بدأت رياض الأطفال والمدارس الخاصة في العاصمة دمشق، التسجيل وحجز مقاعد للعام الدراسي المقبل، مقابل مبالغ كبيرة تفوق قدرة أغلب الأهالي العاجزين عن نقل أولادهم إلى مدارس أُخرى، بسبب الأسعار المرتفعة والمتشابهة في كل رياض الأطفال والمدارس الخاصة.
وفي شهر أيار من كل عام تُعلن رياض الأطفال والمدارس الخاصة بدء تثبيت أسماء مَن يريد الاستمرار في تسجيل أطفاله للعام المقبل، لكن هذا العام تفاجأ الأهالي بالمبالغ الكبيرة لتثبيت الاسم، إذ تطلب تلك المدارس مبالغ بين 6 و8 ملايين ليرة سوريّة كدفعة تُسدّد قبل انتهاء العام الدراسي الحالي.
هدى -أم لطفلين في روضة خاصة بمنطقة المزة- قالت لـ موقع تلفزيون سوريا: "في حال لم أدفع 12 مليون ليرة خلال هذا الشهر أفقد حق طفليّ في الاستمرار بروضتهم للعام المقبل"، مضيفةً أنها بحثت عن خيارات أخرى أرخص لكنها لم تجد.
وأشارت إلى أنّ هناك رياض أطفال تطلب 8 ملايين ليرة لحجز مقعد للعام الدارسي المقبل، وسط عدم معرفة أغلب الأهالي كم سيبلغ القسط النهائي، إذ لم تُحدّد المدارس الخاصة بعد، مبلغ القسط كاملاً.
أقساط "فلكية"
حدّدت وزارة التربية في حكومة النظام السوري أسعار الأقساط السنوية للمدارس الخاصة ورياض الأطفال للعام 2024/2025 بأسعار اعتبرتها أنها "وفقاً للسوق الرائجة".
لكنّ بحسب مصادر لـ موقع تلفزيون سوريا، فإنّ المدارس الخاصة لم تلتزم بها وحدّدت أقساطها وفقاً لسعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية في السوق السوداء.
وبينما تتقاضى المدارس الخاصة أسعاراً "فلكية"، بحسب وصف الأهالي، تراوحت الأقساط التي حدّدتها "وزارة التربية" بحسب الفئات بين مليونين و450 ألف ليرة للمرحلة الثانوية، ومليونين و750 ألف ليرة للتعليم الأساسي، أمّا رياض الأطفال فتبدأ من 525 ألف ليرة إلى مليون و225 ألف ليرة.
هذه الأقساط المرتفعة دفعت هدى إلى البحث عن مدرسة "حكومية" لتسجيل طفليها بعد انعدام قدرتها على تأمين 12 مليون ليرة لتثبيت أسمائهم في مدرستهم، وتوضّح لـ موقع تلفزيون سوريا: "العام المقبل لن يكون أطفالي مع رفاقهم في الروضة ذاتها، وهذا سيؤثر عليهم من جرّاء نقلهم إلى روضة حكومية كحل للاستمرار في تعليمهم".
حال هدى مثل أحوال كثيرين من الأهالي الذين باتوا عاجزين عن توفير تعليم جيد لأولادهم وسط تدهور قطاع التعليم الحكومي وامتلاء صفوفه بأكثر من 60 طالباً في الشعبة الواحدة، فضلاً عن عدم توفّر المدرسين، بسبب التسرّب الحاصل في نسب الأساتذة لأسباب عديدة لعلّ أبرزها تدنّي الرواتب.
"سبر المدارس.. غير معياري"
في المقابل، تفرض المدارس الخاصة في العاصمة دمشق على الأهالي إجراء سبر لاختبار الطلاب المتقدمين ومدى إمكانية قبولهم وفقاً لنتائج اختباراتهم، وهو ما يتعارض مع قرار "التربية" رقم 842 الصادر بتاريخ 14 من نيسان الفائت، والذي نص "على عدم اشتراط إجراء سبر لاختيار المتقدمين وعدم تحديد حد أدنى لقبولهم".
تعليقاً على ذلك، أوضح المدرس وضاح الأحمد، الذي يعمل مدرّساً لمادة الكيمياء في مدرسة خاصة بريف دمشق، أنّ المدارس الخاصة تلجأ إلى إجراء الاختبار لاختيار الطلاب المتفوقين والقادرين على الكتابة والقراءة كي يجنّبوا الأساتذة والمدرسات إعادة تأسيس الطفل والعمل معه بجد".
وقال في حديثٍ لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ "هذا الاختبار غير معياري وغير دقيق"، مشيراً إلى أنه يخلق بيئة تعليمية غير صحية من خلال انتقاء المتفوقين ووضعهم في مدارس محدّدة، وهو ما يمنع إمكانية حدوث المنافسة الإيجابية بين الطلاب للاستفادة من بعضهم البعض.
عدا ذلك، اعتبر "الأحمد" أنّ أقساط المدارس الخاصة خلقت "طبقيّة التعليم" في مناطق سيطرة النظام، إذ أضحى المجتمع مقسوماً بين طلابٍ أغنياء وطلابٍ الفقراء، وسط عجز أو "عدم رغبة" حكومة النظام في إلزام تلك المدارس الخاصة بالأقساط المحدّدة من قبلها.
وبحسب مصادر لـ موقع تلفزيون سوريا، هناك رياض أطفال يبلغ قسطها السنوي 25 مليون ليرة سوريّة، كحال روضة "سيرين كيدز" في منطقة المزة فيلات شرقية، والتي تعلّم الأطفال ثلاث لغات: إنكليزي، فرنسي، روسي.
"وزارة التربية تطالب بحصتها"
في السياق ذاته، طالب وزير التربية في حكومة النظام السوري برفع حصة الوزارة من أرباح مدارس القطاع الخاص، من أجل "النهوض بواقع التعليم والمعلمين"، على حد وصفه.
ونقل موقع "هاشتاغ" عن وزير التربية محمد عامر مارديني، أنّ "الضرائب المفروضة على أرباح المدارس الخاصة والافتراضية، لا يجب أن تكون عوائدها بشكل كامل للخزينة العامة للدولة، وإنّما للوزارة، كي تتمكّن من رفع سويتها والتحسين من وضع المدارس".
من جهته، زعم مدير التعليم الخاص في وزارة التربية راغب الجدي، أنّه "سيتم اعتباراً من العام الدراسي المقبل، اعتماد تصنيف المدارس الخاصة وفق النقاط لتحديد قيمة الخدمات التي تقدمها هذه المدارس".
وأشار في حديث صحفي إلى أنّه سيُحدّد لكل نقطة مبلغ ومن ثم تُجمّع هذه النقاط وتضرب بالمبلغ المحدد، مع تحديد قيمة الخدمات، وفقاً للنقاط أيضاً، ومن ثم يُجمع المبلغ الخاص بالخدمات مع المبلغ الخاص بالتعليم، وبناء عليه، سيُحدد قسط المدرسة الخاصة باستثناء النقل.
لكن كل هذا الكلام عن ضبط أقساط المدارس الخاصة لا يعني شيئاً للأهالي الذين اضطر قسم كبير منهم للاستغناء عن التعليم الخاص والتوجّه نحو التعليم الحكومي رغم مساوئه، كما حدث مع هدى.