icon
التغطية الحية

المحاكم الصورية في سوريا: أداة لقمع المعارضين وشرعنة التعذيب

2024.09.03 | 16:42 دمشق

صورة تعبيرية عن الاعتقال في سجون النظام السوري - الشبكة السورية لحقوق الإنسان
الاعتقال التعسفي في سوريا (صورة تعبيرية) - المصدر: الإنترنت
The New Arab- فضل عبد الغني - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

سلط مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، الضوء على الاستخدام المنهجي للاعتقال التعسفي من قبل نظام بشار الأسد لإسكات المعارضين، وذلك في مقالته المنشورة على موقع "العربي الجديد" النسخة الإنجليزية. ولفت عبد الغني في المقالة إلى ما لا يقل عن 1.3 مليون حالة اعتقال تعسفي منذ عام 2011، محملاً النظام السوري المسؤولية عن 88% من هذه الحالات. ووأوضح كيف أصبحت المحاكم الصورية أداة بيد النظام لشرعنة القمع، حيث يخضع المعتقلون لتعذيب قاسٍ لإجبارهم على تقديم اعترافات زائفة. يشير عبد الغني إلى أن هذه الانتهاكات المستمرة تشكل عقبة رئيسية أمام عودة اللاجئين والمهجرين، محذراً من أن الأسوأ قد يكون في الطريق، ما دام النظام مستمراً في ممارسة سياساته الوحشية دون رادع.

فيما يأتي ترجمة المقالة كاملة: 

في سياق الحرب المستمرة في سوريا، استخدم نظام بشار الأسد الاعتقال التعسفي كأداة مركزية لفرض سيطرته وإسكات المعارضة. فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، يسلط الضوء في هذه المقالة على المدى الواسع لانتهاكات النظام في هذا الصدد، حيث وثقت الشبكة ما لا يقل عن 1.3 مليون حالة اعتقال تعسفي منذ بداية الثورة السورية في عام 2011.

يبين عبد الغني كيف أصبحت هذه السياسة منهجية ومرتبطة بشكل وثيق بالإخفاء القسري، مما أدى إلى تغييب آلاف السوريين في ظروف قاسية وبعيدة عن الأنظار. هذا الواقع المؤلم، الذي تم توثيقه بشكل دقيق، يعكس حجم القمع الذي يتعرض له الشعب السوري، والذي لا يزال يواجه خطر الاعتقال والتعذيب لمجرد التعبير عن آرائه.

في الآتي ترجمة المقالة كاملة:

يستعين نظام بشار الأسد بالاعتقال التعسفي كسياسة ممنهجة لكم أفواه المعارضين، وعلى رأسهم السوريون الذين تمتعوا بشجاعة دفعتهم للمطالبة بالتغيير السياسي في البلد.

وهنا لابد أن أشير إلى أننا في المنظمة التي أسسناها تحت اسم: الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وثقنا حالات لاعتقال تعسفي منذ بداية الثورة السورية في عام 2011. وخلال الفترة ما بين 2011 و2023، وثقنا ما لا يقل عن 1.3 مليون حالة اعتقال تعسفي، بينها ما لا يقل عن 156757 حالة اعتقال مايزال أصحابها مختفين قسرياً، وبينهم 5235 طفلاً و10205 نساء.

يتحمل النظام السوري مسؤولية 88% من مجمل حالات الاعتقال، وهذا ما يجعله الجاني الأسوأ والوحيد الذي يستعين بالاعتقال التعسفي كوسيلة ممنهجة وسياسة مركزية. وهنا لابد من التوضيح بأن الاعتقال التعسفي بات رديفاً للاختطاف والإخفاء القسري، وذلك ضمن دليل عمل النظام الذي يعتمد على هذه الآلية التي تجري بكل سلاسة.

ماذا يجري داخل المحاكم الصورية بسوريا؟

تنفذ الغالبية الساحقة من حالات الاعتقال، والتي تصل لقرابة 98% من مجمل عمليات الاعتقال، من دون مذكرة توقيف أو حتى تهمة، كما أن الجهة التي تنفذ عملية الاعتقال لا تُعرّف عن نفسها، ويحرم من يتعرضون للاعتقال من التواصل مع أهلهم أو من توكيل محام، إذ ينقلون إلى مكان مجهول فينقطع بذلك تواصلهم مع المجتمع نهائياً. وبمجرد أن يُعتقل المواطن السوري يتعرض للتعذيب ويُجبر على تقديم اعترافات بجرائم لم يرتكبها، وذلك تحت الضغط الشديد الذي تمارسه محاكم صورية تشبه إلى حد كبير فروع أمن الدولة أكثر من كونها مقراً لإحقاق العدالة. وبناء على تلك "الاعترافات" التي لا قيمة لها، يخضع المعتقلون للمحاكمة إما في محكمة مكافحة الإرهاب أو في محكمة الميدان العسكرية، والتي أسسهما النظام السوري ليتخلص من معارضيه ومناوئيه السياسيين، على الرغم من أن كلتيهما لا تحققان بأي شكل من الأشكال معايير أي محاكمة مستقلة وعادلة. طبعاً هذا إن أقاموا محاكمة للمعتقلين أصلاً، لأن الأغلبية الساحقة من الحالات لم تصدر بحقها أحكام قضائية، ولا أي اتهامات، ولم تُجرى لها أي محاكمة، بما أن نسبة تقل عن ربع المعتقلين تعسفياً تُحوّل إلى هاتين "المحكمتين".

ثم إن النظام السوري لا يبدي أي اكتراث بمن يتعرضون لظروف الاكتظاظ الشديد في السجون، وسوء التغذية، والإهمال الطبي، وانقطاع التواصل مع العالم الخارجي، ومنذ عام 2011، سعى النظام السوري إلى تبييض صفحة تلك الممارسة الممنهجة القائمة على الاعتقال التعسفي وشرعنتها عبر إصدار مراسيم "عفو" زائفة بحق من أحيلوا إلى محكمة مكافحة الإرهاب أو محكمة الميدان العسكرية. ولكن وكما سبق أن شرحت، فإن أكثر من 75% ممن اعتقلوا تعسفياً لا يصلون إلى المحكمة، وهذا ما يجعل أمر تحقيقهم للمعايير الواردة في مراسيم العفو مستحيلاً، وبذلك تصبح مراسيم العفو قد صدرت خصيصاً لمن ترغب الأجهزة الأمنية بإطلاق سراحهم، وإننا في الشبكة السورية لحقوق الإنسان نعتقد بأن هذه العملية برمتها تجري تحت إشراف ومراقبة النظام السوري عن كثب، بما أن هذا النظام يتمتع بهيكلية راسخة في صنع القرار.

 

الأسوأ قادم لا محالة

ماتزال عمليات الاعتقال التعسفي مستمرة، وعلى الرغم من أن النظام السوري هو أبرز مرتكب لها، فإن أطرافاً أخرى في النزاع ومنها قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية، والجماعات الإسلاموية المتطرفة نفذت عمليات اعتقال مشابهة. بيد أن ظاهرة الاعتقال التعسفي وما يرافقه من تعذيب وإخفاء قسري تعتبر من أهم العوائق التي تقف في طريق عودة اللاجئين والمهجرين. إذ منذ مطلع عام 2014 وحتى آذار من عام 2024، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 3532 حالة اعتقال، 251 منها تمت بحق أطفال، و251 نفذت بحق نساء، وذلك عند عودة هؤلاء الأشخاص إلى أماكن إقامتهم الأصلية في سوريا.

كان النظام مسؤولاً عن جميع حالات الاعتقال تلك، ومن بين المعتقلين، أطلق سراح 2149 من بينهم، في حين مايزال 1383 رهن الاعتقال، فيما يُصنف 969 منهم على أنهم مختفون قسرياً. على الرغم من عملنا الحثيث المتواصل وكل الجهود التي بذلناها لتأمين عملية إطلاق سراح آلاف المواطنين السوريين الذين اعتقلوا من دون أي وجه حق، فإن كل تلك الجهود باءت بالفشل، بل حتى اللجنة الدولية للصليب الأحمر لم تتمكن من إجراء زيارات دورية لمراكز الاعتقال. وبالرغم من أن قضية الاعتقال التعسفي حاضرة في نصوص عديدة للأمم المتحدة صدرت عن سوريا، لم يمارس المجتمع الدولي ولا الأمم المتحدة على نظام الأسد أو غيره من الأطراف ما يكفي من الضغط لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وبينهم نساء وأطفال، إذ لم يطلق سراح معتقل واحد لم تكن لدى نظام الأسد أي رغبة بإطلاق سراحه، وهذا ما يصيبنا بالاحباط واليأس، لأن الحصانة التي يتمتع بها الأسد على المستوى الدولي تدمر عملنا في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وإننا على قناعة كاملة بأنه فاتنا توثيق عدد مهول من حالات الاعتقال التعسفي، لأن الأعداد التي وثقناها لا تمثل سوى الحد الأدنى من تلك الحالات. وطالما بقي الأسد في السلطة، واستمر المجتمع الدولي والعربي في التستر على جرائمه، فإن العدد الحقيقي لمن يقبعون في غياهب المعتقل تعسفياً سيبقى غير معلوم.

وبناء على كل الأدلة التي توصلنا إليها، لا يسعنا إلا أن نصل لنتيجة واحدة وهي أن الأسوأ قادم لا محالة، بعد أن أصبحت حالات الاعتقال التعسفي أمراً عادياً بحق أي شخص يتجرأ على التعبير عن رأيه وأن يوجه أدنى انتقاد لنظام الأسد وممارساته الوحشية، ولن يحميه من ذلك كونه قاصراً أم لا.

 

المصدر: The New Arab