من خصال وعادات وتقاليد جماعة الإخوان الأوجلانيين (حزب العمال الكردستاني) الإكثار، بل الإفراط، في الحديث عن الوطنية والديمقراطية. وكل من هو خارج دائرة الحزب؛ مشتبه به في ارتكاب جرم الخيانة.
ومن ينتقد الحزب، حكمًا فهو خائن، ومن ينتسب إلى أحزاب وتيارات كردية مناهضة للحزب القنديلي (نسبة إلى جبال قنديل) فهو عميل، خائن، مرتزق، مأجور..، لا يستحق الحياة! بمعنى، تنظر هذه الجماعة السياسية (اليسارية)، بما تمتلكه من إمبراطورية مالية وإعلامية وعسكرية، وفاشية حزبية إيديولوجية متصلبة ومتطرفة كارهة وباغضة، تنظر هذه الجماعة إلى نفسها على أنها "الفرقة الناجية من النار"، تمامًا كما تنظر أية جماعة دينية متطرفة إلى نفسها!
اكتشاف الحزب الأوجلاني طبقة جديدة من طبقات "الخونة"، وهم الذين يخدمون في الجيش التركي من الكرد داخل تركيا. ذلك أن القيادية في الحزب، بيريتان ديرسم، وفي تصريح لإعلام الجماعة الأوجلانية المسلحة، قالت قبل أيام بلغة كردية واضحة ما معناه: "الكرد الذين يخدمون في الجيش التركي (خدمة علم إلزامية) هم خونة، عديمو الناموس والشرف والأخلاق"!
مَن مِن الاثنين على حق وصائب في كلامه ووصفه، أوجلان الذي وصف الجنود الأتراك القتلى بـ"الشهداء" واعتذر من أمهات الجنود الأتراك الذين قضوا في الصراع مع حزبه؟ أم القيادية في الكردستاني التي وصفت المنتسبين للجيش التركي من الكرد بالخونة وعديمي الشرف والناموس والأخلاق؟ ذلك أن تصريح أوجلان أمام المحكمة في صيف 2000، يدحض ويفند تصريح بيريتان ديرسم الذي أطلقته قبل أيام في صيف 2024! والعكس صحيح، أن تصريح بيريتان ديرسم – بأثر رجعي – يدحض ويفند تصريح زعيمها أوجلان، بل إن تصريح الأخير حين يصف الجنود الأتراك القتلى بـ"الشهداء"، ضمناً يصف بيريتان ديرسم وجميل بايق والآخرين في العمال الكردستاني الذين تسببوا في قتل الجنود الأتراك، بأنهم الخونة والقتلة والإرهابيون!
لم يعرف التاريخ الكردي المعاصر، ولن يعرف، حركة سياسية (كردية) قامت بتخوين ومحاربة الشعب الكردي، بالقدر الذي فعله أوجلان وحزبه الرهيب المرهوب!
غالب الظن أن والد وأخوة بيريتان ديرسم، أو أعمامها وبقية أفراد عائلتها خدموا في الجيش التركي باعتبارهم مواطنين أتراكا. وعليه، ينطبق عليهم توصيف وحكم المناضلة الثورية (هفال – "الرفيقة") بيريتان!
لندع هؤلاء جانبًا، طالما تراهم الرفيقة بيريتان "خونة وعديمي شرف"، ونضع إلى جوارهم الكرد المنتسبين إلى حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري والأحزاب التركية الأخرى، هم أيضًا "خونة"، مضافًا إليهم عشرات الألوف ممن تركوا الكردستاني، بل هربوا من صفوفه أو انشقوا، وكل هؤلاء، يصل تعدادهم إلى الملايين، هم "خونة وعملاء" بحسب العمال الكردستاني. والحال هذه، أكثر 95 بالمئة من كرد تركيا هم "خونة"! والقلة القليلة الباقية من الكرد مشتبه بهم، إلا في حال فقدوا حياتهم ضمن الكردستاني. وعلى ضوء ذلك، لم يعرف التاريخ الكردي المعاصر، ولن يعرف، حركة سياسية (كردية) قامت بتخوين ومحاربة الشعب الكردي، بالقدر الذي فعله أوجلان وحزبه الرهيب المرهوب!
نعيد طرح السؤال السابق بطريقة أخرى حتى تفهم بيريتان ديرسم ورفاقها معنى ووزن الكلام الذي يتفوهون به: ألم يخدم محمد أوجلان (شقيق عبد الله أوجلان) بالجيش التركي؟ ألم يخدم ابنه عمر أوجلان (ابن محمد أوجلان) بالجيش التركي؟ ألم يخدم محامو أوجلان، ومنهم صلاح الدين دميرتاش وعثمان بايدمير، عمر غونيش، إبراهيم بيلميز، محمود شاكار...، في الجيش التركي؟! ما عدد أعضاء وبرلمانيي حزب الشعوب الديمقراطي الذين خدموا الجيش والذين لم يخدموه؟ وعليه، بيريتان ديرسم بحكمها ذاك، تضع الكتلة البشرية الموالية لحزبها (حزب الشعوب الديمقراطي – HDP) ضمن دائرة الخيانة! وبالتالي، من بقي من الكرد في شرع وذهنية هذا الحزب وليس بخائن؟! زيدوا على هذا وذاك، زعيم الحزب عبد الله أوجلان، في أثناء خطفه وفي محاكمته أيضًا، قال وكرر مرارًا أنه يريد خدمة تركيا! فإذا كان وصف الخيانة ينطبق قراطًا على من يخدم الجيش التركي من الكرد، فإن هذا الوصف ينطبق على عبد الله أوجلان 24 قراطًا!
كفى لسلاح وعنف وإرهاب الكردستاني؟ لماذا أنتم شجعان أمام الدولة، وجبناء مخصيون أمام هذا الحزب الذي يتبجّح بأنه يمثلكم ويخدم قضيتكم ويدافع عنكم ويطالب بحقوقكم؟
ناهيكم عن عجز أنصار العمال الكردستاني في سوريا وتركيا عن الإجابة عن الأسئلة المذكورة آنفًا، الجميع التزم الصمت، ولم تجرؤ قيادات وبرلمانيي حزب الشعوب الديمقراطي على رفض أو انتقاد تصريحات القيادية القنديلية الأوجلانية التي جرّدتهم من الوطنية والشرف والكرامة والناموس والأخلاق! هكذا، وكأنهم لم يسمعوا شيئاً، وكأن الاتهام بالخيانة وانعدام الشرف والكرامة والأخلاق...، لم يكن موجّهًا إليهم، ولا يعنيهم في شيء، ودفنوا رؤوسهم في تراب الخوف والإذعان والاستسلام للعمال الكردستاني، وهو يشتم جماهيره!
في زيارتي الأخيرة لتركيا، والتي بدأت من 9 حزيران ولغاية 22 تموز، واستمرت ما يزيد على 40 يومًا، وبمحض المصادفة، على متن الطائرة المتجهة من ديار بكر إلى إزمير، التقيت بكردي (تركي) مسنّ متقاعد، كان يعمل في بلدية ديار بكر، التي يسيطر عليها ممثلون عن العمال الكردستاني منذ 1999 ولغاية اللحظة، ودار بيننا حديث حول أوضاع كرد تركيا، وكارثية استمرار الكردستاني في حمل السلاح وإزهاق أرواح المقاتلين والمقاتلات الكرد لأجل تحقيق الجمهورية الديمقراطية والأمة الديمقراطية داخل تركيا! ليس فقط هذا الكردي المتقاعد الذي يدلي بصوته لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب (المتهم بأنه الواجهة الرسمية للعمال الكردستاني) بل الكثيرون الذين التقيت بهم أبدوا ارتياحهم الشديد لخلو المناطق الكردية في تركيا من العنف والاشتباكات، ويرفضون تجدد الحرب والعنف ونقل العمال الكردستاني لصراعه العبثي إلى داخل الأراضي التركية كما كانت الحال في الثمانينيات والتسعينيات. لكن هؤلاء الموالين للعمال الكردستاني، لا يعترضون على تدخل وإرهاب سلاح العمال الكردستاني في داخل سوريا والعراق! لماذا؟ سألت الرجل المسن الذي جاورني المقعد على متن الطائرة. قلت له: أنت على علم بما حدث لرئيس بلدية ديار بكر السابق عثمان بايدمير، حين قام أحد عمال النظافة في البلدية باستجواب رئيس بلدية كبرى المدن ذات الأغلبية الكردية، وضربه وإهانته، وشتمه وهدّده، بتكليف من قيادة العمال الكردستاني في جبال قنديل. أجاب الرجل العجوز، نعم كلنا مطّلعون على تلك الحادثة التي جرت في نهاية 2009!
سألته: لماذا لم تعترضوا على ذلك؟ لماذا لم تحتجّوا على سلوك وإرهاب العمال الكردستاني؟ كيف تقبلون أن يهان ويضرب ويشتم رئيس بلديتكم، المحامي والقيادي، من قبل عامل نظافة، بأمر وتفويض من الكردستاني؟! إذا أرادت تركيا فتح تحقيق مع عثمان بايدمير، هل سترسل عامل نظافة كي يحقق معه، كما فعل حزبكم الكردستاني، أم سترسل قاضيًا وإنسانًا متخصصًا يجري التحقيق باحترام؟ إذا أجريتَ مقارنة بين سلوك الكردستاني والدولة التركية، كفة من سترجح؟ أجاب العجوز: الدولة طبعًا.
إذن، والحال هذه، ماذا فعل بكم العمال الكردستاني حتى تصبحوا مخصيين لهذه الدرجة من العجز والإذعان والاستسلام والرعب؟! أنتم، كرد تركيا، ثرتم وانتفضتم على الدولة السلجوقية والعثمانية، وعلى جمهورية تركيا (1925-1938). وأنت أيها العم العزيز، كُنتَ في سجن ديار بكر بعد الانقلاب العسكري في 12 أيلول 1980، وتحمّلت التعذيب الرهيب وقتذاك، ما الذي يمنعك ويمنع كرد تركيا الموالين للعمال الكردستاني من القول: كفى.. كفى لسلاح وعنف وإرهاب الكردستاني؟ لماذا أنتم شجعان أمام الدولة، وجبناء مخصيون أمام هذا الحزب الذي يتبجّح بأنه يمثلكم ويخدم قضيتكم ويدافع عنكم ويطالب بحقوقكم؟! الحزب الذي يمنع الموالين له من التفكير الحرّ، وانتقاد الحزب، واتخاذ خيار سياسي آخر، كيف له زعْم وادعاء أنه حركة حرية أو حركة تحرر؟!
سكت الرجل، واكتفى بالإجابة المقتضبة: لا أعرف. حال الكردي المسنّ الذي التقيته مصادفة، هو نفسه حال عشرات الألوف من الكرد في تركيا وسوريا والمهجر... الموالين للعمال الكردستاني، المغلوب على أمرهم، يرفضون سلوكيات وسياسات الحزب في الجلسات الخاصة، لكنهم عاجزون مغلولون مشلولون أمام الحزب حتى لو شتمهم وأهانهم ومارس في حقهم الخطف والتهديد والاغتيال وكل صنوف الإرهاب!
الكرد في سوريا منذ 2011 وحتى هذه اللحظة، لا حول لهم ولا قوة، عاجزون عن إيقاف مطحنة العمال الكردستاني التي تطحن المناطق وتنهبها.
على سبيل الذكر لا الحصر: كرد سوريا انتفضوا على النظام السوري في 12 آذار سنة 2004 نتيجة ظلم وقمع وإرهاب النظام الأسدي – البعثي في حق المناطق الكردية السورية. لكن الكرد في سوريا منذ 2011 وحتى هذه اللحظة، لا حول لهم ولا قوة، عاجزون عن إيقاف مطحنة العمال الكردستاني التي تطحن المناطق وتنهبها، وتجعلها محض مقابر تتسع فوق الأرض، وأنفاق تتمدد تحت الأرض! ما الذي جعل كرد سوريا ينزلون إلى هذا الدرك من الاستسلام لهذه الجماعة التي تستثمر دماء الكرد وقضيتهم وثرواتهم لأجل حروب عبثية ضد كرد آخرين في سوريا وتركيا والعراق وإيران!
قياسًا على حالة التردي والحضيض والانحدار والنفاق الذي يعصف بالمجتمع الكردي، بفضل شعارات وحروب وخرافات وخزعبلات حزب العمال الكردستاني، يتضح أن ظلم وجور وإرهاب هذا الحزب، فاق بكثير ما مارسه النظام السوري والحكومات التركية ضد أكراد البلدين.
حاصل القول: هذه الجماعة التي تعمل كشركة أمنية، تارة لحساب الأميركيين وتارة للروس، وتارة للنظامين في سوريا وإيران، هذه الجماعة وقودها ذهنية التخوين وجهل وعجز الكرد عن رفض سياسات وممارسات واتفاقات هذه الجماعة العقائدية المتطرفة التي استخدمت ولمّا تزل تستخدم التخوين والنار والبارود ضد المنشقين عنها والمخالفين لها.