icon
التغطية الحية

حضور المسرح السوري في تركيا.. فرقة أبي خليل القباني نموذجاً

2022.07.29 | 09:24 دمشق

قباني
محمد أوزملّي
+A
حجم الخط
-A

"لو كنت مكاني" عبارة حملت في طياتها نصاً مسرحياً وسيناريو ورغبة ممثلين شباب في إيصال رسالة نبيلة للجمهور التركي ومن على خشبة مسرحهم وبلغتهم، مفادها "لو كنت مكاني وداخل كل هذا الدمار والموت والتهجير القسري والظلم والفساد، ماذا كنت لتفعل؟".

فرقة أبي خليل القباني.. التأسيس والهدف

لا يمكن إنكار دور المسرح وقدرته على إضفاء مساحات جمالية إنسانية على أي قضية اجتماعية أو سياسية، وما يمتاز به من إمكانات في طرح التساؤلات، بما يساعد في تعزيز مساحات الحوار داخل أي مجتمع وذلك من خلال طرح المشكلة وترك اختيار الحلول للجمهور، وفي المسرح التفاعلي على وجه الخصوص يوضع الجمهور في صلب الموضوع ليتم من خلالهِ محاكاة رسالة أو هدف العرض.

مع هذه المفاهيم وبهدف الاندماج ومحاكاة الواقع السوري على خشبة المسرح التركي، أُسست فرقة أبي خليل القباني المسرحية سنة 2014 في ولاية غازي عنتاب التركية من قبل مجموعة من الطلاب الجامعيين والخريجين، ينحدرون من مختلف المحافظات السورية ويحملون عادات مختلفة، جمعهم حبهم للمسرح من جهة، وإيمانهم بالهدف الذي يريدون إيصاله إلى المجتمع المضيف في تركيا، وكانت أول عروضهم مسرحية "الكاينموس" من تأليف علاء الدين حسو وإخراج بشار فستق.

 

قباني
مسرحية المهجع رقم 19 لفرقة أبو خليل القباني - غازي عنتاب - ضمن فعالية (المعتقلون أولًا)

 

حاكت المسرحية وضع الطغيان الذي حل بسوريا والذي تم تجسديه بالكاينموس، وهو وحش متعدد الرؤوس أراد به القائمون على المسرحية تمثيل واقع السوريين لأكثر من أربعة عقود، وبالرغم من أن المسرحية قامت بجهود شخصية، وفي قاعة مؤتمرات، وليس على مسرح رسمي، إلا إنها حازت على رضا وتفاعل الجمهور وكانت البداية أو إذا صح التعبير حجر الأساس الذي انطلقت منه الفرقة.

"أول فرقة مسرحية سورية في تركيا"

حول تأسيس الفرقة وأهدافها، يقول أحد مؤسسيها ومسؤول الأزياء والديكور، محمود الحسن، لـ موقع تلفزيون سوريا: 

"تأسست فرقة أبي خليل القباني من مجموعة أصدقاء متشاركين بالهدف ومحبين للمسرح، واعتبرت أول فرقة سورية شهدتها تركيا عام 2014، وهي مكونة من مجموعة متطوعين غير مرتبطين بأي جهة (مؤسسة أو جمعية أو منظمات مجتمع مدني...)، وخرجت عن المألوف بنشاطاتها وعروضها التي قدمتها باللغة التركية". 

ويضيف الحسن: "ومنذ بداية تأسيسها أقرت على المستوى الاجتماعي ضرورة اعتبار العمل المسرحي عملاً مستقلاً وليس فرعاً عن نشاط آخر".

وكحال جميع الفرق الفنية فقد شهدت فرقة أبي خليل المسرحية فترة من الركود أو التوقف بعد رحيل جزء من العاملين فيها وعلى رأسهم المؤسس الأول للفرقة بشار فستق وذلك لدواعي السفر، ولكن مع الرغبة الصادقة والهدف النبيل في نقل الواقع على خشبة المسرح، استطاعت الفرقة أن تستوعب الصدمة وتجمع شتات نفسها، وتبدأ رحلتها من جديد رغم  إمكانياتها الفقيرة على جميع الأصعدة.

دور الفرقة في عرض الواقع السوري على خشبة المسرح التركي

في عام 2015 استُدعيت فرقة القباني من قبل بلدية مرسين للمشاركة في مهرجان TÜRK DÜNYASI TİATRO GÜNLERİ الدولي، لتقدم عرض مسرحية "لو كنت مكاني" باللغة التركية (من تأليف محمد الملّي وإخراج مرتضى قره علي)، والتي حاكت من خلالها الجمهور التركي بمشاهد تمثل الواقع في سوريا، وتدور قصتها حول ذهاب شخص تركي إلى سوريا ليعيش داخل مختلف مجريات الأحداث فيها من ظلم وموت وتهجير ودمار...                                            

لامس العمل مشاعر الجمهور وكانت لأول مرة يتم فيها عرض مسرحية باللغة التركية من قبل فرقة سورية، ما أدى إلى استدعاء فرقة أبي خليل القباني كممثل للمسرح السوري من قبل بلدية مرسين للمشاركة في المهرجان لأربع سنوات متتالية، قدمت خلالها أعمال: (الصراخ القادم من الجنوب- Vefalı Türk Geldi- مذكرات محكوم عليه بالإعدام- للكاتب فكتور هوغو).وكان العرض الثاني للمسرحيات في ولاية غازي عنتاب، بالإضافة إلى عروض أخرى منها "الأيدي الخفية وتالا والمهجع رقم 19"، وجميعها من تأليف محمد الملّي وإخراج مرتضى قره علي.

وقد حاولت الفرقة من خلال أعمالها عدم الخروج عن سياق الأحداث في سوريا، ففي "المهجع رقم 19" قدم العرض رؤية بسيطة لمعاناة المعتقلين داخل سجون النظام السوري، عارضًا رؤية إنسانية نفسية لذهنية السجّان أو المحقق، وقد حاول العمل محاكاة الأبعاد الإنسانية لطرفي القصة، السجين والسجان، بمعنى آخر، محاولة فهم أو عكس الأبعاد النفسية الاجتماعية لتكوين الأشخاص المسؤولين عن التحقيق والمشرفين على عمليات التعذيب داخل السجون، لأنها -وببساطة- شخصيات في الواقع، تعاني العديد من الأمراض والعقد النفسية.

 

سسرح
مشهد من مسرحية Vefalı Türk Geldi في مهرجان  TÜRK DÜNYASI TİATRO في مرسين

 

وفي حوار لموقع جيرون ذكر محمد الملّي (من مؤسسي الفرقة أيضاً) بأن دور المسرح الأساسي هو "محاكاة أو نقل الحقيقة، دون تحويرٍ أو تجميل، ومن هنا يمكن القول بأنه لو توافرت للمسرح الشروط والإمكانات المطلوبة، لَلعب دورًا بارزًا في نقل القضية السورية إلى قطاعات أوسع من الجمهور، خاصةً من غير السوريين، وهو -ربما- ما يساعد على حشد رأي عام مناصر لأهداف وطموحات الثورة السورية، فليست وظيفة المسرح إيجاد الحلول، وإنما طرح المشكلات بأبعادها كافة، ومحاولة خلق حوار مجتمعي واسع على هذا الصعيد".

الاندماج مع الشعب التركي من خلال المسرح

أما المخرج مرتضى قره علي وهو من مؤسسي الفرقة كذلك، فيفيد لـ موقع تلفزيون سوريا بأن "دور المسرح السوري في تركيا مهم جداً لنقل الحقيقة والواقع الذي يعيشه السوريون في تركيا وفي الداخل السوري، والأهم هو ما نحاول أن نفعلهُ نحن فرقة أبي خليل القباني ونرجو أن تفعلهُ الفرق المسرحية السورية الأخرى وهو العروض باللغة التركية، حيث يساعد هذا على خلق بيئة جيدة لاندماج الشعبين كما يساعد في  إيصال وعرض الحقيقة بشكل أوضح للجمهور التركي، من معاناة وحقيقة المشهد الذي يُعاش من قبل أهلنا في سوريا وسط الموت والدمار والتهجير".

ويتابع قره علي موضحاً فكرته حول الاندماج بمشهد: "عندما نرى داخل قاعة المسرح الشباب السوري على الخشبة وأمامهم يجلس الجمهور التركي يشاهد المسرحية باللغة التركية، فهذا كفيل لخلق جو  تفاعلي بين الشعبين، وهو باعتقادي أسمى من أي خطاب في ندوة أو خبر أو فيلم باللغة العربية يشاهده فقط الأشخاص الذين عاشوا اللحظة الحقيقية. نحن السوريون في تركيا لا أعتقد أننا نحتاج من يمثل لنا ما يجري في سوريا، لإننا على دراية واضحة بما يحصل، ما يلزمنا هو الشرح للمضيف وبلغته ماذا يجري في سوريا".

جهود تطوعية ورسالة ثقافية

 حتى اللحظة تعمل الفرقة بجهود تطوعية من أعضائها دون أي دعم من أحد، فعلى الرغم  من توقف أعمالهم خلال جائحة كورونا والتي أدت إلى توقف جميع العروض الفنية، يؤكد أعضاء فرقة القباني أنهم مستمرون، وفي جعبتهم -خلال الفترة المقبلة- العديد من الأعمال والتي يهدفون من خلالها إلى تعزيز العلاقة بين الشعبين والابتعاد عن المعلومة المسيسة والتي تهدف إلى نشر الفتن بين الشعبين، كما تعمل الفرقة على خلق عروض مسرحية مشتركة بين الممثلين السوريين والأتراك، فهذا ما تعتبره فرقة القباني إنجازاً عظيماً في خلق محاكاة للواقع والتوعية وذلك من خلال الشباب السوري والتركي معاً .

فالفن الحقيقي بمختلف مجالاته منذ نشأته كان هدفهُ ومازال نواة أساسية في مكونات الثقافة الإنسانية حول كل موضوعات الحياة، كما أنهُ أيضاً وسيلة للحوار الحسي بين المجتمعات منذ القدم وحتى يومنا هذا، فمن خلاله يستطيع الفرد إيصال رسالته لكل البشرية، متجاوزاً حدود  كل الفوارق، لتصنع لها حواراً حضارياً متميزاً، ومن خلاله تستطيع الشعوب مد جسور التواصل والتقارب والتعارف فيما بينها.