في الحالة الطبيعية في سوريا أو أي دولة أخرى، من المفترض أن يكون "محمد 15 عاما" يتهيأ لقضاء عطلته الصيفية مع عائلته ورفاقه، لكن ظروف الحرب وتداعياتها المستمرة منذ قرابة 10 سنوات في سوريا، فرضت على "محمد" أن يحمل على كتفه "كيساً" لجمع النفايات البلاستيكية في مدينة إدلب لإعالة عائلته المكونة من 4 أفراد هم أم وثلاث فتيات.
يمثل "محمد" شريحة كبيرة من الأطفال السوريين الذين فقدوا قبل كل شيء طفولتهم، وساقتهم الظروف قسرا إلى دخول عالم قاس فرضته الحرب، من تجنيد إجباري إلى عمالة وتشرد وتسرب من التعليم بحسب تقارير أممية وأخرى صادرة عن منظمات حقوقية دولية.
الأطفال الحلقة الأضعف
قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني لموقع تلفزيون سوريا بمناسبة اليوم العالمي لضحايا العدوان من الأطفال، اليوم الجمعة: "إن الأعمال العسكرية لم تتوقف بشكل كامل كما أن تداعياتها ما زالت مستمرة، الأطفال ما زالوا أكبر نسبة من المشردين قسريا ولم يعودوا إلى مناطقهم هذا من أكبر التهديدات والمخاطر التي تواجه الأطفال لأن أطفال المخيمات غالبا بدون تعليم وغالبا بدون رعاية صحية ونفسية ويعانون من سوء التغذية، وهو من تداعيات العمليات العسكرية".
وأضاف أن عمالة الأطفال بسبب الفقر والتشريد تشكل تهديدا كبيرا، حيث إن المساعدات الإنسانية لا تكفي ولاتغطي إلا قرابة 20 ـ 25 في المئة من الاحتياجات، لذلك يلجأ الأطفال إلى العمل ويتسربون من العملية التعليمية لذلك نسبة الأمية مرتفعة بين الأطفال.
ويتابع "أما التحديات الأخرى فتتمثل في فقدان المعيل الأب أو الأخ الأكبر الذي إما قتل أو مختف قسريا ونسبتهم كبيرة جدا بين الأطفال، إضافة إلى الموضوع النفسي للتشريد والعمالة والتسريب من التعليم والفقر وفقدان المعيل".
وأشار إلى أن التنظيمات المتطرفة تستغل هذه الظروف لتجنيد الأطفال أيديولوجياً والذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 16 عاما، والتجنيد هو من التحديات التي تواجه الأطفال خاصة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بحسب تقرير للأمم المتحدة، كما أنها تقوم بعمليات خطف من أجل تجنيدهم.
الآليات لمواجهة "مستقبل أسود"
ويوضح عبد الغني أن أهم الإجراءات لمواجهة الانتهاكات هي فضحها وتوثيقها بدقة لمحاسبة مرتكبيها، وتحديد نسبة المخاطر والتركيز الدائم على الموضوع لأن الأطفال قنبلة موقوتة في معظم المناطق، رغم أنه الأسوأ في شمال غربي سوريا بسبب تركز النازحين والمهجرين.
ويوضح "كل ذلك يمكن البناء عليه من أجل زيادة المساعدات للأطفال ودفع الدول إلى الإيفاء بتعهداتها، لأن مشكلة الأطفال جزء من النزاع السوري بشكل عام. لأنها لن تتوقف طالما استمر النزاع".
ويشدد على أن الانتهاكات في تزايد وليست في تناقص وهي تتراكم خلال الزمن، ولو كانت أقل كنسب إحصائية في كل عام.
ويرى عبد الغني أن المستقبل ما زال "أسود وظلاميا" بسبب عدم وجود أفق للحل في سوريا، بل هنالك تراكم بالانتهاكات واستدامة والخطط الآنية غير كافية، ويتابع "نسبة الأمية مرتفعة وأيديولوجيا التطرف والفقر عالية، عدا عن نقص التغذية وضعف البنية العقلية والجسدية".
أطفال سوريا ما زالوا أرقاما
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان منذ آذار 2011 حتى حزيران 2021 مقتل 29520 طفلاً على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، يتوزعون على النحو الآتي:
قوات النظام (الجيش، الأمن، الميليشيات المحلية، الميليشيات الطائفية الأجنبية) : 22887 بينهم 12857 طفلاً ذكراً، و10030 طفلة أنثى. القوات الروسية: 2005 بينهم 1395 طفلاً ذكراً، و610 طفلات.
تنظيم الدولة: 958 بينهم 564 طفلاً ذكراً، و394 طفلة أنثى. هيئة تحرير الشام (تحالف بين تنظيم جبهة فتح الشام وعدد من فصائل في المعارضة المسلحة): 70 بينهم 65 طفلاً ذكراً، و5 طفلات.
قوات سوريا الديمقراطية: 232 بينهم 136 طفلاً ذكراً، و96 طفلة أنثى، المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني: 993 بينهم 557 طفلاً ذكراً، و436 طفلة أنثى. قوات التحالف الدولي: 925 بينهم 622 طفلاً ذكراً، و303 طفلات، جهات أخرى: 1450 بينهم 953 طفلاً ذكراً، و497 طفلة أنثى.
الاعتقال والاختفاء القسري
بحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإنَّ ما لا يقل عن 4924 طفلاً لا يزالون قيد الاعتقال/ الاحتجاز أو الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا منذ آذار/ 2011 حتى حزيران/ 2021، يتوزعون على النحو الآتي:
قوات النظام: 3613 بينهم 3162 طفلاً ذكراً، و451 طفلة أنثى.
تنظيم الدولة: 319 بينهم 298 طفلاً ذكراً، و21 طفلة أنثى.
هيئة تحرير الشام: 37 بينهم 34 طفلاً ذكراً، و3 طفلات.
قوات سوريا الديمقراطية: 659 بينهم 312 طفلاً ذكراً، و347 طفلة أنثى.
المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني: 296 بينهم 205 طفلاً ذكراً، و91 طفلة أنثى.
الأطفال ضحايا التعذيب
سجَّلت الشبكة منذ آذار 2011 حتى حزيران 2021 مقتل ما لا يقل عن 180 طفلاً -جميعهم من الذكور- قضوا بسبب التعذيب على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، يتوزعون على النحو الآتي:
قوات النظام 173، تنظيم الدولة 1، هيئة تحرير الشام 2، قوات سوريا الديمقراطية 1، المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني: 1، جهات أخرى 2.
حوادث الاعتداء على المدارس
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تعرض ما لا يقل عن 1586 مدرسة في سوريا لاعتداءات من قبل أطراف النزاع والقوى المسيطرة، منذ آذار 2011 حتى حزيران 2021، توزعت بحسب الأطراف الفاعلة على النحو الآتي:
قوات النظام: 1192، القوات الروسية 220، تنظيم الدولة 25، هيئة تحرير الشام 3، المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني: 35، قوات سوريا الديمقراطية: 10، قوات التحالف الدولي: 25، جهات أخرى: 76.
وأشارت الشبكة إلى أنَّ النظام تفوَّق على جميع الأطراف، من حيث حجم الجرائم التي مارسها على نحوٍ نمطي ومنهجي، وخاصة الحقوق الواردة في المواد 6 و37 و38 من اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها، بالحق الأصيل في الحياة والبقاء وحظر التعرض للتعذيب والحرمان من الحرية وضمان احترام قواعد القانوني الدولي الإنساني ذات الصلة بالطفل.
وقد بلغت مستوى الجرائم ضد الإنسانية، وتتحمَّل اللجنة المعنية بحقوق الطفل والمنبثقة عن اتفاقية حقوق الطفل المسؤوليات القانونية والأخلاقية في متابعة أوضاع حقوق الطفل في سوريا ووضع حدٍّ للانتهاكات التي مارسها النظام.
وبحسب التقرير فإن هذه الانتهاكات هي فرع عن استمرار النزاع المسلح الذي امتدَّ لعشر سنوات وفشل مجلس الأمن والمجتمع الدولي في تحقيق انتقال سياسي في سوريا، ولن تتمكَّن سوريا من النهوض والاستقرار، وعودة المجتمع نحو التَّماسك وتوقّف عملية الانحدار نحو دولة فاشلة ما لم تنهض الدول الإقليمية والدول الصديقة بمسؤولياتها أمام أطفال سوريا، فهي قضية عالمية، يجب على كل الدول أن تبذلَ جهدها في التخفيف من تداعياتها، عبر دعم المدارس والعملية التعليمية والطبية داخل سوريا، وللأطفال اللاجئين.