لم يمر مقتل مستشارة رئيس النظام بشار الأسد، لونا الشبل، مرور الكرام على الشارع السوري. فبعد تأكيد وفاتها، بدأ السوريون، وخاصةً في العاصمة دمشق، بربط الأحداث مع بعضها البعض. بدءاً من أنباء تحييد رجل الأعمال المقرب من السيدة الأولى، أسماء الأسد، أبو علي خضر، وعرّاب النفط حسام القاطرجي، وصولاً إلى التسريبات التي تحدثت عن تسميم يسار إبراهيم، خازن بيت مال القصر الجمهوري، ثم إصابة أسماء الأسد بالسرطان وإعلانها الغياب عن الشاشات والساحات خلال فترة العلاج، وأخيراً وليس آخراً، مقتل لونا الشبل.
موت لونا الشبل: بداية لسلسلة تصفيات أم نهاية لعهد؟
ما حصل مع لونا الشبل ليس حادثاً عادياً؛ فالأنباء الرسمية قالت إن سيارتها تعرضت "لعدة صدمات" أدت لانحراف السيارة عن مسارها ثم إصابتها بجروح خطرة نقلت على إثرها إلى المشفى. رغم حساسية الشخصية المتوفية، إلا أنه لم يتم الإعلان عن أي تحقيقات حول الحادثة أو أي أنباء عن السيارة التي صدمتها أو حال سائق سيارة الشبل أو مرافقتها. الرواية الرسمية تشير إلى أن الحدث كان مدبراً، ولكن لم تتم متابعته.
ولأن الإشارات تؤكد أن الحدث الأخير عبارة عن "اغتيال"، فإن الشارع في دمشق لم يتوقف عن ربط الأحداث. فكل تلك التصفيات السابقة والتحييدات عن المشهد العام لشخصيات بارزة تعتبر من الصقور في النظام، يربطها البعض بالتقارب الخليجي السوري وبعده الحديث عن تقارب مشابه مع تركيا. الشائعات حالياً تدور حول عدة سيناريوهات.
السيناريو الخليجي: اشتراطات لبقاء الأسد وتغييرات جذرية في النظام
السناريو الأول يقول إن الأسد تعهد أمام الإمارات ودول عربية أخرى بتصفية المقربين وأمراء الحرب من أصحاب النفوذ الاقتصادي والقيادات الأمنية المهمة، على شاكلة تحييد علي مملوك، وتعديل نمط "الجيش السوري" وتحديد صلاحيات أفرع الأمن بناءً على طلبهم لفتح المجال الاستثماري على مصراعيه للمستثمرين الخليجيين. كل ذلك مقابل بقاء الأسد بالسلطة مع تحديد صلاحياته والقبول بالحل العربي والقرار 2254.
السيناريو الثاني، بحسب الشائعات المنتشرة بين سكان العاصمة، يقول إن الأسد بات في أيامه الأخيرة، وأنه مخترق ومكشوف ضمن دائرته المقربة في ملفات حساسة، ويتعرض لاتهامات وتهديدات إيرانية لتورطه ببعض الاختراقات ضدها. لذلك بدأ بتصفية كل بيوت أسراره "صناديقه السوداء"، سعياً لإعادة هيكلة محيطه المقرب وفقاً لقواعد جديدة. هذه الشائعة تشير إلى أن أقرب حلفاء الأسد، وهم الإيرانيون، باتوا مستائين جداً منه ويسعون إلى تصفيته، خاصةً بعد تقربه من دول الخليج.
السيناريو الثاني يفيد أيضاً بأن الأسد يعمل على انتزاع بقائه عبر استمداد الشرعية من دول الخليج العربية وباقي الدول التي وضعت شروطاً لبقائه في السلطة، بدلاً من الاعتماد على إيران التي لم تحقق له شيئاً يذكر على صعيد حل الملفات الاقتصادية والعسكرية الداخلية، بل وباتت عقبة في وجه أي حل للقضية السورية.
رؤية الموالين: حركة تصحيحية أم حملة قمع جديدة؟
الشائعة الثالثة، وهي المنتشرة بين مؤيدي النظام السوري، ترى أن الأسد يقوم بحركة تصحيحية غير مسبوقة مستخدماً الحديد والنار، سعياً منه لتحسين الوضع المعيشي داخل البلد وتوفير بيئة استثمارية جيدة، وذلك نزولاً عند شروط الدول العربية عبر تنظيف البيت الداخلي السوري وقمع الفساد. هذا ما قد يبرر اتهام الشبل بمحاولة تهريب أموال مجهولة المصدر وشراء عقارات في روسيا لإقناع البعض بأنها فاسدة وتستحق الاغتيال.
يرى المقتنعون بالسيناريو الثالث أنه تزامن مع تنظيف البيت الداخلي مع مغازلات تركية للأسد وإعادة العديد من العلاقات العربية، وقبلها سحب مشروع قانون أميركي يجرم التطبيع مع الأسد، يشير إلى بدء مرحلة جديدة مبنية على ميول النظام نحو موقف متوازن من العرب وإيران وروسيا ومحيط سوريا.
يؤمن هؤلاء بأن الأمور الاقتصادية في سوريا ستتحسن في القريب العاجل نتيجة الاستثمارات الخليجية التي ستنهار على البلد، والدعم المالي الذي ستقدمه دول الخليج لخزينة سوريا، وفتح التجارة مع تركيا، ما سيؤدي إلى ارتفاع في قيمة الليرة وانخفاض في الأسعار، على حد اعتقادهم.
كل الشارع في دمشق تقريباً بات متأكداً بأن حملة الاغتيالات لن تتوقف عند لونا الشبل، وأن قطار التصفية مستمر حتى تحييد أغلب الرجالات القديمة والتقليدية في سوريا، أو كما يرى المؤيدون، بأنهم فاسدون بدأ النظام بمعاقبتهم.
حتى اليوم، لا توجد أي أمور ملموسة يمكن أن تؤكد ما يجري في الخفاء مع النظام، لكن كل السيناريوهات التي تتحدث عنها الشائعات الشعبوية تشير، بل تؤكد، إلى أن النظام يمر بمرحلة تحول واضحة وقد اتخذ مساراً جديداً بالتأكيد، لكن ليس من المعروف سبب بدء ذلك بعد 13 سنة من التعنت والقمع، وما الذي يجبر الأسد على التحول بهذا الشكل، وما المكاسب التي سيجنيها من ذلك باستثناء ضمان بقائه دون صلاحيات؟