خلال أكثر من عقد على الحرب في سوريا، ونزوح ملايين السوريين إلى دول الجوار وأوروبا، واجهت كثير من النساء السوريات في بلدان اللجوء بعد أن فقدن معيلهنّ، ظروفاً إنسانية ومعيشية صعبة، لتبدأن بعدها رحلة البحث الشاقة عن عمل يتناسب وقدرتهن الجسدية، فيصطدمن بواقع مرير. لم تتوقع الكثيرات منهنّ أن يصل بهن المطاف إلى هنا.. لتنقلب بهم الحياة، فتبدأن العمل في مهن ربما يكنّ قد كسرن من خلالها العادات والتقاليد التي كنّ يحافظن عليها في بلدهن.
قصة (ردينة – 40 عاماً) من ذوي الاحتياجات الخاصة – شلل أطفال – بالإضافة لأنها مصابة بسرطان الثدي، مليئة بالألم والمعاناة ، قبل أربع سنوات لم يمنعها مرضها وإعاقتها من أن تبحث عن عمل تعين به أمها، تعمل ردينة في أحد المراكز الطبية بأمور التنظيف واستقبال المرضى.
تقول ردينة إن عملها قد لا يكون شاقاً بالنسبة لغيرها إلا أنها تشعر بعناء العمل بسبب وضعها الصحي، تنتظر ردينة حتى الـ 9 مساءً لتعود إلى منزلها كل يوم...
(سعاد المحمد 42 عاماً) تضطر لأن تغيب عن أبنائها الأربعة لمدة 12 ساعةً يومياً للعمل في معمل خياطة (أمبلاج) لتعيل أبناءها بعد أن فقدت معيلها قبل خمس سنوات في حادث سير في تركيا.
وفي سياق حديثه تقول سعاد: (بعت الجوارب والإكسسورات عالبسطة، حتى انتهى بي المطاف بالعمل في عملي الحالي، بالنسبة لي متعب جداً.. أهلي وعائلة زوجي في مناطق النظام، ووضعهم المادي ليس بالجيد، وهذا ما دفعني للعمل).
لاتنكر سعاد أن أهل الخير يساعدونها بعض الأحيان.. لكن هذا لا يكفي على حد تعبيرها.
أما (أسومة المحمد 45 عاماً) المقيمة في مدينة غازي عنتاب التركية فتروي قصة نزوحها إلى تركيا قبل 8 سنوات من مدينة حلب، تقول: (لم أتوقع في يوم من الأيام أن الزمان سيدور ليكون بهذه القسوة، لتنقلب حياتي رأساً على عقب، توفي زوجي بجلطة دماغية بداية الثورة وأنا أم لـستة أطفال).
تعمل أسومة كمساعدة لبعض السيدات السوريات في بيوتهن، لكن ما يؤلمها شعورها باستغلال بعض العائلات حاجتها للعمل، فهي أرملة وتعمل نحو ٦ ساعات يومياً في التنظيف والطبخ مقابل /٢٠٠/ ليرة تركية فقط، مقارِنةً نفسها بغيرها من اللواتي يعملن بنفس المهنة لكن حاجتها للعمل جعلها ضحية لاستغلال البعض، عدا عن سوء المعاملة أحياناً من البعض.
أما (خديجة السعيد – 26 عاماً) فهي تساعد زوجها بعد أن فقد أحد أطرافه من جراء قصف للنظام على بلدته في إحدى قرى ريف إدلب، تقول خديجة: أعمل في مساعدة أكثر من عائلة بأمور بيوتهم، تستدعيني إحداهنّ لغسل السجاد وتطلبني أخرى لمساعدتها في تحضير وليمة عائلية أو لترتيب منزل انتقلت إليه حديثاً، وعندما سألنا خديجة حول الصعوبات التي تواجهها في أثناء عملها.. تجاوب خديجة محاولةً إخفاء دموعها: (لا يمكن أن أصف شعوري عندما تقدم لي إحداهن زوائد الطعام أو بعض الألبسة غير الصالحة للاستخدام، لكني مضطرة أحياناً أن أقبل هذه (الرقع) كي لا أخسر عملي).
قصة السيدة أسماء تختلف عن سابقاتها، فزوجها على قيد الحياة ولكنه تركها تعاني مع أولادها الخمسة وذهب إلى أوروبا عبر قوراب الموت، فلا هي استطاعت اللحاق به ولا هي مستقرة في المدينة التي تقيم فيها.. تقول أسماء: (أعمل عند امرأة كبيرة في السن ومريضة، بيتها قريب من بيتي، ولا يوجد وقت محدد للعناية بها، أضطر أحياناً أن أنام عندها في حال ساء وضعها، فأنا مشتّتة بين بيتي وبيت المسنة).
تضطر النساء السوريات اللاجئات للبحث عن فرص عمل، متنازلةً فيها عن كثير من الامتيازات كالتأمين الصحي والعطل والإجازات، الأمر الذي لا يترك لها المجال للمفاضلة بين أعمال قد تكون هيّنة لها أو شاقّة، ولا يخلو المجتمع من بعض الفئات بين رافض ومحافظ، ليزيد عبء المرأة أضعافاً، وكأن قسوة الحرب والنزوح لا تكفي!!
اختيار العمل أمام النساء السوريات ليس بالسهل ولا يخلو رغم اختلاف أشكاله وأنواعه من الاستغلال وقلة الأجور وسوء المعاملة، بسبب حاجتها لمورد مادي، فهي اضطرت لأن تغيب عن أبنائها لساعات طويلة متحديةً الواقع الذي فُرض عليها دون اختيارٍ منها.
وبالرغم من كل العراقيل التي واجهتها وتواجهها إلى الآن.. استطاعت المرأة السورية أن تثبت للمجتمع أنها قادرة على تحدي الظروف وتكون الأم والأب في الوقت ذاته.