ترغب عمّان في المضي قدماً في خطتها الساعية لتمرير الكهرباء التي ينتجها الأردن إلى لبنان وذلك للتخفيف من ساعات انقطاع الكهرباء المرهقة هناك، على الرغم من الانتقادات التي أطلقها نواب أميركيون من الحزب الجمهوري لهذا المخطط، حيث زعموا بأن تلك الاتفاقية تحمل معها منافع لبشار الأسد، بما أن الكهرباء ستمرّ عبر سوريا.
ستساعد الكهرباء الأردنية لبنان بشكل كبير، وفقاً لما ذكره صالح خرابشة وزير الطاقة الأردني، وذلك لأن لبنان يعاني من نقص الوقود والكهرباء لدرجة شلّت الاقتصاد والخدمات الأساسية، ومن ضمنها خدمات المشافي، ولهذا يعلّق الوزير على تلك الاتفاقية بقوله: "إننا ننتظر البنك الدولي لاستكمال عمليات التمويل مع لبنان، وبمجرد حصولنا على تصريح نهائي من الجانب الأميركي، سنكون على استعداد لبدء تحويل الكهرباء".
الولايات المتحدة التي استهدفت بعقوبات قيصر كل من يحاول المساهمة في الأنشطة الاقتصادية التي يمكن أن تدعم نظام الأسد، سبق أن تفاوضت على اتفاقية أخرى خلال العام الماضي من شأنها أن تنقل الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر خط الغاز العربي، الذي يمر عبر سوريا والأردن، والهدف من تلك الخطة هو توفير بديل عما يبذله حزب الله من مجهود لاستجرار الوقود الإيراني إلى لبنان.
ولكن خلال الأشهر الماضية تعرضت كلتا الخطتين إلى عقبات ومعوقات كثيرة، حيث انتقد نواب بارزون في الحزب الجمهوري من مجلس النواب الأميركي وكذلك من لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ هذين المقترحين، لأنهما "سيسهمان في إغناء نظام الأسد بلا ريب".
في كانون الثاني الماضي، وقع مسؤولون لبنانيون وأردنيون وسوريون على اتفاقية يتعيّن بموجبها على الأردن أن يزوّد لبنان بـ 150 ميغاواط من الكهرباء ابتداء من منتصف الليل وحتى الساعة السادسة صباحاً، إلى جانب تزويده بـ 250 ميغاواط خلال بقية ساعات النهار، في الوقت الذي ستحصل فيه سوريا على 8% من الطاقة التي سيتم تحويلها على شكل دفعات "عينية".
ومن أجل السماح بنقل موارد الطاقة عبر سوريا، صدّقت الولايات المتحدة على عدم تضرر الأردن أو مصر بعقوبات قيصر، أي تلك العقوبات التي تحمل اسم المنشق الذي حمل معه صوراً تعدّ أدلة على قيام نظام الأسد بتعذيب المدنيين بطريقة وحشية فاطّلع عليها العالم بأسره.
في رسالة موجّهة إلى وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكين، في الأول من شباط، عبّر كلّ من جيم ريتش وهو عضو بارز في لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ، والنائب مايكل ماكول وهو أيضاً نائب بارز في تلك اللجنة عن: "قلقهما الشديد" إزاء تلك الاتفاقية التي يمكن أن تشكّل "أساساً للالتفاف على عقوبات قيصر مستقبلاً"، الأمر الذي لا بد أن يسعّر "حرب الأسد الوحشية" في نهاية المطاف.
وخلال الشهر الماضي، أشارَ مبعوث الطاقة الأميركي عاموس هوخستاين إلى أن المفاوضات الخاصة بعمليات التمويل التي تجري مع البنك الدولي يمكن أن تنتهيَ في "غضون أسابيع"، أمّا وزير البترول والموارد المعدنية المصري، طارق الملا، فقد ضرب موعداً لتصدير الغاز إلى لبنان، وحدده بمنتصف شهر آذار على أبعد تقدير.
بما أن هذه المنطقة عانت من التبعات الاقتصادية التي ترتبت على تفشي جائحة فيروس كورونا، فضلاً عن استمرار حالة النزاع فيها؛ لذا أصبح التعاون بين الدول العربية: "من مصلحة الجميع" بحسب ما ذكره الوزير خرابشة خلال حفل توقيع اتفاقية الكهرباء في شهر كانون الثاني الماضي.
وقد كرر تلك التصريحات جواد العناني وهو النائب السابق لرئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردني، وذلك عندما ذكر بأن موافقة واشنطن على هذه الاتفاقية ضرورية للغاية، إذ قال: "بوسعنا أن نتفق مع الولايات المتحدة على بعض الانتهاكات لحقوق الإنسان في سوريا، ولكن ماذا بوسعنا أن نفعل غير ذلك؟ لقد استعرَتْ تلك الحرب في سوريا طوالَ السنوات العشرة الماضية، وأكثر دولة عانت من ذلك هي الأردن".
وذكر المحلل السياسي الأردني عامر السبايلة أن الأردن "يحتاج لتنويع مصادر دخله إلى جانب الاستثمار في موقعه الجغرافي" في إشارة إلى الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لسوريا بالنسبة للأردن وذلك قبل الحرب.
إلا أن المملكة الأردنية ذات الموارد المحدودة ما تزال ملزمة بما يطلبه المانحون منها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية.
وهذا يعني أن تلك الصفقة لن تمضي قدماً دون "مباركة أميركية وأوروبية"، حسبما ذكر السبايلة، وأضاف: "إنها بحاجة لمظلة سياسية حتى تستمر، إلا أنها ما تزال تفتقر إلى كثير من العناصر السياسية".
إيران وروسيا
أتت التصريحات الأميركية الداعمة لاتفاقية الطاقة بعد مرور أسابيع على إعلان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عن إرسال إيران لشحنات من الوقود إلى لبنان، إذ ذكر نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي إيثان غولدريتش خلال الشهر الماضي بأن الوضع في لبنان أصبح مثيراً "للقلق"، وأضاف أن: "التدهور المتواصل" للاقتصاد اللبناني يمكن أن يحوّل هذه الدولة إلى دولة فاشلة، إذ قال: "لا يمكننا أن ندع ذلك يحدث" وأشار إلى أن نقل الغاز والكهرباء عبر سوريا "يستحق المجازفة".
أما الدفعات "العينية" التي ستحصل عليها سوريا بموجب هذه الاتفاقية فتعادل نحو 22.5 ميغاواط يومياً، أي ما يكفي لإنارة 22.500 بيت تقريباً، وفقاً لما ذكره المحلل الاقتصادي والمختص بشؤون الطاقة الأردني، عامر الشوبكي.
في حين ذكر المحلل الاقتصادي السياسي السوري كرم الشعار بأن المنافع الذي سيجنيها قطاع الكهرباء السوري من هذه الاتفاقية "ملموسة جداً" وسوف تسهم بسد نحو 5% من احتياجات الكهرباء في المناطق التي يسيطر عليها النظام، وأضاف: "تحمل تلك المنافع رسائل سياسية مفادها أن نظام الأسد سيصبح قادراً على أن يقول لجميع دول الجوار والمستثمرين الأجانب بأن التطبيع قادم".
ولكن مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، لم يعد بإمكان دعوات الأسد من أجل الاستقرار والتطبيع أن تتجاوز رقابة واشنطن المشددة بسهولة.
فقد وقعت روسيا على العديد من مذكرات التفاهم والعقود الملزمة مع سوريا والتي تتصل باستثمارات في قطاع الغاز حسبما ذكر المحلل الشعار، وتمثل تلك العقود الأسلوب الذي تنتهجه روسيا "لتضع يدها على تلك الاستثمارات على أمل أن تصبح قادرة على الاستثمار في ذلك المجال في حال قيام أي تسوية سياسية".
إذ هنالك مثلاً شركة سترويترانس غاز الروسية وهي عبارة عن شركة تعهدات تعمل في الجزء السوري من خط الغاز العربي والذي تمت عمليات إعادة تأهيله لنقل الغاز المصري بموجب هذه الاتفاقية.
ومع استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية، من المرجح أن تبدي الولايات المتحدة تردداً أكبر حيال دعم تلك الاتفاقية، وذلك بسبب احتمال قيام صفقات تصبّ في صالح الغاز الروسي، مثلما يمكن أن يحدث مع شركة سترويترانس غاز في سوريا. كما قد تمنع الدول الغربية دول الجوار من تطبيع العلاقات مع نظام الأسد بحسب رأي الشعار.
أما الوزير العناني فيقول: "مهما بلغ نفوذ الولايات المتحدة وثقلها، فإنه من المرجح لها أن تستعين بذلك النفوذ لتضييق الخناق على روسيا حتى تخرج من سوريا، إلا أنه لم يتضح حتى اليوم كيف يمكن لهذا السيناريو أن يحدث، إذ يضيف هذا الوزير: "ما على الأردن سوى الطاعة والالتزام"
خطوة نحو صداقة سورية - أردنية؟
عندما طرحت اتفاقية الطاقة في بداية الأمر، بدت علاقة الملك عبد الله مع نظام الأسد "في طريقها" نحو التطبيع بحسب ما ذكره المحلل السياسي عامر السبايلة.
فقد فتح الملك الأردني المعبر الحدودي الرئيسي بين سوريا والأردن بشكل كامل في أواخر أيلول الماضي، وبعد أيام على ذلك استقبل أول مكالمة هاتفية من بشار الأسد بعد مرور أكثر من عشر سنوات.
ولمواجهة نسبة البطالة التي بلغت مستويات غير مسبوقة، أصبحت جهود الملك عبد الله لتخفيف التوتر مع جارة الأردن بالغة الأهمية وذلك لإحياء الاقتصاد الأردني المختنق وإنعاشه.
إذ قبل الحرب، كانت سوريا ممراً مهماً يربط الأردن بالسوق اللبنانية وكذلك بتركيا وأوروبا الشرقية، إذ ذكر الوزير العناني ما يلي: "لدينا مصالح عميقة ومهمة في علاقتنا بسوريا، وفي استخدام الأراضي السورية للوصول إلى وجهات أخرى. ولذلك فإن هذه الاتفاقية ستطبع علاقاتنا، وستساعد لبنان والأردن".
إلا أن سرعة التطبيع الأردني مع سوريا بدأت تتباطأ بحسب رأي المحلل السبايلة، وذلك بعدما زادت التهديدات القادمة من الحدود السورية والتي تستهدف الأمن القومي في الأردن.
فقد أعلنت القوات المسلحة الأردنية عن زيادة "هائلة" في عمليات تهريب المخدرات، والتي نجم عنها مواجهات تسببت بمقتل ضابط أردني وإصابة العديد من الجنود، ويعلق السبايلة على ذلك بقوله: "كنت أتوقع تحالفاً سياسياً أكبر من قبل سوريا، أو على الأقل احتراماً لسيادة الأردن".
وأشار إلى أن التصعيد الروسي يعدّ عقبة إضافية في طريق جهود التطبيع مع سوريا التي تبذلها المملكة الأردنية، والتي اضطرت للتراجع عمّا بدأ كخطوات إيجابية خلال الخريف الماضي.
التطبيع عبر الغاز
تقريباً كل كميات الكهرباء التي من المزمع أن يرسلها الأردن إلى لبنان يتم إنتاجها عبر الاستعانة بالغاز الإسرائيلي، بحسب ما ذكره العديد من الخبراء في مجال الطاقة، إلا أن دور الموارد الإسرائيلية في اتفاقية الطاقة تلك لم يقابل باعتراضات أو نقاشات كبيرة.
إذ ذكرت رند عواد، وهي مهندسة أردنية متخصصة بالطاقة المتجددة بأن الغاز الطبيعي يمثل نسبة 80% من الطاقة المستخدمة في توليد الطاقة في تلك البلاد، وذلك وفقاً لما ورد في تقرير سنوي صادر عن وزارة الطاقة الأردنية.
وبناء عليه، فإن الاستهلاك اليومي للغاز الطبيعي في الأردن يعادل 337 قدما مكعبة (أي قرابة 9.5 أمتارا مكعبة)، لذا فإن اتفاقية الأردن مع إسرائيل تشمل 45 مليار متر مكعب على مدار السنوات الخمس عشرة القادمة، "أي أن 100% تقريباً من الغاز الطبيعي المستورد من إسرائيل سيُتسخدم في توليد الطاقة".
أما رائد الأعرج، وهو المدير التنفيذي لشركة همام لخدمات الطاقة والمياه، ويتمتع هذا الرجل بخبرة تعادل 30 سنة في مجال قطاع الطاقة الأردني، فقد قال: "حالياً، كل الغاز الطبيعي في الأردن قادم من إسرائيل"، وأشارَ إلى أن الناتج المحلي من الغاز الطبيعي في الأردن يسد فقط 7-8% من مجمل الاستهلاك.
على الرغم من أن كمية الغاز الإسرائيلي تلعب دوراً في اتفاقية الطاقة، فإن السبايلة يقول: "لم نسمع أي اعتراضات واسعة على ذلك من قبل لبنان أو سوريا... وإذا أصبح ذلك معروفاً، ومع ذلك واصلَ كلٌّ من اللبنانيين والسوريين المضيّ قدماً في هذه الاتفاقية، عندها سنشهد بكل تأكيد تغيّراً في هذا النوع من حالة التطبيع مع إسرائيل التي لن تكون محرّمة عندئذ، وهذا ما أسمّيه تطبيع العلاقات من خلال الغاز".
المنافع الاقتصادية والتكاليف السياسية
بالرغم من أن اتفاقية الطاقة يمكن أن تخدم مصالح العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية، فإنها لا تستطيع أن تنأى بنفسها عن الخيوط السياسية للقوى العالمية التي تتمتع باستثمارات كبيرة في هذه المنطقة.
فقد أشار الأعرج إلى أن شبكة الكهرباء الأردنية بوسعها أن تتكفل بنقل ما يصل إلى 500 ميغاواط عبر الشبكة السورية بشكل يومي، أي ضعف الكمية المحددة في الاتفاقية، غير أن عقوبات قيصر تحدّ من الكمية التي بوسع الأردن أن تتعاون مع سوريا من خلالها في قطاعي الطاقة والبنية التحتية بحسب ما ذكره الأعرج، الذي أشار إلى الخسائر المحتملة في هذين "القطاعين الأساسيين"، لكنه أضاف: "إن استثناء الأردن من قانون قيصر يمكن أن يدعم الاقتصاد الأردني".
أما عوّاد فتقول: "إن الاتفاقية عظيمة بالنسبة لكل الأطراف، لأنها ستدعم العلاقات السياسية وستسهم في ازدهار الدول جميعها، أي أنها قائمة على الربح بالنسبة للجميع".
وقد وصف وزير الطاقة الأردني الاتفاقية بأنها: "ليست بجديدة"، مشيراً إلى تاريخ المملكة الطويل في مجال تبادل الكهرباء مع سوريا قبل الأزمات التي ألمّت بها.
بيد أن الحرب السورية أغلقت أهم الأبواب أمام التبادل الاقتصادي لدى المملكة الأردنية، وقطعت شبكة التجارة التي كانت مزدهرة، وأجبرت الملايين على النزوح من البلاد، حيث لجأ الآلاف منهم إلى الأردن، ولكن بعد مرور عشر سنوات على ذلك، ما تزال الأزمة السورية قائمة، من دون أي حل سياسي يلوح في المستقبل المنظور.
ولهذا يقول الوزير العناني: "ما يزال الأردن يدفع، والمجتمع الدولي لا يعوّض الأردن عن كل الخسائر التي تكبدها".
وفيما يتصل بالأزمة السورية، يخبرنا المحلل السبايلة بأن: "المجتمع الدولي لا يحرك ساكناً.. إذ لم يقدم أيّ أحد أيَّ حل.. ولكن هل سيدفع ذلك الأردن إلى التفكير بحلول فردية؟ بالتأكيد لا، وذلك لأن الأردن لن يخطو أي خطوة من دون التشاور مع الدول الحليفة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية".
المصدر: ميدل إيست آي