البحث عن الاستقرار في الشرق الأوسط أول مهام الرئيس الأميركي الجديد

2024.11.02 | 06:12 دمشق

الانتخابات الأميركية
+A
حجم الخط
-A

أيام قليلة وتفصح صناديق الاقتراع الأميركية عن اسم الفائز في السباق نحو البيت الأبيض، وهو السباق الذي اتخذ طابعاً جديداً من التشويق والإثارة بعد أن اقتحم "دونالد ترامب" هذا الميدان. وعلى مستوى آخر، أصبح الحدث يحمل مزيداً من القلق والتخوفات، فالمجتمع الأميركي لم يسبق له أن وصل إلى هذا الحد من الانقسام، والمرشحان للرئاسة الأميركية لم يسبق لهما – قبل دخول "ترامب" هذا المعترك – أن كانا على هذه الدرجة من التناقض في التوجهات العامة. وكان من الطبيعي أن يمتد هذا القلق ليشمل العالم الذي اعتاد أن يتابع هذا السباق بمزيد من الاهتمام، فأميركا كانت وما زالت اللاعب الأهم والأكثر تأثيراً في السياسة الدولية.

"كامالا هاريس" الأوفر حظاً

يعتبر القول إن "كامالا هاريس" هي الأوفر حظاً أحد أشكال الثقة بالطبقة الواعية من المجتمع الأميركي، فرغم كل ما قيل في تفسير انتصار "بايدن" في الانتخابات السابقة، إلا أن تقاطر كثير من الناخبين - الذين هم في العادة لا يمارسون هذا الحق - إلى صناديق الاقتراع بهدف إسقاط "ترامب" - بغض النظر عن المنافس - هو ما حسم السباق. لقد حصل "ترامب" على ما يزيد عن 74 مليون صوت وهو رقم قياسي لم يحصل عليه مرشح من قبل، إلا أن عدد المصوتين لبايدن كان أكثر بسبب هؤلاء. إن الخوف لدى شريحة واسعة من الأميركيين على مستقبل الديمقراطية الأميركية سيدفعهم إلى العمل بكل قوتهم من أجل إسقاط ترامب في الانتخابات القادمة. وإذا ما أضفنا إلى ذلك تخوف البيئة الدولية من وصول "ترامب" إلى سدة الرئاسة الأميركية، فإن المنطق يقول إن المرشح الديمقراطي الذي سيواجه ترامب سوف يكون أوفر حظاً.

رغم ذلك؛ هناك بعض الولايات التي تصنف بأنها ذات ثقافة محافظة، وهو ما جعل بعض المراقبين يشككون في إمكانية "هاريس" الفوز في هذه الولايات كونها أنثى وتدافع عن حقوق المرأة في الإجهاض. وحسب الخبراء، فإن معظم هذه الولايات هي من الولايات المتأرجحة التي تلعب الدور الأبرز في ترجيح كفة أحد المتسابقين. لذلك، فرغم أن "ترامب" لا يشبه الرؤساء في شيء وهو الأكثر إثارة للانقسام؛ إلا أن حظوظه في النجاح ما زالت قائمة، وهذا (فوز ترامب) ما تتمناه معظم الدول في منطقة الشرق الأوسط باستثناء إيران ومحورها، على اعتبار أن منهجه هو الأنسب لسياسات هذه الدول وتوجهاتها، أو لنقل لأنه أثبت خلال فترة رئاسته السابقة أنه أكثر حزماً وعدوانية تجاه السياسات الإيرانية التي تؤرق معظم دول المنطقة.

الشرق الأوسط في خطاب المرشحين

لأن الوضع في الشرق الأوسط على شفا انفجار يطيح بتوازناته، وربما بتركيبته، تعتبر حكومات هذه المنطقة من أشد المهتمين بنتائج الانتخابات الأميركية، وكل فريق يعول على مرشح معين، فمحور إيران يعول على فوز هاريس، في حين يعول البقية على فوز ترامب. كل ذلك يحصل بناء على تصورات مسبقة، فكلا المرشحين لم يتطرقا إلى قضايا الشرق الأوسط خلال حملتيهما الانتخابية، بل هما أهملا إلى حد بعيد الخوض في ملفات السياسة الخارجية وركزا اهتمامهما على المسائل الاقتصادية بالدرجة الأولى والقضايا الاجتماعية بالدرجة الثانية. كل ما في الأمر أن معظم المحللين يعتقدون أن فوز "كامالا هاريس" سيكون بمنزلة فوز "أوباما" بولاية رابعة، وهذا ما يعني استمرار السياسة الأميركية الحالية دونما أي تغيير يُذكر.

في المقابل؛ يعتقد الراغبون بفوز "ترامب" أن هذا الرجل سبق له أن وجه ضربة للنظام السوري، وهو الذي أمر بتصفية قاسم سليماني ومارس ضغوطاً قصوى على النظام الإيراني، وهو من خلال أحد تصريحاته القريبة طالب إسرائيل بضرب المفاعلات النووية الإيرانية. وعلاوة على ذلك، فهو أصبح يحمل بعض المشاعر الثأرية تجاه إيران نتيجة لبعض الاتهامات الموجهة لإيران بخصوص أمنه الشخصي، واتهامها بمحاولة اختراق حملته الانتخابية. رغم ذلك، يمكن القول إن التصورات بخصوص كلا المرشحين تعتمد على شذرات من الأدلة، فترامب ذاته هو من أكبر المنتقدين لحروب أمريكا خلف البحار، وهو الذي يعد جمهوره بسحب آخر جندي أميركي من المنطقة. أما بالنسبة لهاريس، فهي إن نجحت ستكون رئيسة الصدفة، وهؤلاء (القادمون بالصدفة) غالباً ما يبحثون عن التميز ويحدثون المفاجآت.

اللعب في الوقت المستقطع

في مجمل الأحوال؛ لن يصبح الفائز بالانتخابات رئيساً فعلياً لأميركا حتى 20 كانون الثاني من العام القادم، وإلى ذلك الوقت يمكن أن نطلق على هذه الفترة من الزمن اسم "الوقت المستقطع"، أو الفترة التي يكون تأثير الإدارة الأميركية في السياسة الدولية في حده الأدنى. بهذا المعنى، من المتوقع أن يتخذ مسار الأحداث الذي صممه "نتنياهو" منحى تصاعدياً لإنجاز القدر الأكبر من الأهداف المرجوة، ويبدو أن هذا ما نصح به نتنياهو في أثناء زيارته لواشنطن من قبل كبار الشخصيات في الحزبين الجمهوري والديمقراطي. أما ما يمكن أن يحصل خلال هذه الفترة فهو ما زال عصياً على التنبؤات الرصينة، خاصة وأن مسار النزاع كان متخماً بالمفاجآت.

أما عما يمكن توقعه من الإدارة الجديدة بعد ذلك، فإذا كان المزاج العام المناهض للحروب المتطاولة قد أجبر الرؤساء الأميركيين على إسقاط هذه الفكرة من حساباتهم، فإن الخبرة المبنية على التجارب قد جعلت هؤلاء يتخلون عن فكرة إسقاط الأنظمة أيضاً. وإذا علمنا أن الفوضى العارمة التي يصعب ضبطها هي من أكثر المسائل التي تؤرق الدول الصناعية، فعلينا أن نتوقع أن يكون الهدف الرئيسي للإدارة القادمة هو جلب الأطراف إلى طاولة التسويات بناء على معطيات الظرف الراهن. وفي هذا السياق يمكن الادعاء أن كلا المرشحين يتمنى أن تكون إيران قد وصلت لمرحلة يمكن معها أن يُفرض عليها ما يشبه اتفاقيات الإذعان، مع فارق وحيد هو أن تكون "هاريس" أكثر رفقاً.

تقضّ الأزمات في العالم مضجع الغرب وتدفعه إلى جهود الوساطة ورعاية الاتفاقيات والتسويات، ويكفي هنا أن نراقب الأزمات السياسية التي خلقتها موجات اللجوء السورية في الدول الأوروبية رغم تواضع أعداد اللاجئين السوريين قياساً للمتوقع من دول أكبر، ويكفي أن نراقب الاضطراب في الأسواق العالمية وتعثر الاقتصاد في العالم وغياب الأمن عن طرق التجارة العالمية نتيجة للحروب والتوترات لكي نعلم لماذا يبحث الغرب عن الاستقرار، ولماذا تصب التوقعات في هذا السياق.