icon
التغطية الحية

200 عام على التجربة الديمقراطية.. نظرة على تاريخ الانتخابات في تركيا

2023.05.14 | 15:00 دمشق

الانتخابات التركية
يمكن تتبع التجربة الانتخابية في تركيا إلى قبل نحو 200 عام في انتخابات المجالس البلدية التي أجريت خلال فترة التنظيمات في الدولة العثمانية
تلفزيون سوريا - إسطنبول
+A
حجم الخط
-A

كجمهورية تعتمد الديمقراطية التمثيلية، تعتبر آلية الانتخابات في تركيا صحيحة بغض النظر عمن يفوز فيها، بل إنها تعكس تفضيلات الناس، وهي انتخابات شفافة ومفتوحة للتدقيق العام، فيما تعود أول تجربة انتخابات ديمقراطية إلى نحو 200 عام.

لا شك أن الركيزة الأساسية للديمقراطية هي الانتخابات الحرة والنزيهة، وما يمنح أي نظام سياسي طابعه الديمقراطي هو الانتخابات القائمة على الاقتراع العام، التي يتنافس فيها أكثر من حزب سياسي في بيئة تنافسية حرة، لكن الديمقراطية اليوم لا تتعلق بصندوق الاقتراع فقط، فالسلطات السياسية، حتى بعد انتخابها، مقيدة بضوابط وتوازنات، وتوزع هذه السلطة من خلال مبدأ فصل السلطات، والقضاء المستقل الذي يحمي الحقوق والحريات الأساسية.

من أعلى معدلات المشاركة في الانتخابات

في بلدان مثل تركيا، حيث بقيت شرائح كبيرة من المجتمع بعيدة عن مراكز القوة السياسية والاقتصادية، فإن الانتخابات هي الطريقة الوحيدة لمنح الجمهور الواسع حق الوصول إلى السياسة، في حين احتضن الأتراك حقهم في التصويت منذ الانتقال إلى النظام التعددي في العام 1950.

ولطالما تمتعت تركيا بأعلى معدلات لإقبال الناخبين على التصويت في الانتخابات، فمنذ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الـ 21 التي أجريت في العام 1950، كان متوسط معدل المشاركة 82.2 %، وهذا الرقم هو واحد من أعلى معدلات نسبة المشاركة في الانتخابات بالعالم.

ومنذ ذلك التاريخ، اعتبرت خيارات الأتراك ومشاركتهم النشطة في الانتخابات مساراً للسياسة التركية، تقودها في الاتجاه الصحيح، في حين فشلت محاولات النخب البيروقراطية للهندسة الاجتماعية والسياسية في تركيا عدة مرات في صناديق الاقتراع، وكانت الانتخابات مساحة التنفس الرئيسية للديمقراطية التركية ضد جهود الجيش والقضاء لتقييد الحريات، ووضع السياسة تحت وصايتهما.

وخلال نصف قرن من الزمن، أصبح نزع السلاح من المجال السياسي، وإلغاء الوصاية، وتعزيز الشرعية الديمقراطية للنظام الحاكم، والتوزيع الأكثر إنصافاً للرفاهية، والقضاء على ممارسات التهميش التي استهدفت الشرائع ذات الخلفية الدينية والانتماءات العرقية المختلفة، وبشكل خاص الأكراد، أصبحت ممكنة في تركيا من قبل السياسيين المدنيين، الذين وصلوا إلى السلطة من خلال انتخابات نزيهة.

الأولوية لصندوق الاقتراع

وخلال انتخابات عديدة في تركيا، استطاعت الإرادة الشعبية الفوز على حساب الأحزاب السياسية الحاكمة، بما فيها تلك التي تهيمن على أجهزة الدولة، ففي انتخابات 1989، هُزم حزب "الوطن الأم"، بقيادة تورغوت أوزال، رغم أنه ترك بصماته على عقد من السياسة التركية، مع إصلاحات جديدة ونموذجية.

وفي انتخابات 2015، خسر حزب "العدالة والتنمية"، والذي بقي في السلطة لـ 13 عاماً وهي أطول فترة بين الأحزاب التركية، حيث خسر الأغلبية في البرلمان، رغم فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بالانتخابات الرئاسية.

وفي انتخابات العام 2018، فاز "العدالة والتنمية" في الانتخابات الرئاسية، لكنه فشل في الفوز بأغلبية مطلقة في الجمعية الوطنية التركية الكبرى. وفي الانتخابات البلدية في 2019، خسر "العدالة والتنمية" رئاسة بلديتي أنقرة وإسطنبول، رغم أنه لم يخسر التصويت الوطني العام.

تؤكد هذه الأمثلة أن آلية الانتخابات في تركيا تحقق نتائج صحية بغض النظر عمن في السلطة، وتظهر التجربة الحديثة والبعيدة أن تفضيلات الناس تنعكس حقًا في نتائج الانتخابات، وبعبارة أخرى، أثبتت الانتخابات التركية مصداقيتها في الممارسة العملية، وأكدت أن الأولوية هي لصندوق الاقتراع.

200 عام من الديمقراطية

يمكن تتبع التجربة الانتخابية في تركيا إلى ما قبل نحو 200 عام، وتحديداً في انتخابات المجالس البلدية، التي أجريت خلال فترة التنظيمات في الدولة العثمانية التي بدأت في العام 1839، وانتهت بفترة المشروطية الأولى في العام 1876.

وعلى الرغم من بدائية الآلية الانتخابية من جهة الحق في التصويت والترشح، إلا أنها يمكن اعتبارها أول انتخابات ديمقراطية في العهد العثماني، وتطورت لاحقاً خلال فترتي الملكية الدستورية الأولى والثانية، حيث انتشرت الانتخابات وتطورت الديمقراطية متعددة الأحزاب، وفي انتخابات العام 1950 تم تنفيذ الديمقراطية التعددية بنجاح في تركيا.

وخلال العقد الماضي وحده، توجه الناخبون الأتراك إلى صناديق الاقتراع ما مجموعه ثماني مرات في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وانتخابات الحكومة المحلية والاستفتاءات.

وتعني هذه الممارسة المكثفة للاقتراع أن كلاً من الناخبين والمؤسسات المنظمة للانتخابات اكتسبوا خبرة كبيرة في الممارسة الديمقراطية، ما يجعلها عاملاً ضامناً لأمن الانتخابات.

الهيئة التركية العليا للانتخابات

يوفر إشراف وإدارة القضاء على عملية الانتخابات في تركيا، منذ العام 1950، ضماناً أكثر فاعلية لأمن الانتخابات، حينذاك تم إنشاء الهيئة العليا للانتخابات، التي يتم انتخاب أعضائها من قبل المجالس العامة لمحكمة النقض ومجلس الدولة، ومن قبل مجالس البلديات والأقاليم، ويتكون أعضاؤها من قضاة، ويحق لهذه اللجنة اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان إجراء الانتخابات بطريقة منظمة ونزيهة.

وتضمن دستور العام 1961 الإدارة القضائية للانتخابات دستورياً، عندما أصبح مجلس الشورى الاشتراكي مؤسسة دستورية، واستمر مع دستور العام 1982، وتنص المادة 67/2 من هذا الدستور على أن "الانتخابات والاستفتاءات تجرى على أساس الاقتراع العام الحر والمتساوي والسري، وعمليتي الفرز وعد الأصوات علنية، تحت إدارة وإشراف قضائيين".

ووفق الدستور، تتولى الهيئة العليا للانتخابات "تنفيذ جميع الإجراءات المتعلقة بالسير المنظم ونزاهة الانتخابات من بدايتها حتى نهايتها، وفحص وتدقيق وإنهاء جميع أشكال الفساد والشكاوى والاعتراضات المتعلقة بمسائل الانتخابات، في أثنائها وبعدها.

إجراء آخر مهم، هو مشاركة الأحزاب السياسية في اللجان الانتخابية للإشراف على العملية، فوفقاً للقانون رقم 298، يمكن للأحزاب السياسية الأربعة التي حصلت على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات البرلمانية العامة الأخيرة، والأحزاب السياسية التي لها تمثيل في البرلمان أن يكون لكل منها ممثل في اللجان المشرفة على العملية الانتخابية، كما تضم مجالس انتخابات البلديات والأقاليم أيضاً ممثلين للأحزاب السياسية.

وبناء على ذلك، فإن عمل اللجان الانتخابية يتم تحت إشراف الأحزاب السياسية المتنافسة في الانتخابات، ولا يضمن ذلك القضاء على الأخطاء والمخالفات، بل يزيد أيضاً من موثوقية النتائج.

وتتكون لجان الفرز والاقتراع من رئيس وستة أعضاء، يتم انتخاب الرئيس وعضو واحد من بين الموظفين العموميين في ذلك الموقع، بينما يتم تعيين الأعضاء الخمسة الآخرين من قبل خمسة أحزاب سياسية حاصلة على أكبر عدد من الأصوات في المنطقة التي يوجد بها مركز اقتراع، فضلاً عن أن هذه الانتخابات تجري تحت إشراف مجالس الدوائر الانتخابية، أي القضاة.

وينظم القانون رقم 298 عملية الفرز والإدلاء بالأصوات بتفصيل كبير في ثلاث عشرة مادة، وعليه تقوم لجان الاقتراع بفرز الأصوات المدلى بها في مركز الاقتراع، وبحضور المسؤولين العموميين وتسجّل النتائج في المحضر.

كما يحصل مراقبو الأحزاب السياسية على نسخة من تقارير نتائج صناديق الاقتراع، ويتم دمج تقارير نتائج صناديق الاقتراع في مجالس الدوائر الانتخابية والإقليمية تحت إشراف الأحزاب السياسية، ويتم نشر تقارير صناديق الاقتراع وإتاحتها للعامة على موقع الهيئة العليا للانتخابات بعد انتهائها.

فعلى سبيل المثال، من الممكن اليوم الوصول إلى محضر نتائج أي مركز اقتراع تم فيه التصويت في الانتخابات الرئاسية للعام 2018 على الموقع الرسمي للهيئة العليا للانتخابات، وعلاوة على ذلك، فإن الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، تتابعان عملية الانتخابات بناء على دعوة من الحكومة التركية، حيث تمت مراقبة انتخابات العام 2018 من قبل 350 مراقباً دولياً.

بلا شك، العملية الانتخابية في تركيا شفافة ومفتوحة للتدقيق العام، وفي انتخابات اليوم، ستضمن الخبرة والقدرة المؤسسية للهيئة العليا للانتخابات، إلى جانب جهود الأحزاب السياسية لضمان أمن الانتخابات، الظهور الصحي للإرادة الوطنية للدولة التركية مرة أخرى.

لقراءة النصل الأصلي في موقع "بوليتيك توداي" للتحليلات والدراسات السياسية هنا.