نشرت قناة "الجزيرة" تحقيقاً استقصائياً، سلطت فيه الضوء على المساعدات الإنسانية التي ترسلها المنظمات الدولية للشعب السوري، ويتم توزيعها عبر منظمة "الهلال الأحمر العربي السوري" في مناطق سيطرة نظام الأسد، أو عبر منظمات ممثلة لها في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
وبينما من المفترض أن توزع هذه المساعدات مجاناً للمحتاجين الذين تقدر أعدادهم بالملايين، إلا أن جزءاً مهماً منها يجد طريقه إلى الأسواق والمحلات التجارية، من خلال سماسرة ووسطاء وتجار كبار، عبر موظفين فاسدين في بعض هذه المنظمات، احترفوا سرقة المساعدات الإنسانية والتكسب منها.
ويكشف التحقيق، الذي أنجزه الصحفي عبد الغني العريان، بين تموز وتشرين الأول الماضي، كيف تتم السمسرة بالمساعدات الإنسانية ويساء توزيعها، وكيف تتنوع أساليب التجارة بها في جميع المحافظات السورية، حيث يكون موظفو الخدمات التي تورّد تلك المساعدات المنهوبة هي الرابح الأكبر على حساب من هم بحاجة إليها من الذين وجّهت لهم أصلاً.
وأكد التحقيق، عبر مستندات ووثائق وشهادات صوتية، أن بعض العاملين في الفرق الإغاثية يقومون ببيع السلال الإغاثية، كما يقوم بعض الموظفين المتعاونين مع منظمات وجمعيات خيرية يستولون على جزء من المساعدات ويتجارون بها.
وقال أحد التجار الذين يشترون المساعدات الإنسانية، إنه كان يشتري الحصص الإغاثية من أحد موظفي "الهلال الأحمر" في مدينة حماة، والذي يدعي أنه يحصل عليها كتعويض عن راتبه الشهري المنقطع منذ أشهر، لتبرير ما يقوم به ولدرء الشكوك.
وأظهرت الوثائق التي نشرت في التحقيق، تكراراً متعمداً لعدد من الأسماء ضمن بند المستلمين، إذ يقوم الموظفون المسؤولون عن عملية التوزيع ومراقب المراكز لاحقاً بتقاسم الحصص الفائضة بفعل الأسماء المكررة، فضلاً عن وثيقة تظهر إيصالاً موقعاً من رئيس فرع حماة يأمر بتسليم إحدى المنظمات 16 عشر حصة إغاثية لتقوم بتوزيعها بمعرفتها.
حيلة الإتلاف المتعمد
في إدلب، أوضح التحقيق أن منظمة "الهدف" الإيرلندية تتعمد الإضرار بعدد من الحصص الإغاثية، لبيعها من المستودع بشكل سري مع الحصص التالفة أصلاً، وأكدت شهادات لتجار وباعة عن شرائهم حصص إغاثية من موظفين في المنظمة قاموا بإتلاف هذه الحصص بموجب محاضر رسمية.
كما يتعمد بعض الموظفين في المنظمة إتلاف بعض الحصص عن طريق رميها في القمامة، ومن ثم إعادة جمعها وبيعها للتجار، بحجة أنها متلفة من قبل المنظمة.
وتوجه معد التحقيق مع المنظمة الإيرلندية لسؤالها حول الأمر، لترد أنها تحقق في الأمر، لكنها أجابت بعد مراسلات عدة أنها لم تجد ما يثبت حصول تلك التجاوزات.
السلع الإغاثية تغزو الأسواق
نتشر في مدينة حماة بسطات بيع المواد الإغاثية، مثل الزيت والبرغل والحمص والعدس وغيرها، وجميعها تحمل شعار برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP).
وفي مدينة إدلب، تباع المواد الإغاثية في المحلات وعلى البسطات ولدى الباعة المتجولين علنا ودون رقابة أو مساءلة، وتتعدد أشكال الحصص الغذائية بحسب المنظمات التي تقوم بعملية التوزيع في كل منطقة.
وبحسب معلومات التحقيق، فإن أكبر عدد من الحصص الغذائية المعروضة للبيع في أسواق محافظة إدلب هي التابعة لمنظمة "الهدف" الإيرلندية، وكذلك منظمة "رحمة" الأميركية.
كما تباع هذه السلع في ريف حلب، في عدد كبير من المحال التجارية، فضلاً عن تجمع التجار قرب مراكز توزيع المساعدات الإنسانية لشراء الحصص من المستفيدين عقب خروجهم منها.
وتنتشر في الأسواق السورية شبكة ضخمة من التجار لبيع المساعدات الغذائية الإنسانية بعد شرائها من النازحين أو موظفي المنظمات الإغاثية، ليتم طرحها في الأسواق لاحقاً.
وبحسب بيانات الأمم المتحدة، فإن أكثر من 9.3 ملايين شخص في سوريا يفتقرون إلى الغذاء الكافي، حيث حذرت من مواجهة أزمة غذاء غير مسبوقة في البلاد، خاصة بعد تفشي فيروس كورونا فيها.
وتشير التقديرات إلى وجود أكثر من 6.7 ملايين لاجئ ومهجر داخلياً، أغلبهم موزعون على منطقتي إدلب وريف حلب الشمالي الخاضعتين لسيطرة المعارضة، حيث يقطنون في مخيمات يبلغ عددها نحو 1304 مخيماً، بينها 393 مخيماً عشوائياً، وفق إحصائيات "فريق منسقو استجابة سوريا".
اقرأ أيضا: كيف تتدفق أموال المساعدات الأممية إلى سوريا على أسماء الأسد؟