لا شك أن حدث الساعة عند كل الإعلام العالمي هو الغزو الروسي لأوكرانيا التي بدأت تأثيراتها السلبية تظهر رويداً رويداً في كثير من القطاعات على الصعيد الإقليمي والعالمي، فالحرب هنا بين دولة عظمى عسكرياً واقتصادياً وهي جزء مهم في الاستقرار والتوازن والأمن العالمي ودولة أخرى تدعمها قوى عظمى، ويبدو هذا الدعم غير محدود، والآن وقد مر ما يقرب من أسبوع على الهجوم الروسي في أوكرانيا بدأت مناقشة الجوانب السياسية والاقتصادية لهذه الحرب، ومع ذلك فإن القوة الدافعة الرئيسية التي وضعت هذين البلدين الشقيقين اللذين يكادا أن يكونا من العرق نفسه وحتى المذهب الديني بدأت تدفع باتجاه استمرارية الحرب أكثر فأكثر.
لا يمكن فصل الماضي عن الحاضر عما يحصل في أوكرانيا حيث تحول الصراع بين الكتلة الشرقية والكتلة الغربية إلى صراع سلافي أوراسيوي وغربي أطلنطي وفق رؤية موسكو التي تدافع عن أمنها القومي كما تقول، فمنذ انهيار جدار برلين في عام 1989 وانهيار الكتلة الشرقية وانهيار (اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية) في عام 1991 انتهى معه نظام ثنائية القطب، والذي كان قائماً على الصراع الإيديولوجي الذي سيطر على نظام العلاقات الدولية لما يقرب من 50 عامًا، لكن هذه الأفكار التي اختفت منذ تسعينات القرن الماضي مازلت موجودة في موسكو، والآن بدأت تظهر وبشكل دموي، وأما أوكرانيا الباحثة عن موضع جديد لها نحو الغرب لم تفلح مساعيها وسبقتها موسكو عبر هذا الغزو لمنعها من الانضمام نحو الغرب.
الأيام القادمة ستظهر لنا سياسات جديدة في المنطقة فبعد فرض العقوبات على روسيا سيتجه العالم نحو الدول المصدرة للطاقة لتعويض ما يمكن تعويضه عن النفط والغاز الروسي
اليوم يمكننا قراءة الحرب بين روسيا وأوكرانيا كفكرة حرب غربية أطلسية وسلافية أوراسية بالنسبة لروسيا والمناطق النائية الروسية فمن ناحية فإن أولئك الذين يدافعون عن تعريف روسيا الغربية (أوكرانيا) والتي تعود جذور هذه الفكرة إلى القرن الثامن عشر في زمن بطرس الأكبر، ومن ناحية أخرى يمكننا رؤية الفكر المقابل لهذه الفكرة في المعنى وهنا يمكن اعتبار أن هؤلاء يعتبرون أن هذا الصراع سوف يعيد توحيد الشرق الذي يرونه.
الأيام القادمة ستظهر لنا سياسات جديدة في المنطقة فبعد فرض العقوبات على روسيا سيتجه العالم نحو الدول المصدرة للطاقة لتعويض ما يمكن تعويضه عن النفط والغاز الروسي، وإن كان صعباً نوعاً ما لكن هذه الخطوة أصبحت ضرورية ليس فقط لارتباطها بالعقوبات على روسيا بل لسحب هذه الورقة من يد روسيا وهنا سيكون دور قادم ومهم لدول الخليج العربي في السياسات العالمية وحتى تركيا وإسرائيل وقضية شرق المتوسط قد نشهد تغيرات لما يتمتع به شرق المتوسط من طاقة لم تستخرج بعد، وهل هذا سوف يؤدي إلى تصالح يوناني تركي؟ كل الملفات مفتوحة وخاصة أن الحرب الروسية الأوكرانية يبدو أنها مفتوحة على كل الاحتمالات.
الشرق الأوسط وتركيا معنيان جداً بهذه الحرب فكثير من المصالح والمواقف السياسية قد تتغير لتغير الظروف الدولية وحتى المعاملات المالية وحتى الاستراتيجيات السياسية والأمنية قد تتغير، فخسائر هذه الحرب لن تطول روسيا وأوكرانيا بل كثير من دول المنطقة ما لم يتم إيجاد مخرج لهذه الحرب والتي شعارها الكل خاسر.