الاستبداد الرقمي في عصر ثورات الربيع العربي.. سوريا أنموذجاً

2023.07.11 | 19:25 دمشق

الاستبداد الرقمي في عصر ثورات الربيع العربي.. سوريا أنموذجاً
+A
حجم الخط
-A

يعتبر الإنترنت من أحدث وسائل الاتصال، فهو جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فأهم ما يمنحه الإنترنت للبشر هو المساحة الواسعة للتعبير وحرية الرأي.

ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح الإنترنت وسيلة للمراقبة والتجسّس والتشويه والتلاعب حتى وصل الحال عند بعض الحكومات في العالم إلى "الاستبداد الرقمي".

يُعرّف الاستبداد الرقمي بأنه "استخدام التكنولوجيا الرقمية لقمع الانتقادات والمعارضة باستخدام المراقبة والتخويف والتلاعب والدعاية السياسية".

يهدف القمع الرقمي إلى حدٍ كبيرٍ لتفكيك الحركات السياسية القائمة والمحتملة أو قمعها من خلال التغيير السلوكي والرقابة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال استهداف المواطنين بالتلاعب والمراقبة والمضايقة، وفي الحالات القصوى إلى القتل والاعتقال والإخفاء القسري.

سابقاً كان التضليل الإعلامي الرقمي يُطرح عن طريق الوسائط المركزية، كالتلفزيون والإذاعة والصحافة المطبوعة.

مع بداية العقد الثاني من الألفية الثانية بدأت وسائل التواصل بالانتشار على نطاق أوسع، فالتقنيات الرقمية باتت أسرع مما كانت عليه في السابق.

حيث تتوجه وسائل الإعلام الرقمية ومنصات الإعلام الاجتماعي، بما يشكله شيوع الهواتف الذكية المتصلة بالإنترنت من إغراء، وأحدث نقلة نوعية في مستوى "الخلل المعلوماتي"، وغدا التضليل الإعلامي لاعباً أساسياً في تغيير انطباعات ومعتقدات البشرية.

الاستبداد الرقمي لدى نظام الأسد

مع بداية انطلاق شرارة الربيع العربي في تونس، وانتقاله إلى الدول الأخرى ووصوله إلى سوريا، استطاع نظام الأسد اللعب على وتر الإعلام، فبدء بتضليل السوريين من خلال نشر الأخبار الكاذبة على وسائل التواصل والتلفزيون.

نجوى: نظام الأسد مارس الاستبداد الرقمي والتضليل الإعلامي من خلال قطع شبكة الإنترنت في حلب مع بداية انتشار المظاهرات في المدينة، لتعطيل وصول مقاطع الفيديوهات، كما نشر معلومات غير حقيقية وكاذبة للتأثير على الرأي العام، أو توجيهه.

مصطفى (اسم مستعار): في بداية الثورة السورية كنت أعمل في مجال مونتاج المظاهرات بشكل سرّي، ونشرها على مواقع التواصل بحسابات مجهولة، وعلى الرغم من ذلك تعرضت لتهديدات بالقتل، فنظام الأسد ينشر جواسيسه في كل الأدوات الرقمية.

يتابع مصطفى: النظام يمتلك كثيراً من أساليب المراقبة القمعية عدا عن الهجمات الإلكترونية، فهناك العديد من الناشطين في الثورة السورية، يلجؤون إلى وسائل التواصل ذات المتابعة الأقل كـ"التلغرام" لنشر محتوى خاص بانتهاكات النظام والجهات الإرهابية الأخرى، بسبب عدم وجود حساسية كبيرة للانتهاكات على الوسيلة.

نحن في زمن الاستبداد الرقمي وقمع الحريات.

أحمد: مع بداية ثورات الربيع العربي كان لوسائل التواصل دور كبير في إطلاع الناس على أبرز الأحداث وأهمها، قام النظام بتحويل الأدوات الرقمية إلى أسلحة تستخدم للسيطرة على الشعب، وللأسف نحن في عالم تغيب فيه العدالة الرقمية واحترام رأي الإنسان.

...................................

قد يصل الأمر في مناطق سيطرة نظام الأسد لتغيير الشخص رأيه بين الساعة والساعة، عندما يكون شخصاً له متابعون في العالم الافتراضي.

أحد الفنانين وفي مقابلة إذاعية تابعة للنظام كان قد تراجع عن رأيه بما يخص العسكر وتدخله بالحريات والدستور والثقافة ليخرج بعد ساعات على ذات الإذاعة وينفي ويبرر، فالنظام مارس الاستبداد والقمع الإلكتروني على كل فئات الشعب وبشتى الأشكال.

قوننة "الاستبداد الرقمي" في سوريا تحت حكم نظام الأسد

تحت عنوان "الجريمة المعلوماتية" وكالة الأنباء (سانا) التابعة لنظام الأسد نشرت على موقعها الإلكتروني في الشهر الرابع من عام 2022، القانون رقم 20 للعام 2022، القاضي بإعادة تنظيم القواعد القانونية الجزائية لما يسمى "الجريمة المعلوماتية" التي تضمنها المرسوم التشريعي رقم 17 للعام 2012 والذي يتألف من 50 مادة تتضمن تشديداً للعقوبات المتعلقة بنشر المحتوى عبر الإنترنت الذي تجده الحكومة معارضاً، وكذلك الحكم بالسجن والغرامة معاً على من ينشر محتوى رقمياً على الشبكة الإلكترونية بقصد "قلب أو تغيير نظام الحكم في الدولة"، أو "النيل من هيبة الدولة والمساس بالوحدة الوطنية".

 سوريا.. الأسوأ في الحريات

مرة أخرى وأداء مخيّب للآمال، تحتل سوريا المركز الأخير عربياً وعالمياً في مؤشر الحرية العالمي لعام ٢٠٢٣، بنقطةٍ واحدةٍ لتكون في مقدمة الدول الفاقدة للحرية.

وكانت سوريا قد احتلت المركز 171 على مؤشر حرية الصحافة لعام 2022، الذي يصدر عن منظمة مراسلون بلا حدود، من أصل ١٨٠ دولة.

كما تذيلت سوريا قائمة الدول العربية في سرعة الإنترنت حيث احتلت المركز ما قبل الأخيرة عربياً، والمركز 129 عالمياً بحسب مؤشر "سبيد تيست" لشهر كانون الثاني 2023، والذي تصدره شركة "أوكلا" لتقييم سرعة الإنترنت حول العالم.

ويشير الإصدار الأخير الصادر عن الشركة العالمية إلى أن الترتيب المعلن يوضح مستوى سرعة التنزيل عبر شبكة الإنترنت الهاتفية، بمعدل 10.45 ميغابايت في الثانية، ما جعلها في المرتبة قبل الأخيرة وتليها اليمن في المرتبة الأخيرة عربياً.

كما حلت سوريا تحت حكم بشار الأسد، في المرتبة 18 عربياً، و162 عالمياً، كـ "نظام حكم استبدادي"، وفق ترتيب المؤشر العام للديمقراطية حول العالم.

لاشك أنّ حياة الإنسان اليوم أصبحت خاضعة لسلطة رقمية تجاوزت كلّ السّلطات التقليدية. كلّ حركاتنا منذ استيقاظنا صباحاً أصبحت مرهونة بالحوسبة السحابية لتأسيس هويتنا الرقمية، التي أضحت ضرورة حياتية لاستمرار وجودنا الاجتماعي.

في سوريا ثمّة كثير من الأشخاص الذي سُجِنوا لأنَّهم عبّروا عن رأيهم حتى عبر الفضاء الافتراضي، فقُتلو وغُيّبوا في سجون الدكتاتور، ليبقى ممارساً استبداده عبر كل الأدوات وحتى الرقمية منها، محاولاً القضاء على الثورة، وكل من يقف ضده فالحاكم وإعلامه الإلكتروني مثال أو صورة حيّة عن الاستبداد.