icon
التغطية الحية

دبلوماسي "حماس".. سيرة إسماعيل هنية في سطور

2024.07.31 | 20:59 دمشق

الضربة الأكبر لـ"حماس" منذ اغتيال أحمد ياسين.. سيرة إسماعيل هنية في سطور
إسماعيل هنية وسط حشد من الفلسطينيين في غزة - AFP
 تلفزيون سوريا ـ إسطنبول
+A
حجم الخط
-A

في حدث هو الأهم والأكبر منذ اغتيال مؤسس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أحمد ياسين في مارس 2004، تعرَّض مسؤول المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية لاغتيال مفاجئ في أثناء زيارته للعاصمة الإيرانية طهران، مما أثار ضجة سياسية وإعلامية وفتح باب التساؤلات حول مستقبل "حماس" وتأثير هذا الحدث على دورها في الساحة الفلسطينية.

يمثل اغتيال هنية ضربة قوية واختباراً كبيراً للحركة التي تجد نفسها الآن أمام تحديات جديدة تتعلق بكيفية التعامل مع الفراغ القيادي الذي خلفه رحيل هنية، كما أن هذا الحدث يضع ضغوطاً إضافية على الحركة لإعادة تنظيم صفوفها والتعامل مع الأوضاع الأمنية والسياسية المتدهورة.

تتجاوز تداعيات اغتيال هنية حدود "حماس" لتشمل المشهد السياسي الفلسطيني بأكمله، ويمثل نقطة تحول مهمة في تاريخ الحركة وفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويبقى السؤال مفتوحاً حول كيفية تعامل الحركة مع هذا الحدث وكيفية تأقلمها مع الواقع الجديد.

من مخيم الشاطئ إلى قيادة "حماس"

ولد إسماعيل هنية، الذي يُعد من أبرز الشخصيات القيادية في تاريخ "حماس" وأحد الأسماء اللامعة في الحركة والمشهد الفلسطيني عموماً، عام 1963 في مخيم الشاطئ للاجئين في قطاع غزة، ومنذ شبابه، انخرط في النشاطات السياسية وكان له دور بارز في الجامعات كعضو في الكتلة الإسلامية، الجناح الطلابي لحركة "حماس".

بدأت مسيرته السياسية بشكل بارز عندما تم انتخابه رئيساً لمجلس طلاب الجامعة الإسلامية في غزة، معقل حماس الأول في القطاع، حيث منحته هذه التجربة الفرصة لتطوير مهاراته القيادية والتواصل مع قواعد "حماس" الشعبية، وفي الثمانينيات، تعرض للاعتقال عدة مرات من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وكان أطولها في عام 1989، حيث سُجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة النشاط السياسي ضمن الحركة.

وبعد إطلاق سراحه، استمر هنية في الارتقاء داخل صفوف "حماس"، وشغل عدة مناصب قيادية، وفي عام 1992، نُفي إلى مرج الزهور في جنوب لبنان مع قادة آخرين مثل عبد العزيز الرنتيسي ومحمود الزهار، ليكون لهذه المرحلة أثر كبير في صقل رؤيته السياسية واستراتيجيته المستقبلية.

كان من المبعدين إلى مرج الزهور في جنوب لبنان عام 1992 (الصحافة الفلسطينية)
إسماعيل هينة في مرج الزهور جنوبي لبنان عام 1992 (الصحافة الفلسطينية)

وعقب عودته إلى غزة، تم تعيينه رئيساً لمكتب أحمد ياسين، وبذلك أصبح قريباً من مركز صنع القرار في الحركة وأتيح له فرصة لتعزيز مكانته كقائد سياسي، وبعد اغتيال ياسين عام 2004، أصبح هنية واحداً من القادة الرئيسيين للحركة وشارك بشكل كبير في إدارة شؤونها.

أصيب هنية في قصف صاروخي إسرائيلي على مكتب حماس في مدينة غزة في عام 2003، بعدما نجا برفقة مؤسس الحركة أحمد ياسين من قصف إسرائيلي.

وفي الانتخابات التشريعية الفلسطينية لعام 2006، ترشح إسماعيل هنية على رأس قائمة "التغيير والإصلاح" التابعة لحركة "حماس"، التي فازت بالأغلبية وتم تعيينه رئيساً للوزراء، ليكون أول رئيس وزراء من "حماس" في الحكومة الفلسطينية، وأثار هذا الفوز توتراً كبيراً مع حركة فتح، التي كانت تسيطر على السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها.

وكانت فترة هنية كرئيس للوزراء مليئة بالتحديات، بما في ذلك الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة والنزاعات الداخلية مع حركة "فتح"، التي انتهت عام 2007 بانقسام سياسي حاد وسيطرة "حماس" على قطاع غزة.

قُدم إسماعيل هنية بصفته نائبا لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس منذ عام 2012 وجمع بين منصب رئيس الحكومة في غزة وبين منصبه السياسي، إلا أنه بقي في القطاع ولم يغادره إلا بعد سنوات طويلة وتحديداً في أعقاب الدورة الثانية من رئاسته للمكتب السياسي العام. وظل الرجل محافظاً على مكانته وعلى إقامته في مخيم الشاطئ طوال فترة الدورة الأولى من رئاسته للمكتب السياسي لحماس عام 2017، خلفاً لخالد مشعل، الرئيس التاريخي للمكتب السياسي للحركة، قبل أن يستقر به المطاف بعد عام 2019 في العاصمة القطرية الدوحة ويتنقل بينها وبين تركيا.

وفي السنوات الأخيرة، تراجع هنية عن بعض الأدوار الحكومية المباشرة وركز على تعزيز "حماس" كحركة سياسية مقاومة، وتم انتخابه رئيساً للمكتب السياسي للحركة في عام 2017، وهو أعلى منصب قيادي في الحركة، وتحت قيادته، سعت "حماس" إلى تحسين علاقاتها الدولية وإعادة بناء العلاقات مع حركة "فتح" لتحقيق المصالحة الفلسطينية.

وتميزت فترة قيادة هنية بالتحديات الاقتصادية والإنسانية الكبيرة في غزة، ومع ذلك استمر في التأكيد على مواقف "حماس" الثابتة تجاه المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما شهدت غزة خلال هذه الفترة عدة جولات من التصعيد العسكري مع إسرائيل، مما جعل التحديات الأمنية جزءاً من الحياة اليومية في القطاع.

احتفظ هنية بشعبية كبيرة في غزة وبين أنصاره في الشتات الفلسطيني، يعود ذلك إلى بقائه قريباً من الشارع وتقديمه الدعم للفلسطينيين في أوقات الأزمات.

وإلى اغتياله، بقي إسماعيل هنية شخصية مركزية في السياسة الفلسطينية، مع مسيرة حافلة بالأحداث والتحديات، ومثلت قيادته لـ"حماس" استمرارا لمسار الحركة في المقاومة السياسية والعسكرية، كما أن رؤيته للمستقبل كانت محط اهتمام للمراقبين داخلياً وخارجياً.

استقبل هنية الأخبار الأولى من "طوفان الأقصى" بسجدة شكر مع رفاقه، وفي الحرب الطاحنة التي تشنها إسرائيل على القطاع منذ 10 أشهر، فقد هنية عدداً من أقاربه في بداية الحرب من عائلتي هنية وسالم، قبل أن يرتقي ثلاثة من أبنائه وأحفاده في غارة في عيد الأضحى الماضي في مخيم الشاطئ. ومنذ بداية الحرب قتل أكثر من 60 فرداً من عائلته من الدرجتين الأولى والثانية.

وكان المشهد الأبرز لهنية حينما كان في جولة على الجرحى الفلسطينيين في قطر عندما تلقى نبأ مقتل أبنائه، ليصر على مواصلة جولته مكتفياً بالقول: "الله يسهل عليهم".

إسماعيل هنية والموقف من الثورة السورية

اتخذ إسماعيل هنية موقفًا بارزاً تجاه الثورة السورية، إذ أعلن تأييده ودعمه لها منذ بدايتها، رغم الدعم الذي كانت تتلقاه "حماس" من النظام السوري، الذي لم يتوان بعد ذلك الموقف عن إغلاق مكاتب الحركة في دمشق ومطالبة قيادتها بمغادرة سوريا.

خلال الفترة التي تلت قطع العلاقات عام 2012، حاول هنية الحفاظ على مواقف متوازنة تجاه مختلف القوى الإقليمية والدولية، مع التركيز على دعم الثورة السورية دون التورط المباشر في الحرب، وكان هذا النهج جزءاً من استراتيجية أوسع لـ"حماس" تهدف إلى تعزيز علاقاتها مع الدول العربية الأخرى التي دعمت الثورة، مثل قطر وتركيا.

ومن الناحية السياسية، كان لموقف هنية تأثير كبير على الوضع الداخلي في قطاع غزة، حيث واجهت الحركة ضغوطاً من بعض الفصائل الفلسطينية والجماعات التي كانت مؤيدة للنظام السوري، ومع ذلك، أصر على موقفه وأكد أن قرار الحركة يهدف إلى تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني ودعم حقوق الشعوب العربية.

وفي السنوات الأخيرة، ومع التغيرات الإقليمية والدولية، حاولت "حماس" استعادة بعض العلاقات مع النظام السوري وإعادة الاتصال معه في إطار جهود أوسع لتحسين علاقاتها مع "محور المقاومة" الذي يضم إيران وحزب الله، ورغم هذه العلاقة الجديدة مع النظام لم يصرح هنية إيجاباً لبشار الأسد، إنما وصف قاسم سليماني في تشييعه بـ "شهيد القدس"، ومجّد بدور إيران في المنطقة، ما أثار انتقادات واسعة من سوريين وعراقيين وغيرهم.

ورغم ذلك، ظل موقف هنية ثابتاً من الثورة السورية، وحافظ على علاقاته مع شخصيات بارزة في المعارضة، مثل مفتي سوريا الشيخ أسامة الرفاعي وأعضاء المجلس الإسلامي، الذين التقاهم والتقط الصور معهم في تموز 2022 على هامش لقاء بمناسبة حفظ حفيدته سجى وسام هنية للقرآن الكريم.

وبرحيل هنية، الذي لعب دوراً مهماً في توجيه السياسات والمواقف لـ"حماس"، فإنه من المحتمل أن تعاد صياغة سياسة جديدة للحركة بشأن مختلف القضايا والملفات، بما في ذلك الموقف من سوريا والعلاقة مع الأطراف المختلفة هناك.

وتتداول وسائل إعلام أنباء عن قرار مرتقب بتكليف خالد مشعل رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس خلفاً لهنية.