تطوع إسماعيل العبد الله لإنقاذ حياة الناس لدى منظمة الخوذ البيضاء في سوريا قبل عشر سنوات، وعاش تجربة انتشال الناس من بين أنقاض الأبنية التي قصفتها قوات النظام وروسيا، لكنه يصف الدمار الذي خلفه زلزال يوم الاثنين بأنه: "أصعب من أي قصف".
ولذلك، يطالب إسماعيل بمساعدة فورية في المحاولات الساعية لإنقاذ الذين ما يزالون عالقين تحت الأنقاض في شمال غربي سوريا، حيث يعمل هو وفريق مؤلف من ألفي منقذ لدى منظمة الخوذ البيضاء التطوعية التي تعرف رسمياً في سوريا باسم الدفاع المدني السوري، ضد عقارب الساعة لإنقاذ حياة أكبر عدد ممكن من الناس.
يتحدث اسماعيل عن هذه التجربة فيقول: "قتلت أكثر من ألف أسرة بسبب الزلزال، وماتزال مئات الأسر تحت الأنقاض، وقد كانوا يصرخون ويستغيثون... عملت هنا طوال عشر سنوات، إلا أن هذه الظروف هي أسوأ ظروف شهدتها، فهي صعبة للغاية، بل إنها أصعب من أي قصف".
"خسرناهم جميعاً"
بلغ عدد قتلى الزلزال شمال غربي سوريا اليوم 2030، أما عدد الجرحى فقد وصل إلى 2950 حتى لحظة كتابة هذه السطور، ومعظم هؤلاء الناس تم إنقاذهم على يد عناصر الخوذ البيضاء، لكن اسماعيل يخشى أن يرتفع عدد القتلى ليصل إلى خمسة آلاف.
يصف إسماعيل لنا لحظة وقوع الزلزال التي استيقظ بسببها في ساعة مبكرة من صبيحة يوم الإثنين فيقول: "بدأت الأرض تهتز بعنف للأمام والخلف، فشعرت برعب حقيقي من حدوث شيء لبناتي الثلاث (عمر الأولى أربع سنوات والثانية ثلاث والثالثة شهر واحد)، فأمسكت بهن على عجل وخرجنا من البيت. بدأت أبحث في حينا فوجدت بأن الكثير من الأبنية قد انهارت، أقربها إلينا انهار فوق أسرة مكونة من 17 فرداً خسرناهم جميعاً".
المتطوع إسماعيل العبد الله لدى منظمة الخوذ البيضاء
فقد فريق إسماعيل أربعة من المتطوعين مع أهلهم وأسرهم، ولهذا يقول: "لم نتمكن من إنقاذهم، فخسرناهم مع أولادهم".
على الرغم من أن مركز الزلزال الذي بلغت شدته 7.8 درجة كان في تركيا، إلا أن جهود الإنقاذ والإغاثة باتت أصعب بكثير على الجانب الآخر من الحدود التركية في شمال غربي سوريا، حيث زادت بسبب الزلزال البنية التحتية المدمرة بسبب القصف المستمر الذي مارسته روسيا ونظام بشار الأسد على تلك المنطقة.
تم إرسال فرق إنقاذ دولية إلى تركيا، إلا أن الخوذ البيضاء هي الفريق الوحيد الذي بوسعه أن يقوم بمهام البحث والإنقاذ في شمال غربي سوريا، بيد أن حجم الدمار يفوق قدرتهم على استيعاب الأمور وتقديم الاستجابة.
"نتوقع الأسوأ"
ومما يقلق إسماعيل عدم وصول ما يكفي من المساعدات إلى الشمال السوري، كما أنه يخشى من نظام الأسد الذي يمكن أن يقرر مواصلة غاراته الجوية على المنطقة.
إذ وردت أنباء حول قصف النظام لمدينة معرة النعمان التي يسيطر عليها الثوار والتي تقع شمالي حلب بعد وقت قصير من وقوع الزلزال.
ثم إن معظم المساعدات التي تدخل إلى سوريا تمر بالعاصمة دمشق التي يسيطر عليها النظام، ولهذا فإنه يتحكم بكل المساعدات الموجهة لمناطق المعارضة في الشمال، ما دفع المنظمات الدولية للمطالبة بفتح مزيد من المعابر الحدودية لضمان وصول المساعدات إلى من يحتاجها في الشمال السوري.
يشرح إسماعيل الوضع بقوله: "قبل دقائق معدودة ظهرت طائرات حربية روسية في الأجواء، ولهذا فإننا نتوقع الأسوأ ثم الأسوأ".
طالبت منظمة الخوذ البيضاء المجتمع الدولي بتقديم الدعم لمعالجة هذه الكارثة، إلا أن التحديات الرئيسية التي يواجهها فريق هذه المنظمة تتمثل في عدم توفر الوقود المخصص للمولدات بما أنهم لا يمكنهم أن يؤدوا عملهم دون كهرباء أو نور.
أحد عناصر الدفاع المدني وهو يقف بالقرب من ركام أحد الأبنية المنهارة في جنديرس
حدثت هزات ارتدادية متلاحقة وعنيقة بعد ذلك الزلزال كان بوسعها أن تتسبب بالمزيد من الدمار للأبنية التي تضعضعت، ولهذا يقول إسماعيل: "ينبغي على المجتمع الدولي أن يرسل مساعداته، فنحن بحاجة لمساعدة حتى نتمكن من الوصول إلى هؤلاء العالقين تحت الأنقاض إلا أن الوقت لم يعد يسعفنا حتى نوصلهم لبر الأمان، ولهذا أتمنى أن يصمدوا لأطول فترة ممكنة، ولكني أعرف وكل العالم يعرف بأن الوقت آخذ بالنفاد وبأننا سنخسر المزيد من الأرواح".
قبل وقوع الزلزال، كان الشمال السوري يعاني من ويلات أزمة إنسانية وكانت المنظومة الصحية في تلك المنطقة على حافة الانهيار، ثم إن أغلب السكان هناك نازحون بسبب الحرب، فقد ذكر لنا إسماعيل نفسه بأنه نزح أربع مرات قبل الآن، حيث قال: "تدمر بيتي بسبب القصف، والآلاف من الناس نزحوا مثلي من أنحاء متفرقة في سوريا، وصاروا يعيشون اليوم هنا بيد أن الزلزال دمر كل شيء".
وصف رائد الصالح مدير منظمة الخوذ البيضاء الوضع على الأرض بأنه: "مصيبة بكل مافي الكلمة من معنى.. إذ لا توجد كلمات تصف حجم الدمار الذي نشهده".
يذكر أن المتطوعين في فرق الإنقاذ التابعة للخوذ البيضاء ظلوا يعملون طوال الليل بيد أن العواصف الثلجية والأمطار الغزيرة منعتهم من تقديم الاستجابة، ولهذا يضيف رائد الصالح: "إنهم يقومون بكل ما بوسعهم القيام به، إلا أن حجم الكارثة أكبر بكثير من قدرتنا على تقديم الاستجابة الطارئة".
المصدر: I News