بعد انتهاء مراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في مجلس الشورى الإيراني، غادر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية مع وفده المرافق إلى مقر إقامته الأخير في مقر خاص لقدامى المحاربين بطهران الواقع تحت حماية مشددة من الحرس الثوري الإيراني، وبعد ساعات قليلة، اغتيل القيادي الفلسطيني البارز فاتحاً المجال لسلسلة من السيناريوهات في منطقة قد تكون على موعد مع طبول حرب إقليمية غير مسبوقة أو لا تكون.
ونعت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، فجر اليوم الأربعاء، قائلة إن هنية قتل إثر غارة إسرائيلية استهدفت مقر إقامته في طهران.
بدوره قال الحرس الثوري الإيراني في بيان إنّ هنية قتل في طهران إثر استهداف مقر إقامته بـ"شيء" ويجري التحقيق بشأن الحادث وسيعلن عن نتائج التحقيق.
ولم تستهدف إسرائيل سوى مقر إقامة هنية والوفد المرافق له، رغم أن الأمين العام للجهاد الإسلامي زياد نخالة والوفد المرافق له كانوا يقيمون أيضًا في طابق آخر بالمبنى، بحسب مصادر لصحيفة العربي الجديد.
من جهتها، قالت وكالة نور نيوز الإيرانية، إنّ مكان إقامة هنية استهدف بجسم طائر في الساعة الثانية فجراً بالتوقيت المحلي.
وأفادت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية نقلاً عن مسؤولين إيرانيين، بأنّ المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عقد اجتماعاً طارئاً في مقر إقامة المرشد الأعلى بحضور قائد "فيلق القدس" إسماعيل قاآني.
أكبر اغتيال من نوعه
جاء اغتيال هنية بعد ساعات على اغتيال القيادي الكبير في حزب الله فؤاد شكر (الحاج محسن) في العاصمة اللبنانية بيروت، والذي يعد القائد العسكري الأعلى للحزب التابع لإيران في لبنان.
التصعيد الإسرائيلي الجديد يأتي بعد أيام من مقتل 12 شخصاً إثر سقوط صاروح في بلدة مجدل شمس بالجولان السوري المحتل، مع استمرار العداون الإسرائيلي على غزة لليوم الـ 299 على التوالي، خلف أكثر من 130 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود ودمار شبه كامل للقطاع.
ويعد اغتيال "هنية" هو الأكبر من نوعه بالنسبة للحركة منذ زلزال طوفان الأقصى في 7 من أكتوبر الماضي، وسبقه اغتيال الشيخ صالح العاروري نائب قائد الحركة في بيروت. وهو الأكبر في تاريخ الحركة منذ اغتيال مؤسس حركة "حماس" الشيخ أحمد ياسين ثم الدكتور عبد العزيز الرنتيسي عام 2004.
كل المعطيات الواردة حتى الآن، تشير إلى أن ما حدث قد يحمل الكثير من التغيرات في سير المعركة، فهو تحدٍ لإيران في عقر دارها، بعد ساعات من مقتل أحد أهم القياديين العسكريين في حزب الله ورسالة مبطنة لزعيم الحزب نفسه حسن نصر الله.
كما أن استهداف شخصية سياسية لها أهميتها في العالمين العربي والإسلامي في قلب طهران، وفي مقر يتبع للحرس الثوري الإيراني أو تحت حمايته وإشرافه، يعني أن الدولة الإيرانية التي تعبث بالمنطقة ضعيفة ومكشوفة ويمكن استباحتها بأي وقت.
ويبدو أن الإيرانيين يريدون أن يخرجوا بأجوبة غير متسرعة على الكثير من الأسئلة التي تشغل بال الداخل والخارج، كيف حصل ذلك؟ وأين هي أجهزتنا الاستخبارية؟ وما الذي سنفعله حيال ذلك؟ هل هناك حرب ستبادر إيران لإشعال فتيلها أم ستمر الحادثة كما مرت الكثير من الحوادث قبلها؟
ما الرد الإيراني؟
المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي الذي كان قد التقى هنية قبل اغتياله، توعد إسرائيل برد قاس قائلاً: إن "الكيان الصهيوني المجرم والإرهابي باغتياله إسماعيل هنية مهد الأرضية لمعاقبته بقسوة" مضيفاً أن الانتقام لدم هنية من واجبات إيران لأن الاغتيال وقع على أراضيها.
وتابع أن "هنية عاش حياته مناضلاً وقدم أولاده شهداء وكان مستعداً للشهادة".
من جهته، قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن بلاده ستدافع عن سلامة أراضيها وشرفها وستجعل من وصفهم بالغزاة الإرهابيين يندمون على أعمالهم الجبانة.
وأضاف أنه "بات واضحاً أهمية اتخاذ خطوات من العالم وخاصة الدول الإسلامية لمواجهة هذا الكيان المحتل والمجرم"
ولكن ما حجم الرد الذي يتحدث عنه علي خامنئي؟ وهل هو مختلف عن الرد الذي يتحدث عنه الرئيس الإيراني الجديد في يومه الأول بعد التنصيب؟ هل يشبه الرد على استهداف السفارة الإيرانية بدمشق، واغتيال عدد من القيادات العسكرية المهمة؟ هنا يعد الأمر أعقد، فالمكان المستهدف هو العاصمة السياسية لإيران نفسها، وهو ضربة قوية للأمن القومي في البلاد.
أما مقتل هنية الذي يعد حليفاً ومن المفروض على الدولة المستضيفة حمايته من أي اعتداء داخلياً كان أو خارجياً، إلى جانب الرمزية السياسية والدينية التي يحملها في خضم استمرار العداون على غزة حتى الآن.
وهنا يتكون السؤال التالي: هل ستتحمل إيران مسؤولية الرد على عملية الاغتيال لحفظ ماء الوجه أم أن الأمر سيكون شبيهاً بالرد الإيراني السابق على استهداف السفارة الإيرانية بدمشق؟
لماذا لم تتبنَ إسرائيل العملية؟
بعد إعلان الاغتيال رسمياً من قبل حماس، طلب مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو من الوزراء عدم التعليق على اغتيال إسماعيل هنية، وبالطبع إسرائيل لم تعلن عن تنفيذ أي عملية داخل إيران إنما أنها كانت قد أعلنت مباشرة اغتيالها للقيادي الكبير في حزب الله فؤاد شكر، وقبل ذلك أعلنت اغتيال نائب قائد الحركة صالح العاروري، والعديد من الشخصيات الأخرى.
وفي ذلك يمكن الإشارة إلى أن ما حدث مع إسماعيل هنية هو اغتيال سياسي وليس عسكرياً، خصوصاً أن إسماعيل هنية هو المعني بالمفاوضات على وقف إطلاق النار، وعن ذلك علق رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن إسرائيل قد اغتالت تتفاوض معه. أي من سيوقع على أي اتفاق لوقف إطلاق النار ممكن أن يحصل برعاية الوسطاء.
فيما أن اغتيال فؤاد شكر أو صالح العاروري تعده إسرائيل عملاً عسكرياً، خصوصاً أنها كانت تصنف العاروري ضمن أبرز القيادات العسكرية لحماس، مع الدور الرئيسي الذي لعبه الراحل في مد العمل العسكري بالنسبة لحركة حماس في الضفة الغربية المحتلة.
وبالطبع تعلم إسرائيل وبالأخص نتنياهو أن مقتل إسماعيل هنية سيعقد التوصل لوقف إطلاق نار قريب على الأقل في الفترة الراهنة التي تضغط فيها الإدارة الأميركية على الإسرائيليين لإنجازه قبيل موعد الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني المقبل.
اغتيال زعيم الحركة قد يضعها أمام مأزق صعب، ليس بما يخص اختيار قيادي جديد، فهي قادرة على انتخاب زعيم جديد فوراً، قد يكون خالد مشعل أو موسى أبو مرزوق أو أسامة حمدان، فحركة حماس لا تعتمد على قيادة فردية تاريخياً. إنما بما يخص مفاوضات وقف إطلاق النار.
حالياً، أي تنازل بما يخص وقف إطلاق النار يعني ظهور الحركة بموقف الضعف وهذا لن يحصل ببساطة بعد كل ذلك الصبر والتضحيات التي عاشها أهل غزة، الأدوات العسكرية ليست كما في السابق، وإن كان تحرك جبهة الضفة الغربية قد يحدث بعض الضغط، مع ما قد يثيره مقتل حماس من هبات شعبية واسعة في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي السياق، نقلت شبكة "سي إن إن" عن مصدر مطلع على المحادثات أن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية قد يعقّد محادثات وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين في غزة.
على الصعيد السياسي يبدو نتنياهو مستمراً في محاولة الاستمرار في العدوان على غزة، وعمليات خلط الأوراق، كما حدث حينما احتل جيش الاحتلال معبر رفح وغير من قواعد التفاوض، فهو في عمليات الثلاثاء والأربعاء أرسل عدة رسائل بوقت واحد، رد على حزب الله فقتل أكبر قيادييها العسكريين، ورد على إيران في عقر دارها فقتل أكبر حلفائها في حماس.
وبعد الاغتيال ستكون الأيام المقبلة غامضة الأحداث وتترك الكثير من الأسئلة بلا إجابات، كيف ستبرر إيران هذا الاختراق الأمني الكبير، فقد اغتيل صالح العاروري في مناطق نفوذ حزب الله بلبنان، واغتيل إسماعيل هنية في الحصن السياسي لإيران، وهما ضمن النطاق الإيراني الكامل؟ يتم الحديث عن احتمالين واردين: الأول أن يكون تم تسليمهم من قبل جهات ضمن الحزب أو إيران أو أن هناك اختراقاً أمنياً إسرائيلياً أميركياً في إيران والدول التي ضمن نفوذها يتكشف يوماً بعد يوم.