icon
التغطية الحية

الموساد فشل في غزة.. اغتيال هنية في طهران يكشف عن خرق مزمن لاستخبارات إيران

2024.07.31 | 18:24 دمشق

هنية يعانق قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي خلال مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني في البرلمان أمس (رويترز)
هنية يعانق قائد الحرس الثوري الإيراني خلال مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني في البرلمان - رويترز
إسطنبول - ضياء قدور
+A
حجم الخط
-A

مرة أخرى تثبت طهران أنها أقل أمناً للقياديين من جحيم الحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. فشلت إسرائيل في اغتيال قيادات من الصف الأول في كتائب القسام لكنها تمكنت من ذلك في طهران وضاحية بيروت، كما حدث عند اغتيال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس في الضاحية في بيروت مطلع العام الجاري، ثم فؤاد شكر الرجل الثاني في حزب الله يوم أمس وبعد ساعات اغتيل رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية في طهران.

تستهدف إسرائيل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بعملية اغتيال مستهدفة داخل طهران بعد ساعات فقط من لقائه كبار المسؤولين الإيرانيين على جميع الصعد السياسية والدينية والعسكرية، وفي الوقت الذي كان يقيم في أكثر المجمعات الأمنية "المحصنة" في طهران.

في الـ 13 من الشهر الجاري قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي منطقة المواصي في خان يونس وادعى أن الغارة كانت تستهدف محمد الضيف، القائد العام لكتائب عز الدين القسام، ورغم أن الغارة بقنبلة تزن نصف طن أسفرت عن مقتل العشرات وجرح المئات، إلا أن نتنياهو أقر بعدم وجود تأكيدات عن مقتل الضيف.

اغتيال هنية يؤكد مرة أخرى على الخرق الاستخباري المستمر في أكثر مربعات طهران الأمنية تحصيناً.

ماذا حدث؟

في تمام الساعة 1:45 صباحاً بالتوقيت المحلي للعاصمة الإيرانية، أبلغ عدد من السكان المقيمين في الجزء الثري من المدينة عن أصوات انفجار قوية.

هذا ما نملكه من معلومات مؤكدة حتى الآن، ريثما تخرج طهران من صدمتها وتنشر روايتها بشكل رسمي، بعيداً عن التسريبات التبريرية.

إشاعات وبروباغندا واسعة وعريضة تلف القصة، والمواقع الإيرانية شبه الرسمية تتصارع فيما بينها بأخبار متناقضة لتزيد الطين بلة.

ووفقاً لبيان أولي صادر عن الحرس الثوري الإيراني في الساعة 6:10 صباحاً بالتوقيت المحلي (أي بعد قرابة خمس ساعات من الاغتيال): "تم قصف منزل هنية، مما أدى إلى استشهاد رئيس المكتب السياسي لحماس مع أحد حراسه الشخصيين"، وقال البيان إن سبب وأبعاد الحادث "قيد التحقيق وسيتم الإعلان عن النتائج".

وفي وقت لاحق، زعمت وكالة أنباء فارس، المقربة من الحرس الثوري، أن هنية كان يقيم في "مقر إقامة خاص لقدامى المحاربين في شمالي طهران". ومع ذلك، شككت وكالة تسنيم للأنباء، وهي وكالة مقربة أخرى من الحرس الثوري الإيراني، في هذا الزعم، ولم تذكر شيئاً عن مثل هذا الموقع.

وتشیر تقارير إخبارية غير رسمية إلى استهداف إسماعيل هنية في مجمع أمني تابع للحرس الثوري الإيراني في الجزء الشمالي الغربي من قصر سبز في مجمع سعد آباد في طهران.

ويعد معسكر "باسيج الزهراء" جزءاً من مجمع سعد آباد التاریخي في طهران، والذي يسيطر عليه الحرس الثوري الإيراني على مدى العقود الأربعة الماضية.

ويحتوي هذا المجمع الأمني على بابين رئيسيين، أحدهما يؤدي إلى منطقة دربند والآخر إلى الطريق الرئيسي لقصر سعد وكان سکان هذه المنطقة قد أبلغوا في وقت سابق عن سماع صوت انفجار في هذا المكان قرابة الساعة الثانية من صباح يوم 31 من تموز.

تسريبات تبريرية

في أعقاب عملية الاغتيال مباشرة، ادعت وسائط إيرانية أن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عقد اجتماعاً طارئاً بحضور الرئيس الإيراني الجديد بزشكيان وجمع من القادة السياسيين والتشريعيين والتنفيذيين والعسكريين للبلاد في مقر إقامة المرشد الأعلى علي خامنئي.

ويعيد نشر أخبار عقد مثل هذا اللقاء أحداث التحطم الغامض لمروحية إبراهيم رئيسي إلى الواجهة.

ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن مصدر رفيع المستوى حضر الجلسة الطارئة أن هناك شكوكاً بأن أول حلقة أمنية لهنية، وهي حراسه الشخصيون الفلسطينيون، ربما كان لها يد في عملية القتل المستهدف.

وزعم المصدر أن التقييم الأولي لطهران هو أنه تم استخدام طائرة كوادكوبتر صغيرة لاستهداف زعيم حماس بعد معلومات من فريق هنية الأمني.

إن طرح مثل هذه الادعاءات لتبرير الإخفاقات الأمنية للمخابرات الإيرانية لا يمكن أن يغطي أبعاد الفضيحة، أو يجعل ضيوف طهران المهمين أكثر شعوراً بالأمان.

وفي السياق ذاته، نقل موقع إيران بالفارسي، عن محلل عسكري كبير قوله، إنه بحسب تصريحات الجهات المسؤولة فإن صاروخاً دخل غرفة الشهيد هنية من النافذة، يبدو أن صاروخاً مضاداً للدروع أطلق من مبنى قريب على المبنی المستهدف. وبحسب نوع العملية يبدو أن الصاروخ المضاد للدروع من نوع عائلة "سبايك"، مستبعداً استخدام الطائرات بدون طیار الانتحارية.

ويستبعد بعض المحللين العسكريين الآخرين فرضية القصف الإسرائيلي من خارج البلاد، من دون أن يتم رصده على الشبكات المحلية على الأقل، مرجحين أن عملية الاغتيال تمت بصاروخ مضاد للدروع، لا سيما أن المنطقة منخفضة وتحيطها الجبال والتلال والغابات من جميع الاتجاهات.

وقال القيادي في حركة حماس خليل الحية في مؤتمر صحفي من طهران مساء اليوم إن صاروخاً استهدف غرفة هنية وأصابه مباشرة. واستدرك أن الحركة بانتظار نتائج التحقيقات من إيران.

وصل إسماعيل هنية إلى العاصمة الإيرانية طهران يوم أمس الثلاثاء لحضور مراسم أداء اليمين للرئيس الجديد مسعود بيزشكيان، حيث عقد معه في اليوم ذاته اجتماعاً انفرادياً قبل تنفيذ مراسم الرئاسة.

وفي اليوم ذاته، عقد خامنئي لقاء جمع كلاً من هنية ورئيس حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، قبل أن يحضرا افتتاح بيزشكيان في البرلمان الإيراني.

لماذا بقي هنية في طهران؟

يزور هنية طهران بشكل منتظم لإجراء المشاورات والتنسيق، لا سيما خلال الأشهر العشرة الماضية من التوتر الإقليمي المتصاعد، وكان حاضراً في مختلف الفعاليات الإيرانية الماضية كتنصيب وجنازة رئيسي ويوم القدس الإيراني وغيرها.

ويأتي اغتيال هنية بعد يوم واحد فقط من استهداف إسرائيل للحاج محسن (فؤاد شكر) الرجل الثاني في حزب الله والأول عسكرياً، في ضاحية بيروت الجنوبية، وتهديدات إسرائيلية صريحة باستهداف قيادات الفصائل الفلسطينية في كل من تركيا وإيران وقطر.

ويرى مراقبون أن بقاء هنية في طهران لليلة أخرى كان يهدف لإجراء مزيد من المشاورات والتنسيق مع طهران وحلفائها الإقليميين للخطوات التالية المحتملة في ظل التصعيد الإسرائيلي، الذي وصف بأنه تجاوز كل الخطوط الحمر.

رغم ذلك، فإن تنفيذ عملية الاغتيال الأخيرة في طهران، مع العلم المسبق بوجود تهديدات أمنية جدية واتخاذ -على الأرجح- إجراءات مضادة مناسبة، يظهر حالة الفشل الذريع والمخزي الذي تعيشه مختلف الأجهزة الأمنية الإيرانية.

وهدد المرشد الأعلى للنظام الإيراني علي خامنئي إسرائيل بعقاب قاس بسبب استهدافها أحد ضيوف طهران الأعزاء، بحسب وصفه.

وتعهد الحرس الثوري الإيراني في بيان آخر بالانتقام لمقتل هنية، مبيناً أن "جريمة النظام الصهيوني هذه ستواجه رداً قاسياً ومؤلماً من محور المقاومة القوي والضخم، وخاصة إيران الإسلامية".

إن تهديدات المرشد الأعلى الإيراني والحرس الثوري الصريحة ضد إسرائيل تعيدنا لأجواء ظروف قصف القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق.

وبغض النظر عن أسلوب اغتيال هنية بعملية ذات طابع عسكري (قصف جوي بغارة بعيدة المدى أو مسيرة أو مضاد دروع) أو طابع أمني (اغتيال أو تصفية)، فإن طهران أخذت تروّج لعملية "الوعد الصادق 2". وكان العميد حاجي زاده، قائد قوات الجو فضاء في الحرس الثوري الإيراني قد أعرب في وقت سابق عن أنه لا يطيق الانتظار حتى تنفيذ عملية الوعد الصادق 2، متسائلاً عن كثافتها المتوقعة وعدد المقذوفات الصاروخية المحتملة.

الضربتان الإسرائيليتان المتتاليتان في بيروت وطهران تضعان طهران أمام خيارين، الأول يقضي بتوسعة الحرب وهو ما لن تخاطر به إيران لأنه سيكون على حساب المكتسبات الاستراتيجية في 4 دول عربية، أما الثاني فسيكون رداً دقيقاً مضبوطاً على غرار الرد الانتقامي لمقتل سليماني وقصف القنصلية في دمشق، وهو رد لن يثير رعب إسرائيل وقد يشجعها على التمادي أكثر لاحقاً، وبالتالي هما خياران أحلاهما مر.