أظهرت بيانات مشتريات أصدرتها الأمم المتحدة الأسبوع الماضي أن وكالات الأمم المتحدة تواصل تعاقداتها مع شركات وكيانات لها صلات بنظام الأسد في سوريا من خلال مشتريات السلع والخدمات.
ووفق البيانات، فإنه في العام 2020 اشترت وكالات الأمم المتحدة أكثر من 240 مليون دولار من السلع والخدمات في سوريا، وفي العام 2021، اشترت 17 من وكالات الأمم المتحدة نحو 200 مليون دولار سلع وخدمات، بانخفاض نحو 20 % مقارنة بالعام السابق، وكانت الحصة الأكبر لهذه المشتريات لبرنامج الغذاء العالمي.
93.1 مليون دولار أُنفقت في "فور سيزونز"
كما أنفقت وكالات الأمم المتحدة، منذ العام 2014 وحتى 2020، ما مجموعة 81.6 مليون دولار في فندق "فور سيزونز"، وفي العام 2021 وحده أنفقت الأمم المتحدة ووكالاتها ما مجموعة 11.5 مليون دولار في الفندق.
ويمتلك الحصة الأكبر في فندق "فور سيزونز" رجل الأعمال سامر فوز، الذي يعتبر واجهة لنظام الأسد، والمدرج على قائمة العقوبات الأوروبية والأميركية، مما يثير مخاوف بشأن عمليات مشتريات الأمم المتحدة في سوريا.
وقال موقع "ميدل إيست أي" إنه في العام 2016، عندما تم الكشف لأول مرة عن كيفية تمويل نظام الأسد بشكل غير مباشر من قبل الأمم المتحدة من خلال عقود الشراء، قال متحدث باسم الأمين العام إن "النفقات مبررة بسبب عدم وجود خيار فيما يتعلق بالمكان الذي يمكن فيه استيعاب موظفي الأمم المتحدة بأمان في العاصمة دمشق"، مشيراً إلى أنه "حتى بعد أن سحق الأسد المعارضة في المناطق المجاورة، لم يتغير مكان وجود موظفي الأمم المتحدة".
تعاقدات مع شركات الأسد الأمنية
كما استخدمت الأمم المتحدة أيضاً شركات أمنية لها علاقات وثيقة مع نظام الأسد، حيث شارك رجل الأعمال المقرب من النظام، والخاضع للعقوبات الأوروبية، هاشم أنور العقاد، في تأسيس شركة "ProGuard" الأمنية، التي تلقت أكثر من 4.1 ملايين دولار من الأمم المتحدة، منذ العام 2015، في حين تلقت 600 ألف دولار في العام الماضي فقط.
كما تبرز ضمن الوثائق شركة مشتريات أخرى تحت اسم "شركة شروق للحماية والحراسات الأمنية"، التي تضم في مجلس إدارتها ضباطا سابقين لديهم صلات وثيقة مع ماهر الأسد، ولديها عقود أممية بقيمة 1.5 مليون دولار في العام الماضي، و6.3 ملايين دولار منذ العام 2015.
وفي وقت سابق، أكدت تقارير أن حكومة نظام الأسد أعادت توجيه ملايين المساعدات الإنسانية لقواتها الأمنية والمسؤولين الحكوميين، في مخططات معقدة استحوذت على الأموال من المساعدات الدولية لسنوات، في حين تُظهر بيانات الأمم المتحدة كيف أنه من المحتمل أيضاً إعادة توجيه أموال المشتريات إلى نظام الأسد.
موردون سريون
ونقل موقع "ميديل إيست أي" عن كبير المحللين الباحثين عن استجابة المساعدات الإنسانية لسوريا في مركز التحليل والأبحاث العملياتية، إيان لارسون، قوله إنه "في حين أن البيانات الأممية كانت مخيبة للآمال، بالنظر إلى الحسابات الرئيسية لمجتمع المساعدات في العام 2021 بشأن طريقة إنفاق الأموال في سوريا، كان هناك القليل من الوضوح فيما يتعلق بما حدث بالفعل للأموال الأممية التي دخلت سوريا".
وأثار لارسون أن مخاوف بشأن تقرير المشتريات الذي يحجب معلومات عن الموردين، حيث أخفت تقارير الأمم المتحدة 55 من الطلبات والتعاقدات في سوريا، بقيمة إجمالية قدرها 33 مليون دولار.
وحجبت وكالة الأمم المتحدة للأطفال "اليونيسيف"، أسماء الموردين لأكثر من 15 مليون دولار من السلع والخدمات التي اشترتها خلال العام الماضي فقط، وكانت معظم هذه المشتريات عبارة عن معدات وأثاث ليس لها طبيعة حساسة.
وقال الباحث في استجابة المساعدات الإنسانية لسوريا إنه "لا يوجد سبب منطقي واضح لحجب أسماء الموردين الرئيسيين، والغموض المتعلق بالمنح الفرعية يجعل المساءلة شبه مستحيلة"، مضيفاً أن "أحد المجالات الناضجة للإصلاح هو الشفافية في التعاقد مع الأمم المتحدة".
وأشار لارسون إلى أن الأمم المتحدة "كانت تعمل في ظل ظروف صعبة للغاية في سوريا، لكن الشفافية والمساءلة الأكبر كانت ممكنة".
القضية أكبر من المشتريات
من جانب آخر، قالت الباحثة في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، وأحد معدي التقرير الذي كشف عن تحويل مسار المساعدات الأممية نحو نظام الأسد، ناتاشا هول، إن "القضية أكبر من المشتريات".
وأضافت هول أن على الأمم المتحدة ووكالاتها "بحاجة إلى تجنب العقود مع منتهكي حقوق الإنسان، بما في ذلك الشركات أو المنظمات التي تقترحها حكومة الأسد على الأمم المتحدة لتنفيذ المشاريع".
وأوضحت أن "أحد الأمثلة على ذلك هو وجود كيانين تابعين لحكومة النظام، وهما الهلال الأحمر العربي السوري وسوريا ترست، وهما من الجهات المنفذة الرئيسية في استجابة المساعدات في سوريا"، مؤكدة على أنه "نظراً لسجل النظام، فهذه ليست بيئة مناسبة لتقييم الاستجابة أو إمكانية إساءة الاستخدام، النقدية والمادية، لمشاريع الأمم المتحدة".
ووفق الباحثة في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، فإن "المشكلة قديمة، وقد قدمت الأمم المتحدة تنازلات منذ أكثر من عقد بشأن التعاقد والمساعدات لم يتم تقييمها"، مشيرة على أنه "كحد أدنى، يجب أن تمتلك وكالات الأمم المتحدة المواد اللازمة لإجراء تحليل سياقي محايد من أجل البرمجة وتحليل المخاطر لمشاريعها، وأن تطور آليات ردود فعل أكثر أماناً للمستفيدين لتحديد الانتهاكات".