icon
التغطية الحية

الخوف من انهيار شبيه بانهيار الاتحاد السوفييتي يقض مضجع الرئيس الصيني

2024.10.03 | 19:53 دمشق

الرئيس الصيني شي جين بينغ وخلفه علم الحزب الشيوعي - المصدر: الإنترنت
الرئيس الصيني شي جين بينغ وخلفه علم الحزب الشيوعي - المصدر: الإنترنت
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في أواخر شهر أيلول، نصب العمال مجسماً لسلة من الفاكهة والزهور يبلغ طوله 18 متراً في ساحة تيان آن من في العاصمة بكين، كما انتشرت العروض في مختلف أنحاء المدينة احتفالاً بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الصين الشيوعية في الأول من شهر تشرين الأول. وهذا المجسم يزخر بأشكال عملاقة للخوخ والقرع بما أنهما يرمزان لحياة طويلة في نظر الشعب الصيني، غير أن ما بات يقلق شي جين بينغ هو إلى متى سيبقى حزبه يحكم هذا البلد؟

في خضم هذه المظاهر الاحتفالية، ابتعد الإعلام الرسمي عن ذكر أي معلم آخر، فقد بقي الشيوعيون في موسكو طوال 74 عاماً في السلطة إلى أن انهار الاتحاد السوفييتي في عام 1991. لكن الحزب الشيوعي الصيني تفوق اليوم على الاتحاد السوفييتي الذي كان يصفه خلال مرحلة من المراحل بـ"الأخ الكبير"، إذ عندما انهار الاتحاد السوفييتي، أصبح القمع الدموي للاحتجاجات التي عمت ساحة تيان آن من في عام 1989 مجرد ذكرى ليست بعيدة، وبتصميم وعزم لا يرحم، سحق الحزب الصيني المعارضة وحافظ على نفسه من أي هزات ارتدادية قادمة من موسكو.

واليوم، بدأ الرئيس شي يعرب عن قلقه بسبب تراخي احتراز المسؤولين بعد سنوات من الرخاء، مما زاد خطر التعرض للفناء على الطريقة السوفييتية، إذ حتى بعد مرور اثني عشر عاماً على وصوله إلى السلطة، نفذ خلالها شي عمليات تطهير بحق أي منافس محتمل له من بين أعلى صفوف الحزب، وبعد أن شن حملات أيديولوجية لا ترحم لضمان الولاء المطلق من أعضاء الحزب البالغ عددهم تقريباً 100 مليون، لا يبدو على الرئيس شي أنه وصل لمرحلة الرضا.

كانت السنوات القليلة الماضية صعبة، إذ في البداية ظهرت عملية التخلي الفوضوية عن سياسة "صفر كوفيد" التي طرحها شي في عام 2022، ومنذ ذلك الحين، بدأت حالة التعافي الاقتصادي المرضية التي أدت لقيام محاولة يائسة في إحياء النمو من خلال محفز جريء جرى الحديث عنه خلال الأسبوع الماضي. ووسط هذه الأجواء الكئيبة، بقيت ذكريات انهيار الاتحاد السوفييتي حاضرة في الخطابات والإعلام والاجتماعات الحزبية. والغرض من ذلك تحذير المسؤولين حتى يتوخوا الحذر تجاه الأخطار التي ستستمر على المدى البعيد.

لا للعدمية

بنهاية عام 2021، أي بعد مرور قرابة 30 عاماً على الذكرى السنوية لانهيار الاتحاد السوفييتي، بدأ مسؤولو الحزب بعقد اجتماعات داخلية في مختلف أنحاء البلد بهدف تسجيل مسلسل وثائقي مؤلف من خمس حلقات عن الحزب. ولقد انتقد هذا المسلسل "العدمية التاريخية" وهذه العبارة ما هي إلا مصطلح حزبي هدفه انتقاد أهوال الستالينية والماوية، واتهم المسلسل الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف بالخروج ببدعة "الخطاب السري" في عام 1956 والتي تعمل على شجب عقيدة تأليه ستالين، وهذا ما "أشعل نار العدمية" كما قال الراوي. ومنذ ذلك الحين، أصبح الحزب السوفييتي يعيش في الوقت الضائع بحسب ما ألمح المسلسل الوثائقي الذي بقي يُشاهد طوال أسابيع في مكاتب الحكومة والشركات والمؤسسات التابعة للدولة وفي الحرم الجامعي.

تحديات خاصة

في تشرين الأول من عام 2022  وخلال المؤتمر الحزبي الذي يعقد كل خمس سنوات، ألمح الرئيس شي إلى القلق الذي ما برح انهيار الاتحاد السوفييتي يسببه بين صفوف النخب الصينية، وقال: "علينا أن نبقى متيقظين على الدوام" وأضاف في كلمته أمام الحضور: "إننا عازمون على معالجة التحديات الخاصة التي يواجهها حزب كبير كحزبنا، وذلك حتى نحافظ على التأييد الشعبي إلى جانب تعزيز موقفنا بوصفنا نمثل حزباً مايزال في الحكم منذ فترة طويلة".

ومنذ ذلك الحين تكرر استخدام عبارة: "التحديات الخاصة التي يواجهها حزب كبير" في الدعاية الخاصة بالحزب مع الإشارة في كثير من الأحيان لتجربة الحزب السوفييتي وهو الحزب الوحيد الكبير الآخر الذي تبدي الصين اهتماماً حقيقياً به. ومنذ ذلك المؤتمر الحزبي، نُشرت كتب عديدة تحمل هذه العبارة على غلافها، بينها ثلاثة كتب نشرت خلال هذا العام. كما أصدرت شخصيات أكاديمية أوراقاً بحثية حول هذا الموضوع. وفي شهر تموز الماضي، بثت المحطة التلفزيونية الرسمية فيلماً وثائقياً مؤلفاً من قسمين تدور فكرته حول تجنب الانهيار، ويتطرق الجزء الأول منه لفكرة التحديات الخاصة، ومع هذا الفيلم أيضاً، نظم مسؤولون على مستوى القاعدة الشعبية جلسات مشاهدة للفيلم مخصصة لأعضاء الحزب.

بقي شي يستخدم مصطلح التحديات الخاصة نفسه، فقد تحول هذا المصطلح إلى موضوع لخطاب سري ألقاه في كانون الأول من عام 2023 أمام اللجنة المركزية للحزب، ونشر جزء منه في شهر آذار من هذا العام، إذ جاء فيه: "مع توسع الحزب، قد يشكل بعض الناس زمراً أو فرقاً صغيرة أو قد ينخرطون في سلوك يقوض وحدة الحزب وقوته القتالية، وذلك لأن اختراق الحصن من الداخل أسهل بكثير، لذا فإن الأشخاص الوحيدين الذين بوسعهم إلحاق الهزيمة بنا هم نحن". ولقد اتفق معظم المحللين على عدم ظهور انقسامات واضحة في الحزب اليوم، إلا أن العودة المحتملة لظهور تلك الانقسامات باتت تقلق الرئيس بشكل واضح الآن.

وفي شهر آب الماضي، تطرق الرئيس شي من جديد للحديث عن التاريخ السوفييتي، وكان ذلك في الذكرى 120 لميلاد دينج شياو بينج الذي أطلق سياسة "الإصلاح والانفتاح" في أواخر سبعينيات القرن الماضي، فأثنى الرئيس على دينج وذلك "لوقوفه بحزم ضد الاضطرابات" التي قامت في الصين عام 1989 "على خلفية تفكك الاتحاد السوفييتي والتغيرات الكبرى التي حصلت في أوروبا الشرقية" واقتبس من دينج قوله: "لا يمكن لأحد أن يسحقنا".

ضمن سلسلة الكتب الهائلة التي قدمتها الصين عن انهيار الاتحاد السوفييتي منذ تسعينيات القرن الماضي، لم يحدث أي تغير في التركيز إلا في عهد شي، فقد استغل مؤيدو دينج مصير الاتحاد السوفييتي للرد على المنظرين في الحزب الذي ارتأوا بأن إصلاحاته الاقتصادية ما هي إلا خيانة للماركسية، وتحجج هؤلاء بأن الدوغمائية نفسها هي من دمر الاقتصاد السوفييتي وغذى النقمة الشعبية وهذا ما سرع بسقوط تلك الدولة. وفي حقيقة الأمر، يمثل هذا الخطاب جوهر رسالة "الجولة الجنوبية" التي قام بها دينج في مطلع عام 1992 ليعيد إطلاق برنامجه الإصلاحي.

ولكن يبدو بأن الرئيس شي يركز بشكل أكبر على خسارة الحزب السوفييتي للانضباط في المجال الأيديولوجي والتنظيمي، ويتضح ذلك في الجهود الهائلة التي بذلها لإعادة بناء الحزب من القاعدة الشعبية، وتعزيز حضوره في الشركات الخاصة وفرض الطاعة التامة لأوامره على كل أعضاء الحزب. إذ بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ابتعد دينج ومن أتوا بعده عن الحديث حول الإصلاح السياسي، على الرغم من أنهم أبدوا تسامحاً مع تجارب محدودة، وذلك مثلما حدث عندما سمحوا للمنظمات غير الحكومية الصغيرة بمساعدة ضحايا الظلم. إلا أن شي سحق المجتمع المدني، ويوضح الأكاديميون الصينيون السبب وراء ذلك وهو أن المنظمات غير الحكومية المدعومة من الغرب لعبت دوراً في دفع الحزب السوفييتي نحو الهاوية.

لا يحب أنصار دعاية الرئيس شي التركيز على مشكلة مشتركة بين جميع الأنظمة الاستبدادية، ألا وهي كيفية ضمان انتقال السلطة بسلاسة عند تنحي الرئيس أو وفاته، إذ في عام 2010، أي قبل عامين على تولي شي السلطة، نشر كتاب في الصين بعنوان: "حقيقة الاتحاد السوفييتي في مئة سؤال وسؤال هامين"، ويشتمل هذا الكتاب على تحليل للصراع الذي ظهر على خلافة الاتحاد السوفييتي. فخلال الحكم الشيوعي في موسكو، "يقال بإن الصراعات الضارية على السلطة الداخلية هي من كان يحدد خيارات القادة، وهذه الخيارات تقررها حفنة من الشيوخ الذين يقفون خلف الكواليس أو تقررها الانقلابات الحزبية".

ولكن يبدو بأن الرئيس شي لم يستخلص أي درس أو عبرة من كل ذلك، فهو لم يبد أقل اهتمام في تجهيز من سيخلفه، وقد غير القواعد غير المكتوبة حتى يسمح لنفسه بأن يحكم البلد بقدر ما يحلو له. ولهذا فإن عملية الانتقال النهائية للسلطة إلى مرحلة الصين ما بعد شي قد تعيد للأذهان ذكريات الاتحاد السوفييتي وتاريخه الذي ساده كثير من الاضطراب والتوتر.

 

المصدر: The Economist