تشهد مدينة إدلب شمالي سوريا أزمة تتمثل في توقف ضخ مياه الشرب عن المنازل، بعد انتهاء مشروع للضخ في نهاية عام 2023 من قبل منظمة "غول GOAL" العالمية، وسط عجز "حكومة الإنقاذ" المعنية بإدارة المدينة عن إيجاد أي حلول بديلة، إذ تقرّ بالعجز بشكل غير مباشر، وترمي الكرة بملعب المنظمات الإنسانية للبدء بمشاريع جديدة من شأنها استئناف إيصال المياه إلى أحياء المدينة.
وعلى إثر الأزمة ارتفعت أسعار مياه "الصهاريج" رغم أنها شحيحة، إذ تضطر العائلات إلى الانتظار أكثر من يوم لتعبئة المياه، بسبب الضغط الكبير، في حين يوجه السكان انتقادات لـ "الإنقاذ" واتهامات بالمماطلة في الحل، لتمرير مشاريع خاصة بها، منها تركيب عدادات مياه في المنازل وتحصيل رسوم مالية من الأهالي حسب حجم الاستهلاك.
انتقادات وشكاوى للسكان
ووجه عدد من السكان في إدلب، انتقادات للجهات المحلية لعجزها عن إيجاد حلول بديلة لضخ المياه بعد توقف مشروع منظمة "غول"، حيث قال الإعلامي المقيم في إدلب عمر البم، في منشور على صفحته بـ"فيس بوك": "في إطار السعي لخصخصة المياه والاستفادة مادياً منها في إدلب، قامت حكومة الإنقاذ بتجاهل مراسلة منظمة غول وعرضها لتقديم مشروع الضخ، مما تسبب بتوقف الضخ عن المدينة منذ أسبوعين".
وأضاف البم: "تجهز حكومة الإنقاذ مشروعها المربح مادياً عبر توزيع عدادات مياه وأخذ مقابل الاستهلاك من الناس.. حاليا الأزمة المفتعلة مُقدِمة لقبول الناس بهذه الإجراءات التي تهدف لجمع المزيد من المال".
من جهتها، قالت صفحة "راديو محافظة إدلب" على "فيس بوك": "مديرية وحكومة اضرب واطرح متل ما بيحكولنا إعلامييها عاجزة عن حل مشكلة المياه لمدينة بحجم إدلب (...) طيب ايمتى المقصرين رح يتحاسبوا؟ وليش بالأربع سنين الي مضت ماجهزوا البديل؟ علماً كل أسبوع المديرية نفسها بتقول 2024 رح يخلص العقد؟".
ما موقف "حكومة الإنقاذ"؟
بدوره قال مدير الدراسات في المؤسسة العامة لمياه الشرب التابعة لـ "حكومة الإنقاذ" المهندس محمد جمال ديبان، إنّ منظمة "غول" كانت تتكفل عبر مشروعها بضخ المياه إلى مدينة إدلب منذ 7 سنوات، عبر محطتين غربي المدينة، لكن المنظمة أبلغتهم بإيقاف المشروع مع نهاية عام 2023.
وعن الحلول البديلة، ذكر ديبان في لقاء مع وسائل إعلام مقربة من "الإنقاذ"، أنّ المؤسسة تعتمد على المنظمات في أمرين، أولهما البنية التحتية كـ الطاقة الشمسية وتجهيزات الآبار، والثاني تشغيل الآبار وصيانتها.
وأضاف: "عندما أبلغتنا المنظمة بإيقاف المشروع، جهزنا دراسات وخاطبنا المنظمات العاملة في المجال الإنساني، لكن حتى الآن لم نتلق أي إشعار باستلام المشروع من أي منظمة".
وتابع: "تواجه المؤسسة عجزا ماليا لتحمل تكاليف المشروع بدون دعم المنظمات، ولذلك قد نضخ المياه مقابل فرض جباية (رسوم) على الأهالي، نحن ندفع قسما من المال، والسكان يدفعون القسم الآخر".
انتهاء الدعم المخصص لضخ المياه
وسبق أن أعلنت منظمة "غول GOAL" العالمية العاملة في محافظة إدلب شمال غربي سوريا انتهاء الدعم الذي تقدّمه لعدد من محطات مياه الشرب التي تغذّي مدينة إدلب وبلدات وقرى في محيطها، نهاية العام الحالي.
والدعم الذي بدأ، منذ تسع سنوات، كان يشمل توريد المياه الصالحة للشرب بشكل مجاني تماماً إلى السكّان، بالإضافة إلى تنفيذ العديد من مشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية لتحسين واقع شبكة المياه في المناطق التي تغذيها المحطات.
وعلّلت "غول" إيقاف الدعم في بيان نشرته "وحدة مياه إدلب" التي تديرها المنظمة على صفحتها في "فيس بوك"، بأنّ المنظمة وخلال سنوات الدعم الماضية لم تدخر جهداً لضمان استمرار الدعم وتأهيل المحطات وشبكات المياه المرتبطة بها، حيث كان من المفترض أن ينتهي الدعم بنهاية أيار 2023. إلا أنه وكاستجابة لجائحة الكوليرا والزلزال الذي ضرب المنطقة في 6 من شباط 2023، تمكّنت بالتعاون مع بعض الداعمين من تأمين استمرار الدعم حتى نهاية العام الجاري (2023).
ويشمل إيقاف الدعم بعض كبرى محطات ضخ مياه الشرب في إدلب، وهي محطات "سيجر، سيجر القديمة، العرشاني" وتغذّي هذه المحطات الثلاث مدينة إدلب إلى جانب كل من بلدات وقرى "مرتين، عين مرتين، منطقة الغابات، سيجر-بقسمتا، القبي، بشمارون، العرشاني وخربة الناطور".
يشار إلى أنّ منظمة "غول" سبق أن أوقفت دعم وتشغيل محطة مياه مدينة معرة مصرين شمالي إدلب، مطلع العام 2021، ما تسبّب بأزمة مياه مع ارتفاع أسعار مياه الصهاريج وعجزها عن تلبية حاجة المدينة، قبل تدخّل "حكومة الإنقاذ" وإعادة تشغيل المحطة، بعد تركيب عدّادات لجباية المياه في المنازل.
"الإنقاذ" تستعد لطرح عدّادات مسبقة الدفع للمياه في إدلب
في حديث سابق مع موقع تلفزيون سوريا، قلّل المهندس محمد جمال ديبان من مخاوف إيقاف الدعم من قبل منظمة "غول"، وعلّل ذلك قائلاً: إنّهم اعتادوا على مسألة إعلان المنظمة إيقاف الدعم ومن ثم مواصلتها الدعم، كما حصل مطلع العام الماضي.
وأضاف "ديبان" بأنّ "مؤسسة مياه إدلب" عملت وتعمل على مسارين متوازيين:
- المسار الأوّل: أعدّت المؤسسة دراسة متكاملة عن المحطات والتكاليف التشغيلية اللازمة لها، وقدمتها إلى عدة منظمات، متأملة أن تحل إحدى هذه المنظمات التي تواصلوا معها محل "غول" في دعم محطات مياه الشرب، في حال أوقفت الأخيرة دعمها فعلاً.
- المسار الثاني: يشمل عمل المؤسسة على تجربة تطبيق فكرة عدّادات مياه شرب مسبقة الدفع، سيتم تركيبها في المنازل وضخ المياه من قبل المؤسسة، في حال توقّف دعم "غول"، وعدم وجود منظمة بديلة تدعم تشغيل المحطات.
بعض المصادر المحلية تحدّثت عن ضغط مسبق من "حكومة الإنقاذ" من أجل إيقاف الدعم عن المحطات، وتحويل توريد المياه للسكّان في إدلب إلى عمل ربحي لصالح "الحكومة"، وهو ما لم يتسنَّ لموقع تلفزيون سوريا التأكّد منه.
السكّان يتخوّفون من احتكار المياه
تحدّث موقع تلفزيون سوريا إلى عدّد من سكان مدينة إدلب واستطلع آراءهم حول عزم مؤسسة مياه إدلب التابعة لـ"الإنقاذ" تركيب عدّادات لجباية المياه في حال توقّف الدعم عن محطات الضخ.
وعلى الرغم من أن معظم من استُطلعت آراؤهم أيّدوا فكرة العدّادات لكونها ترشد استخدام مياه الشرب، وتقضي على ظاهرة الهدر المنتشرة بكثرة في المدينة لكون المياه مجانية، لكنّهم أعربوا في الوقتِ نفسه، عن مخاوفهم من رفع "الإنقاذ" سعر المتر المكعب من المياه وتحويل عملية ضخّها من عملية خدمية إلى عملية ربحية، فضلاً عن مرابح "الإنقاذ" في العدّادات مسبقة الدفع التي ستطرحها في الأسواق بأسعار مرتفعة، كما طرحت عدّادات الكهرباء بسعر 50 دولاراً أميركياً للعدّاد الواحد.