بعد اقتران اسمه لعقود طويلة بـ مكتب "الرئاسة" في أذهان السوريين لدرجة أن كلمته صارت توازي كلمة رئيس النظام؛ استيقظ السوريون صباح اليوم الأحد على نبأ وفاة "أبو سليم دعبول" مدير مكتب "رئاسة الجمهورية" في سوريا.
ونعت صفحة "رئاسة الجمهورية العربية السورية" على فيس بوك، مدير مكتبها محمد ديب دعبول المعروف بـ(أبو سليم دعبول) الذي توفي في إحدى مستشفيات دمشق عن عمر ناهز الـ86 عاماً. وسيشيع جثمانه اليوم الأحد في مسقط رأسه، مدينة دير عطية، بحسب ما أعلن نجله "سليم دعبول".
كما نعته العديد من المواقع والصفحات الموالية بوصفه "أمين أسرار" حافظ الأسد وابنه بشار طيلة فترة حكمهما سوريا.
وكان دعبول قد قضى زهاء 5 عقود في خدمة الأسدين الأب والابن. وخلال تلك المدة أشرف عبر إدارته مكتب "رئاسة الجمهورية" على توجيه وتنفيذ أوامر الأب والابن داخل مختلف مؤسسات النظام ومتابعة آليات تنفيذها بدقة، حتى بات يصفه بعضهم بـ "مفتاح القصر الجمهوري" لكونه "الممرّ" الوحيد لنقل الطلبات -الخاصة والعامة- إلى مكتب رئيس النظام وتلقي الردود والأوامر من الأخير.
بعضهم الآخر لقّب دعبول بـ "صندوق حافظ الأسد الأسود" و"خازن أسرار عائلة الأسد"، بالإضافة إلى ألقاب عديدة أخرى لم يحظَ بها أشخاص مقرّبون من الأسد وعائلته أو من أفراد دائرته الضيقة.
إلا أن الفترة الذهبية لـ "أبو سليم" والأكثر تمكّناً، كانت في عهد حكم حافظ الأسد الذي وثق به بشدّة وكلفه إدارةَ العديد من المهام الاستثنائية داخل البلاد، وخصوصاً في تمتين العلاقات مع كبار رجال المال والأعمال وضباط الأمن. ما مهّد له ومكّنه من الاستمرار في إدارة مكتب "الرئاسة" خلال تسلّم بشار الأسد أيضاً.
وفي وقت سابق من العام الحالي، أصدر بشار الأسد مرسوماً منح فيه دعبول "وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة". وبحسب ما جاء في نصّ المرسوم رقم 146 لعام 2021، مُنح دعبول وسام الاستحقاق هذا "تقديرًا لخدماته البارزة في مجال الإدارة والوظيفة العامة".
"محمد ديب دعبول أبو سليم".. البدايات وجمع الثروة
ولد دعبول في مدينة دير عطية (90 كم شمالي ريف دمشق) بمنطقة القلمون، عام 1935، من أسرة فقيرة الحال ما لبثت أن صارت فجأة من أكثر عائلات سوريا ثراء بعد تسلّم أبو سليم إدارة مكتب حافظ الأسد منذ بداية وصوله إلى السلطة في سوريا.
فبحكم منصبه وامتلاكه "المفاتيح"، صار أبو سليم مقصد تجار ورجال الأعمال في سوريا وخاصة في مدينتي دمشق وحلب، وكانت حصّته محفوظة من أي مشروع أو ترخيص يحصل على موافقة "القصر"، سواءً كشريك أو لقاء مبلغ مالي متّفَق عليه سلفاً مع صاحب صاحب الحاجة.
ومن تلك الأعمال التي يُضاف إليها إدارة أموال آل الأسد ومخلوف، جاءت ثروة أبو سليم دعبول الطائلة التي شاركه بها ابنه البكر "سليم" ثم ورثها عنه.
وعلى غرار ثروات كبار شخصيات النظام، يبقى الرقم الدقيق للثروة التي أدارها وورثها سليم دعبول عن أبيه، مجهولاً وغير متاح للعلن. إلا أن بعض المصادر الحقوقية أشارت إلى امتلاك/ مشاركة دعبول ما يزيد على 25 شركة كبيرة أو فروع عنها، ومن أهم تلك الشركات والمناصب التي يحتلها فيها:
رئيس مجلس إدارة شركة "النبراس". شريك مؤسس في شركة "ذرى" المساهمة المغفلة القابضة الخاصة، شريك مؤسس في شركة "الضيافة" ورئيس مجلس المديرين فيها. مالك لشركة "سنير" المساهمة المغفلة الخاصة. رئيس مجلس الأعمال السوري - التشيكي.
آل دعبول وحكاية جامعة "القلمون"
ولعل من أهم المشاريع المُدارة من آل دعبول هي جامعة "القلمون" الخاصة التي تعد أولى الجامعات الخاصة في سوريا، وأغناها وأكبرها على الإطلاق، حيث يرأسها سليم ويمتلك الحصة الأكبر فيها.
أسست هذه الجامعة حين أقنع أبو سليم دعبول رئيسه بشار الأسد بفكرة إنشاء الجامعات الخاصة التي ستدرّ عليه المليارات. فراح الأخير يمنح تراخيص افتتاح جامعات خاصة في سوريا، وبالطبع كان أولها مشروع "جامعة "القلمون".
أوعز أبو سليم لابنه باختيار مكان الجامعة وإنشائها، فعثر الأخير على أراض يمتلكها بعض الأهالي في جنوبي مدينة دير عطية، واشتراها منهم بمبالغ بخسة وشرع ببناء الجامعة (عام 2002) بتمويل من رئيس النظام ومجموعة من أثرياء حلقته الضيقة أمثال رامي وأخيه حافظ.
وتزامن افتتاح الجامعة (2003) مع ارتفاع معدلات القبول في الجامعات الحكومية -وخصوصاً ضمن الفروع الطبية والهندسية- لتصل إلى مستويات تعجيزية يصعب على طلاب الشهادة الثانوية العاديون الحصول على درجاتها، ما دفع بالكثيرين منهم إلى التسجيل في جامعة القلمون الخاصة التي تضاعفت أقساطها خلال السنوات اللاحقة لتصل اليوم إلى أرقام تتراوح ما بين 6 ملايين ليرة سنوياً لدراسة الطب البشري و4-3 ملايين لدراسة طب الأسنان والصيدلة، ومليوني ليرة للفروع الهندسية وهلم جرّا.
ويدرس اليوم في جامعة القلمون كثير من أبناء مسؤولي النظام الذين يسجل معظمهم عبر المنح أو التسجيل المباشر دون النظر إلى معدلاتهم في شهادة الثانوية، حيث يتم تمويل منحهم من خلال الأقساط التي يدفعها الطلاب العاديون.
دعبول وفكرة إنشاء محافظة في القلمون
وذكر مركز "مع العدالة" أن سليم دعبول، اقترح في آذار من عام 2018، فكرة إنشاء محافظة جديدة في منطقة القلمون، تضم كلاً من مدن النبك ودير عطية وقارة ويبرود، وحاول عن طريق والده استصدار مرسوم جمهوري لتحقيق هذه الغاية، والتي تهدف إلى تشكيل هيئة قابضة في سوريا لإعادة إعمار المنطقة بعد تشريد أهلها وتهجيرهم، تضم هذه الهيئة كلاً من أبي سليم دعبول، وذو الهمة شاليش، ومحمد حمشو، وأشخاص مقربين من ماهر الأسد.
دعبول بعد الثورة.. تمويل خفيّ للشبيحة
ومن خلال الجامعة الخاصة وبقية الشركات التي امتلكها، بات دعبول مصدرًا رئيسًا من مصادر تمويل شبيحة النظام الذين روعوا أهالي مدن وبلدات القلمون، كالنبك وقارة ويبرود وجريجير والتل، وارتكبوا بحقهم أبشع المجازر.
كما فتح دعبول جميع منشآته التي يديرها في عموم مناطق القلمون وفي دير عطية -من بينها مبنى جامعة القلمون- لإيواء الشبيحة وقوات الأمن الذين قمعوا المتظاهرين والناشطين ولاحقوهم واعتقلوهم وصفّوا كثيرين منهم وبطشوا بأهلهم.
وفي خطوة استباقية لأي تغيير في النظام وسياسة البلاد، حصلت أسرة دعبول على جنسيات دول أجنبية. فسليم حاصل على الجنسية التشيكية وابنته "سليمى" على الجنسية الأميركية وابنه على الجنسية الفرنسية، كما نقلوا معظم أموالهم إلى بنوك في دول أوروبية عديدة.