تعود الخلافات الداخلية في "حركة أحرار الشام" العاملة شمالي سوريا، إلى الواجهة، ومن أبرز نتائجها حتى الآن، إعلان الحركة عبر معرفاتها الرسمية "التبرؤ" من 6 قادة كانوا سابقاً ضمن الحركة، ثلاثة منهم تولوا قيادتها خلال السنوات الماضية، وبعضهم من مؤسسيها.
وقالت الحركة إن كلاً من جابر علي باشا، وعلي العمر (أبو عمار)، ومهند المصري (أبو يحيى)، ومحمد ربيع الصفدي (أبو موسى كناكري)، وأبو حيدرة الرقة، وخالد أبو أنس (أبو أنس سراقب)، ليس لهم أي توصيف وظيفي في الحركة ولا تربطهم أيُّ صلةٍ تنظيمية بها، كما أن مواقفهم تعبر عن آرائهم الشخصية ولا تعبر عن الموقف الرسمي للحركة، في حين أنها لم توضح سبب نشر البيان في هذا التوقيت.
وقبل نشر البيان بدقائق، غرد القائد السابق بالحركة "علي العمر" على تويتر، بالقول: "كنت قد صغت بياناً أُعلن فيه تركي حركة أحرار الشام -بشكلها الحالي- بعد أن ارتضت (قيادتها الانقلابية الحالية) أن تكون أداة بيد البغاة، وبعد أن قفزت على كل الأسس التي بُنيت عليها الحركة، وخالفت الشرع جهاراً في أكثر من موطن، وسأنشر البيان في القريب العاجل إن شاء الله تعالى".
توقيت البيان
جاء الإجراء من قبل "أحرار الشام"، بقيادة "عامر الشيخ"، ونائبه "أحمد الدالاتي"، ومحركهما "حسن صوفان" المقرب من "الجولاني"، في وقت أصبحت علاقة الحركة بـ"هيئة تحرير الشام" واضحة، عقب تشارك الفصيلين بالهجوم على "الفيلق الثالث" التابع للجيش الوطني شمالي حلب.
وتسلم هؤلاء الأشخاص قيادة "أحرار الشام"، بعد الانقلاب على قائدها السابق "جابر علي باشا"، وتفكيك مجلس الشورى، وفي وقت سابق كشف موقع تلفزيون سوريا عن تفاصيل هذه المرحلة بشكل كامل، عبر تقرير جاء فيه، أن اندماجاً محتملاً شبه كامل منتصف 2020 بين الجبهة الشامية (الفيلق الثالث حالياً) وحركة أحرار الشام بقيادة جابر علي باشا حينذاك، كان الشرارة التي استفزت هيئة تحرير الشام خشية أن يتشكل في المنطقة كيان فصائلي منافس لمشروع أبو محمد الجولاني، لكون الفصيلين الذين كانا مقبلين على الاندماج هما الأكثر قدماً وخبرة وانتشاراً وعدة وعدداً في الجيش الوطني والجبهة الوطنية للتحرير، وهو ما دفع لتسريع عملية الانقلاب بتوجيه تام من جانب "حسن صوفان".
وأما الجديد على مستوى الأحداث الداخلية، في الحركة، فيتمثل بما كشفه موقع "تلفزيون سوريا" في 9 تشرين الأول الماضي، بأن كتلة "لواء الإيمان" علّقت عملها داخل حركة أحرار الشام، وذلك على خلفية عدة خلافات مع قيادتها الحالية المتمثلة بقائدها العام عامر الشيخ.
وتمثّل كتلة لواء الإيمان ربع حجم أحرار الشام ومن ضمنها ثلث قوات النخبة العناصر الأهم داخل الحركة، ويبلغ عدد اللواء 500 مقاتل من ضمنهم 250 مقاتل نخبة إضافة إلى قوات مشاة وكوادر عسكرية وإدارية، في حين عزا مصدر مطلع سبب تعليق العمل إلى الخطوات الأخيرة التي قامت بها قيادة الحركة بتطبيع العلاقات بشكل كبير مع هيئة تحرير الشام، مع وجود معلومات غير مؤكدة عن نية قيادة الحركة الانضمام بشكل رسمي إلى الهيئة، خاصة بعد أن أصبحت الهيئة تقدم الدعم المالي بشكل كامل للحركة من مصاريف وقسائم وقود ورواتب مقاتلين.
وبعد ذلك بيومين، اتسعت رقعة الخلافات داخل الحركة، حيث أعلنت كتلة معرة النعمان ولواء الخطاب الذي يضم مقاتلين من منطقة الغاب بريف حماة الغربي مع جماعات من ريف دمشق وكتائب الزبداني تعليق عملهم ضمن الفصيل أسوة بلواء الإيمان.
اتهامات بالترتيب لـ "مخطط دنيء"
بالتزامن مع نشر "أحرار الشام" للبيان، يوم أمس الثلاثاء، حول القادة الستة السابقين في الحركة، نشر قائد الفصيل "عامر الشيخ" توضيحاً داخلياً، حصل موقع تلفزيون سوريا على نسخة منه، وقال فيه إن الحركة وقعت في "فترات ماضية ضحيةَ اجتهاداتٍ خاطئةٍ في قراراتٍ اتخذتها قياداتها السابقة أدت لإدخالها في صراعات أسفرت عن تقلص نفوذ الحركة وتأثيرها وفعاليتها، ودفَعَ جُنودُها ثمن ذلك في كلِّ مرة".
وأضاف "الشيخ" أنه "منذ قرابة سنتين وبعد خلافٍ داخلي مرير آلت القيادة إليَّ، أخذت على نفسي أن أسدد وأقارب وأجمع الناس على كلمة سواء وأقدم صاحب الخبرة والأهلية وأجنب الحركة الصراعات الخاسرة التي زُجّت فيها قديماً وأختار لها أفضل مسار يحقق أهدافها في دفع الصائل وحماية المحرر وتوحيد الكلمة وكنت أشاور بشكل رسمي أو غير رسمي كل من أثق بدينه ورأيه وخبرته".
ورأى قائد الحركة أن "حملات التشويهِ والتحريض إعلامياً وداخلياً وحتى خارجياً لم تتوقف، والتي كان يتولى كِبْرَها قياداتٌ سابقة آثرنا أن نتَّبِع معها سياسة الاحتواء والإكرام وحفظ المودة حرصاً على وأد الخلاف وطيِّ النزاع، لكنهم لم يتوقفوا عن محاولاتهم زعزعةَ الحركة والتشويش عليها ودفعها نحو تكرار تجارب فاشلة طالما دفع جنود الحركة ثمنها"، بحسب وصفه.
وتابع: "لم يستسغ هؤلاء الإخوة -غفر الله لهم- أن يروا دفَّة قيادة الحركة ثابتة نحو أهدافها المحددة مستقرةً مطمئنة لما يُهيَّأ لها من سياقاتٍ وفسحات من شأنها انتعاشُ الحركة عسكرياً وتمددها جغرافياً بما يصبُّ في صالح الثورة وجمع كلمتها، فرتبوا مراراً منذ استلامي القيادة مع جهات عديدة لشقِّ صفّ الجماعة وخروج مجاميعَ منها إلى الجبهة الشامية".
واتهم "الشيخ"، هؤلاء القادة بالترتيب لـ"مخطط دنيء"، إذ قال: "وكان آخر ما فعلوه منذ فترةٍ قريبة حيث دفعوا ببعض الشخصيات والمجموعات أن تعلق عملها ضمن الحركة ووعدوهم غروراً ببعض الوعود الواهمة ورتبوا لذلك مخططاً دنيئاً لن أسهب في ذكره، ولأن الله قدر حصول أحداثٍ أعظم فقد حيل بينهم وبين ما يشتهون وباؤوا بالخيبة والفشل"، (في إشارة ربما لهجوم هيئة تحرير الشام على الفيلق الثالث بريف حلب).
ووفق وصف "الشيخ"، فإن "الإرادات السيئة والقراءات الخاطئة والمراهنات الخاسرة كانت دوماً سبباً في خسارة الحركة وجنودِها وتراجع دورها وانحسار قوتها مرةً بعد مرة"، مضيفاً أن الحركة "باتت اليوم أكثر وعياً ويقظةً من أن تُدفع من أي جهةٍ داخلية أو خارجية نحو دوامةِ صراعاتِ الاستنزاف الخاسرة، ولم يعد التحريض العاطفيُّ المُبتذَل مؤثراً على قراراتها".
ولفت إلى أن "قيادة الحركة ماضية بإذن الله فيما تراه يحقق المصالح العامة لأهل السنة ولثورتنا المباركة ويحقق أهدافها ويحمي الأرض ويحفظ العرض"، كما قال: "سوف تُتَّخذُ كافة الإجراءات اللازمة التي من شأنها الحفاظ على تماسك الحركة ووحدة صفها".
وأوضح مصدر من الكتل التي علقت عملها لموقع تلفزيون سوريا بأن صوفان وعامر الشيخ اتهما الكتل التي علقت عملها بأنها كانت تخطط لعمل عسكري يقضي بسيطرتهم على كامل مقار الحركة في منطقة غصن الزيتون. ونفى المصدر صحة هذه الاتهامات وشدد على أن السبب الوحيد لتعليق العمل في الحركة هو بسبب تقارب قيادتها الكبير مع هيئة تحرير الشام الذي يدل على أن نهايته هو الاندماج في صفوفها، وهو ما يرفضه معظم أبناء الحركة، بحسب وصفه.
"محض كذب وافتراء".. "علي العمر" يرد ويوضح عدة نقاط
أكد المهندس "علي العمر"، الذي تولى قيادة "أحرار الشام" بين عامي 2016 و2017، إضافة إلى كونه عضواً في مجلس الشورى، أنه قد صاغ بياناً يعلن فيه تركه حركة أحرار الشام -بشكلها الحالي- بعد أن ارتضت (قيادتها الانقلابية الحالية) أن تكون أداة بيد البغاة، وبعد أن قفزت على كل الأسس التي بُنيت عليها الحركة، وخالفت الشرع جهاراً في أكثر من موطن.
وتواصل موقع "تلفزيون سوريا" مع "العمر" للاستفسار عن حقيقة الاتهامات الموجهة إليه رفقة القادة الخمسة الآخرين، بالتخطيط لـ "شق الصف"، وإقناع بعض الكتل العسكرية بالخروج من الحركة نحو الفيلق الثالث في الجيش الوطني، وهو ما نفاه العمر، وأكد أن ذلك "محض كذب وافتراء".
وقال العمر إنه في الشهر العاشر من عام 2020 حصل انقلاب قاده -حسن صوفان- على قيادة الحركة الشرعية، وكانت أهم دوافعه إخضاع حركة أحرار الشام وتحويلها إلى أداة بيد هيئة تحرير الشام، ولم يكن يملك هذا الانقلاب أدنى العوامل الذاتية للنجاح، مما دفع هيئة تحرير الشام للتدخل بشكل صريح، للسيطرة على بعض مقار الحركة في مواضع نفوذها (إدلب) وتسليمها للانقلابيين -شكلياً- كون الانقلابيين لا يملكون عناصر كافية للوجود فيها.
وبعد أن وضِعت قيادة الحركة ممثلة بـ "جابر علي باشا" أمام عدة خيارات، يقول العمر: "تم التوافق على شخص لم يكن يظهر لنا أنه مع الانقلابيين، ويعمل على رأب صدع الحركة مع الحفاظ على ثوابتها الملازمة لها منذ التأسيس (عامر الشيخ)، وبعد فترة وجيزة من تسلمه عمد إلى تشكيل مجلس عسكري للحركة غالبيته الساحقة من الانقلابيين متذرعاً بالضغوطات التي تمارس عليه من قبل بعض الجهات النافذة في المشهد، ثم قام بتعيين مجلس قيادة للحركة بالطريقة السابقة نفسها من دون مراعاة للغالبية الساحقة من أبناء الحركة الذين اصطفوا مع شرعية الحركة وقت الانقلاب".
وأشار "العمر" إلى أن "عامر الشيخ" سلّم قرار الحركة بشكل كامل إلى هيئة تحرير الشام، فكانت المتحكم بقرارها عن طريق "صوفان"، وقد ظهر ما كان خفياً منه للعلن، خاصة بعد استخدام رايات الحركة في دخول الهيئة إلى ريف حلب الشمالي.
وأضاف: "رغم ذلك لم ندع إلى شق صف الحركة واكتفينا بالنصح فقط والتحذير من مآلات هذه التصرفات، وكنا نرى بوضوح أن هذا المسار يصب في خانة تحقيق أهداف الانقلاب من تبعية الحركة للهيئة وانقلاب على ثوابتها منذ لحظة التأسيس إلى يومنا هذا".
وعن الأحداث الأخيرة بريف حلب التي أعقبت اغتيال الناشط محمد أبو غنوم وزوجته، ذكر "العمر" أن "قيادة الحركة " قامت بدور "قبيح آخر في تغطية وجود الهيئة في الشمال إلى يومنا هذا عبر مسرحية تسلم المواقع من الهيئة، وعبر إعطاء مهمات رسمية لأمنيي الهيئة للتحرك باسم الحركة في الشمال".
وتابع العمر: "نتيجة هذه التصرفات، انفض عن قيادة الحركة الحالية الكثير من أبنائها الذين تربوا على خلاف هذا، فخرجت مبكراً كتل أساسية منها كتلة حمص وهي قوة أساسية في قوات النخبة في الحركة وكتلة واسعة من إدلب، ثم علق في الآونة الأخيرة العمل مع الحركة كُتل أساسية أخرى مثل كتلة حماة وكتلة الشام وكتلة كبيرة من الغاب وإدلب، وبهذا لم يبق مع قيادة الحركة الحالية أي كتل أساسية، علماً أن هناك من بقي فيها بحكم الاضطرار".
وبشأن اتهامهم من قبل القيادة الحالية للحركة، بتحريض بعض الكتل على الانشقاق، أفاد العمر بأنه "لم ندعُ لأسباب موضوعية كثيرة يطول سردها إلى تعليق الكتل أو خروجها، ولا خططنا لذلك رغم قناعتنا بصواب خطوتهم، وما هذا الافتراء المتكرر من قبل "قيادة الحركة" إلا شماعة تعلق عليها فشلها في كل مرة في كسب ثقة أبناء الحركة".
ويبدو أن بيان الحركة جاء استباقاً لبيان يخطط القادة الستة لإصداره، إذ قال "العمر"، إن " قيادة الحركة" اليوم على علم "بأننا صغنا بياناً نوضح فيه موقفنا منهم، وما دفعنا لتأخيره إلا مصلحة الإخوة الذين علقوا عملهم في الحركة، حتى لا يُعتقد أن هذه الخطوة مرتبطة بتعليقهم، حيث لا ارتباط بين الخطوتين البتة كما أسلفنا، وما صدر منهم من بيان محاولة بائسة لاستباق الخطوة فقط".