"الزواج نصف الدين"، "الزواج سترة"، "الله بيسر شغلتين: الزواج والبيت"، أمثلة شعبية معروفة في المدن السورية حول "أهمية" الزواج ودوره في استقرار حياة المجتمع السوري خاصةً والعربي عموماً.
يخضع الزواج كغيره لعوامل اقتصادية ويتصل باستقرار المجتمع نفسه، في الوقت الذي يسعى آلاف الشباب السوري للزواج ضمن "شروط مقبولة" من أهل العروس سواء في تركيا أو في أوروبا، ولكن تفضل شريحة كبيرة الزواج من فتيات لم يخرجن من سوريا، ضمن شروط صعبة ومعقدة لاستخراج فيزا العروس وذلك لأسباب وصفها بعضهم بالأخلاقية وآخرون بأنها أقل كلفة!
رصد تلفزيون سوريا حالات زواج لسوريين من سوريات داخل البلاد وأوضحت الحالات أن قرارهم الزواج من سوريا من دمشق أو حلب وحمص وغيرها يعود إلى ما وصفوه "باستغلال أهل العروس" للشاب المتقدم للزواج والمطالب "التعجيزية" بحسب وجهة نظرهم.
“الأمر أقرب إلى التجارة"
"فضلت أن أتزوج فتاة من داخل سوريا وأحاول استقدام زوجتي إلى تركيا بعد الطلبات التعجيزية التي واجهتها لدى محاولتي الخطبة من فتيات سوريات في تركيا".
بهذه العبارة اختصر محمد، شاب سوري يعيش في مدينة إسطنبول قراره بالزواج من فتاة سورية داخل سوريا بدلاً من الخطبة من إحدى العائلات السورية في تركيا.
وأضاف محمد أن المجتمع السوري في داخل البلاد ما يزال على عاداته القديمة المتمثلة في البحث عن أخلاق الشاب وصونه لابنتهم لا عن مستواه المادي بحسب رأيه، في حين وصف الأمر بين العائلات السورية في تركيا "بالتجارة".
هذا الوصف وفق محمد جاء بعد تجاربه في الزواج في تركيا، التي يقطن فيها وفقاً للمديرية العامة للهجرة ثلاثة ملايين و645 ألفاً و140 سورياً، منهم 527 ألفاً و982 شخصاً في ولاية إسطنبول (شمال غربي تركيا).
وفق محمد فإن العائلات السورية في تركيا تطلب نحو 60 ألف ليرة تركية (نحو سبعة آلاف و500 دولار أميركي) مقدم المهر و100 ألف ليرة تركية (نحو 12 ألفاً و500 دولار أميركي) مؤخر المهر، بالإضافة إلى الذهب وباقي المصاريف، مشيراً إلى أن بعض العائلات تستغل هذه المبالغ لافتتاح مشاريع صغيرة لاحقاً، كالبقاليات أو الخدمات الأخرى للسوريين.
وتنتشر محال البقالة السورية بشكل كبير في المناطق التي تشهد كثافة سكانية سورية، كمناطق الفاتح وأسنيورت وباشاك شهير، وتبيع المواد الغذائية السورية بالإضافة إلى بضائع أخرى.
من جهته يرى عثمان (33 عاماً)، أن معظم العائلات تضع شروطاً صعبة عند الزواج لخوفهم من الشباب الذي يعيش وحده في تركيا حتى لو كان هناك تواصل بين العائلتين.
وأرجع عثمان هذه المخاوف إلى أنه في حال حدوث مشكلة بين الطرفين كيف ستحل؟ وكيف سيتم التفاهم بغياب الطرف الآخر في المستقبل، بالإضافة إلى أن العائلات الموجودة في تركيا تطلب مهوراً غالية كنوع من الرفض غير المباشر.
في حين كان للحب دوره في حكاية محمد، حيث إن حبيبته في سوريا وقاوم كل الصعوبات التي واجهها منذ سنوات ليلتقيا مجدداً.
ومن إحدى هذه الصعوبات هي الكلفة المادية المرتفعة لوصول الزوجة إلى تركيا بطريقة شرعية عبر الحصول على فيزا من السفارة التركية في بيروت.
وفي تصريحات سابقة لموقع تلفزيون سوريا قال الباحث الاجتماعي باسل عبد الحميد إن الزواج بمفهومه الاجتماعي حالة من الاستقرار ينتج عنها أولى لبنات تأسيس المجتمع وهي الأسرة، ما يفرض عليها أن تتم بتوافق تام، أما في الحالة التي نراها أمامنا اليوم يمكن القول إن الزواج في العديد من الحالات بات حالة صراع يحاول كل طرف من طرفيه أن يحقق مطالبه أو يضمن أن يكون الطرف الأكثر استفادة، مهما كان التسمية، حق للفتاة أو طمع أو مكسب.... الخ.
للزواج من سوريا تكاليفه أيضاً
رغم أن إحدى أسباب لجوء بعض السوريين في تركيا إلى الزواج من الفتيات السوريات في داخل سوريا هي تحول الأمر إلى تجارة وفق الحالات التي التقاها موقع تلفزيون سوريا، إلا أن الزواج من داخل سوريا له تكاليفه المادية أيضاً.
إذ إن الحل الأكثر أمناً لوصول الزوجة إلى تركيا هو حصول الأولى على فيزا من السفارة التركية في بيروت (بالنسبة للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري)، وهو ما يعني مبالغ كبيرة قد تصل في بعض الحالات إلى أربعة آلاف دولار أميركي (32 ألف ليرة تركية تقريباً)، في حال رفضت الفيزا.
وقال عثمان إن هذا الثمن سيكون للفيزا فقط، فضلاً عن باقي المصاريف الأخرى، في حين يختلف رأي محمد عن رأي عثمان، إذ يرى الأول أن الكلفة المادية لاستقدام زوجته مهما ارتفعت فهي "قليلة بالمقارنة مع المبالغ التعجيزية التي تطلبها بعض العائلات السورية في تركيا".
وأشار محمد إلى أن هذه المطالب تؤدي إلى سرعة الطلاق بين الزوجين، لأن العلاقة لا تقوم على الأساس السليم وإنما على المنفعة المادية فقط.
وفي تطرق الباحث الاجتماعي باسل عبد الحميد في تصريحات سابقة لموقع تلفزيون سوريا حول مسألة المهر، قال إن اللاجئين السوريين حتى اليوم لم يدركوا أنهم باتوا يعيشون في مجتمعات وتحت قوانين مختلفة تماماً عن ما كانوا يعيشوه في سوريا، مضيفاً "مسألة اعتبار المهر ضمان لحق الفتاة أعتقد أنها فكرة منقولة من المجتمع السوري"، وذلك في أثناء حديثه عن المهر في أوروبا، وهو ما يتشابه إلى حد كبير مع الأمر في تركيا. وإضافة إلى المهر المرتفع، يواجه من يحاول استقدام زوجته تعقيدات الفيزا وأوراقها.
ووفقاً للمحامي أسامة عبد الرحمن، تطلب السفارة التركية بياناً عائلياً يثبت صلة القرابة بين الطرفين، بالإضافة إلى ورقة لا حكم عليه لكل شخص على أن تكون هذه الأوراق مترجمة إلى اللغة التركية ومصدقة من وزارة الخارجية في حكومة النظام، بالإضافة إلى أربع صور شخصية وصورة عن جواز السفر يملك مدة صلاحية أكثر من ستة أشهر، وفحص فيروس كورونا لكل شخص.
ويضاف إلى ما سبق رسم الفيزا، 120 دولاراً أميركياً تدفع في مكتب السفارة التركية في بيروت.
أما بالنسبة للأوراق المطلوبة من قبل مقدم الطلب في تركيا فتشمل وفقاً لعبد الرحمن كشف حساب بنكي لآخر ثلاثة أشهر، مع صورة عن بطاقة الحماية المؤقتة (كيمليك)، وطلب الدعوة من قبل "النوتر"، وتأميناً صحياً لكل شخص مع حجوزات طيران وهمية، كما عليه استخراج سند إقامة وورقة لا حكم عليه وكلاهما يمكن استخراجهما من ""E- Devlet