السوريين اليوم يقومون بسلقها بعد إضافة ورق الغار وبعض المنكهات ظنّاً منهم بأنّ ماء السلق الذي يحوي على مرق اللحم هو تعويض عن الهَبِر في موائدهم. وبسؤالنا عن أسعار كيلو "النتر"، أجاب "يتراوح سعره بين 25 إلى 35 ألف ليرة سورية للكيلو الواحد بينما سعر كيس العظم يتراوح بين 7 إلى 10 آلاف ليرة سورية، لكن في معظم الأحيان إذا ما جاءت إليّ امرأة مسنة أو أحد فقير، فلا أقبل منه نقوداً".
الماجي وكفتة الصويا بدائل للحمة ولا خيار آخر!
لم يقتصر الأمر على النتر وبقايا اللحم، بل لجأت الأمهات السوريات إلى تنكيه الطعام بإضافة بودرة مرق الدجاج أو ما يعرف محلياً بـ الماجي، رغبةً في الحصول على طعم أقرب إلى الدجاج بعد أن وصل سعر كيلو "السَفن" إلى 66 ألف ليرة سورية، بينما وصل سعر الفروج الكامل إلى 35 ألف ليرة سورية، في الوقت الذي يباع ظرف الماجي بأسعار 3- 6 آلاف ليرة سورية حسب النوعية، والوقية من بودرة الماجي بـ 15 ألف ليرة سورية.
وقد انتشرت منذ عدة سنوات بدائل اللحمة المصنوعة من الصويا كفكرة تسويقية مستوردة لاقت رواجاً –في البداية- في السوق السورية لا بسبب اتباع السوريين حميات غذائية خالية من اللحوم مثل النباتية Vegetarianism، بل كحل لمشكلة نقص البروتين في موائدهم قسراً بسبب الغلاء المعيشي.
ويبلغ سعر علبة الكفتة 18 ألف ليرة سورية، إلا أنَّ نجاحها لم يستمر على الرغم من سعرها الزهيد ومحتواها الجيد من البروتين النباتي، فعدد كبير من الناس لم يتقبّلوها؛ لكونها غير مستحبة الطعم بعدم إضافات مكونات أخرى ومنكهات إليها؛ ما أدى إلى امتناع معظم أصحاب المحلات عن شرائها لكونها لا تُباع بسهولة، واقتصر وجودها على بعض المولات والمحال الضخمة.
وفي حديث (أم سلمان . خ) وهي سيدة سورية من محافظة درعا وتسكن في دمشق، أخبرتنا أنَّ الكفتة أشبه بـ "المطاط" –حسب وصفها- حتى بعد النقع والطهي، وتخلو من النكهة والرائحة لولا إضافة ظرف التوابل المرفق معها داخل العلبة، "لم يحبها أطفالي، لكنني تحايلت عليهم بإضافة الذرة الصفراء والتوابل ومكونات أخرى حتى يتقبّلوها من أجل البروتين".
الموز بالقطعة وزيت الزيتون بِقدر طبخة
تحول الموز في موائد السوريين إلى "مقياس للرفاهية" فلا قدرة شرائية لديهم تكفي لشراء العديد من أنواع الفاكهة وفي مقدمتها الموز؛ إذ يتراوح سعر كيلو الموز بين 35 و 40 ألف ليرة سورية.
وفي حديثنا مع (سلوى. ف) وهي أم لطفل في الرابع الابتدائي، أخبرتنا أنها تضطر إلى شراء الموز بالقطعة: "أشتري موزتين في كل مرة عندما يطلب ابني، لكونه يحب الموز، كنت أشتري الموزة بـ 3 آلاف ليرة قبل شهرين أما اليوم فأشتريها بـ 5 أو 6 آلاف ليرة".
أما عن بقية المواد الغذائية مثل زيت الزيتون ودبس البندورة والبيض؛ فيضطر بعض الأهالي ولا سيما في المناطق الشعبية إلى شرائها بمقدار احتياجهم الآني منها، فالزيت يشترى بما يلزم لإعداد طبخة واحدة بعد أن وصل سعر لتر زيت الزيتون إلى مئة ألف ليرة سورية والزيت النباتي إلى 24 ألف ليرة سورية، ودبس البندورة يُشترى بأكياس صغيرة بمقدار ملعقتين أو ثلاث على الأكثر. أما البيض فقد وصل سعر البيضة الواحدة إلى 2000 ليرة سورية.
لم تستطع سلوى كتم غصّتها لعجزها أمام بعض طلبات ابنها المتكررة لكنها اكتفت بالقول: "منيح قادرين نشتري ونعيش حتى لو بالقطعة، خايفين حتى القطعة ننحرم منها".
