تخفي منازل الأرامل في عتمتها كثيراً من القصص والحكايات من دون أن يُسلّط عليها الضوء خوفاً من المجتمع وأحكامه المسبقة عن المرأة، لتفضل كثير من النساء الصمت والتكتم وعدم الإفصاح عن واقعهن الصعب.
ودفعت النساء السوريات ضريبة كبيرة نتيجة للحرب الدائرة في سوريا بسبب فقدان أزواجهن مما جعلهن عرضة لكثير من المشكلات، في مقدمتها ضغوط المجتمع وفرضه الزواج الثاني على الأرامل، وغالباً ما كان هذا الزواج وفقاً لرغبات المجتمع والأهل من دون الرجوع للمرأة، وتحت ذرائع متعددة اجتماعية واقتصادية.
"سوء المعاملة"
سلوى (25 عاماً)، امرأة سورية، قُتل زوجها خلال الحرب وبقيت وحيدة تواجه مجتمعاً لا يترك للمرأة حرية لاختيار حياتها عبر تدخل المحيطين بها من العائلة والأقارب.
وتعرضت سلوى لكثير من الضغوط والمضايقات لامتناعها عن الزواج للمرة الثانية، لكنها لم تستطع الصمود طويلاً، فخضعت لرأي ذويها وقبلت بالزواج، والذي تصفه بأنه كان "كارثة كبيرة".
أجبرت سلوى على القبول بالزواج من شقيق زوجها المتزوج، والذي يكبرها بعشرين عاماً وبعد مدة من الارتباط بها بدأ يمارس عليها كل أنواع العنف النفسي والجسدي.
تقول سلوى، في حديث لموقع "تلفزيون سوريا" بعد وقت قصير من زواجي من شقيق زوجي بدأ يعاملني كأني "جارية"، فضلاً عن الإهانات من زوجته وبناته، وعندما أشكو له سوء المعاملة يوجه لي إهانات من قِبل: "يكفي أني سترت عليك، وزوجتي وبناتي ظفرهن برأسك"، أما أهلي فلم يكن لديهم سوى جواب وحيد يكررونه: "تحملي يكفي أن أولادك سيحصلون على تربية".
"استسهال الطلاق"
أما عبير (35 سنة)، فلم تكن ترغب في الزواج بعد أن فقدت زوجها، وحلمها الوحيد هو أن يكمل ابنها وبنتها اليتيمان تعليمهما، ولكن ظلّت هدفاً للخطّابات اللواتي يعرضن عليها الزواج بشكل متكرر. وتقول عبير: "كنت أرفض مجرد التفكير بالزواج مرة أخرى، ولا يهمني في هذه الدنيا سوى أولادي".
وتضيف: "جمعتني الأقدار بابن خالتي عادل، وهو رجل في مقتبل العمر ومتزوج وميسور الحال ويعمل مديراً في إحدى الجمعيات. وبدأ يقدم كل أنواع المساعدات لي ولأولادي، الذين بدؤوا يعتادون عليه ويحبونه".
وتكررت بعدها زياراته وازدادت، وأشعرتني بالارتياح لوجود شخص يقف بجانبي أنا وأطفالي، واستأجر لنا بيتاً وادّعى أنه مقدّم من الجمعية الخيرية التي يعمل فيها، وبعد فترة وجيزة واظب على زيارتنا في السهرات، إلى أن فاتحني بموضوع الزواج، تحت ذريعة "الاهتمام بالأولاد"، متعهداً برعايتهم.
وبعد تردد وتحت رغبة أبنائها الذين تعلقوا بقريبها، اتفقت عبير مع عادل على الزواج سراً، ولم يمر سوى أسبوعين حتى تغيرت معاملة عادل لعبير، وانقطعت زياراته للبيت ولم يعد يرد على اتصالاتها.
وتضيف عبير، "في أحد الأيام فوجئت بأنه طلّقني وأرسل لي رسالة بأنه لم يعد قادراً على متابعة هذا الزواج، مبرراً فترة زواجنا بأنها كانت نزوة".
وأردفت: "كنت قد طلبت منه التفكير كثيراً في قرار الزواج قبل أن نقدم عليه، منعاً من حصول مشكلات عائلية". إلا أنه تزوجها وانفصل عنها بعد مدة قصيرة، فاضطرت للخروج من المنزل المستأجر لأن طليقها الثاني لم يعد يدفع الإيجار.
وتقول عبير: "الزواج الثاني وضعني في موقف محرج أمام عائلتي وأمام المجتمع، فحتى مديرة دار الأيتام التي كانت تقدّم لنا الرعاية قبل الزواج من عادل، لم تقبل عودتي أنا وأطفالي للحصول على الرعاية.
وتضيف معلقة على تجربتها المريرة: "ما ذنبي إن كنت أرملة؟ وهل أنا رخيصة لهذه الدرجة في عيون الناس؟".
زواج من "الدرجة الثانية"
تقول الخبيرة النفسية والاجتماعية ريم الصّباح: المشكلة ليست في الزواج الثاني بحد ذاته، لا سيما أنه رائج في مجتمعاتنا، وإنما بالصور النمطية الخاطئة في المجتمع تجاه المرأة سواء كانت مطلقة أو أرملة، ما يجعل تزويجها مرة أخرى بمنزلة الزواج من "الدرجة الثانية".
وترى الصباح أنّ "الرجل يستسهل طلاق الزوجة الثانية والعودة لبيته وزوجته الأولى وأولاده تاركاً بذلك الثانية عرضة لنظرات المجتمع الذي يطلق عليها أحكاماً مسبقة وتصورات مجحفة".
ورصد موقع "تلفزيون سوريا"، في هذا التقرير العديد من هذه الزيجات للوقوف على الزواج الثاني وتداعياته، ومن هذه الحالات قصة ريم (26 عاماً)، اسم مستعار، أرملة، توفي زوجها وهي في الثانية والعشرين، ولأنها في مقتبل العمر فإن المحيط من حولها بدأ بالتدخل في شؤونها والضغط عليها بشكل قاس كي تقبل بأن تكون زوجة ثانية، بحجة أن الزواج الثاني سيكون النجاة والسترة والاستقرار لها ولطفلها من زوجها الأول.
وتقول ريم، مارست عائلتي عليّ ضغوطاً وأجبروني على الزواج من رجل يكبرني بأربعة وعشرين عاماً بحجة أنه مقتدر مالياً بحكم امتلاكه عملاً يدر عليه ربحاً وفيراً.
ورزقت ريم بطفلة من زواجها الثاني، ولكنها فوجئت بأن الرجل الذي تزوجته ليس كما ادّعى فهو متزوج من أكثر من امرأة، فلم يدم زواجهما سوى فترة قصيرة.
وتقول ريم: "لم يعترف بابنته وأخبرني بأنه لا يتحمل مسؤوليتها وأنه سوف يعود لبيته وزوجته الأولى فهي أمّ أطفاله، واكتفى بإرسال دفعات من المال كل شهر وبعد ذلك توقف عن الإرسال، وهددني في حال فكرت بالتواصل مع زوجته الأولى".
وترى ريم أن زواجها الثاني بمنزلة "الكارثة" وتضيف: "تعرضت خلال زواجي الثاني وطلاقي لمشكلات أكثر مما عانيته عندما كنت أرملة".
وحاولت ريم التواصل مع طليقها والد طفلتها لعلّهما يتوصلان إلى حل، ولكنها لم تستطع الوصول إليه بعد أنّ قام بتغيير أرقام هواتفه.
تقول ريم بحسرة: "الموت أرحم لي وللنساء السوريات اللاتي فقدن أزواجهن في الحرب لأننا أصبحنا قضية يحق للجميع التدخل بها".
"مستقبل الأطفال"
جميلة (29 سنة) امرأة سورية لها قصة مشابهة لقصة ريم، حيث تقيم وأطفالها في إحدى دور الأيتام في جنوب تركيا، ولكنها لم تسلم أيضاً من ضغوط المحيط من حولها ورتب لها زواج من رجل، فاشترطت أن يبقى أولادها معها بحكم أن جميع أهل زوجها الأول متفرقين بين مصر وألمانيا ولا يوجد من يكفلهم.
تقول جميلة: "شعرت بنوع من الاستقرار والراحة، ولكن الأمر لم يدم طويلاً، وبدأ زوجي الجديد يتأفف من وجود أطفالي وراح يخترع الحجج بأنه لا يناسبه العيش مع الأطفال، رغم موافقته المسبقة والمشروطة".
تضيف جميلة: "طالبني زوجي بالتخلي عن أطفالي وحاولت جاهدة إقناعه بأن الأطفال لا ذنب لهم وليس لهم أحد سواي".
لم تنجح محاولات جميلة وحدث الطلاق بعد ستة أشهر من زواجها الثاني، من دون الحصول على أي حقوق، إذ إنّ زواجها الثاني لم يكن مثبتاً في المحكمة بشكل رسمي، وإنما مجرد عقد شرعي (كتاب شيخ).
تقول الخبيرة النفسية والاجتماعية ريم الصباح: "بالنظر إلى الحالات العديدة لنساء اضطررن تحت ضغط الأهل والمجتمع إلى الزواج للمرة الثانية تحت حجة السترة أو بسبب ظروف اقتصادية، نجد كثيراً من التداعيات السلبية المرتبطة بهذا الزواج".
وبحسب الصباح فإن آثار الزواج الثاني تنعكس بشكل أساسي على المرأة وأطفالها، لأنه في معظمه مبني على استغلال حاجة المرأة (الأرملة) إمّا لظرف اقتصادي أو تحت ضغط المجتمع في ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها السوريون المتمثلة بالحرب.
وتضيف الصباح: "ينظر إلى هذا الزواج بأنه "منّة" من الرجل لستر المرأة، فغالباً ما تتعرض لسوء المعاملة أو الطلاق باعتباره أمراً سهلاً، لا سيما إذا كان هذا الزواج لم يسجل في المحاكم الرسمية".