تباينت الآراء والمواقف بشأن افتتاح "حكومة الإنقاذ" الذراع المدنية لـ"هيئة تحرير الشام" مبنى لوزارة الإعلام في محافظة إدلب خلال الفترة الماضية، بهدف ما سمته "تنظيم الفوضى، ونقل الإعلام من حالة العشوائية إلى حالة التنظيم".
منذ اللحظة الأولى للإعلان عن تشكيل الوزارة مطلع العام الجاري، لاقت الخطوة استهجان معظم الصحفيين في شمال غربي سوريا، كونها لم تُتخذ بالتنسيق أو التشاور مع الأجسام الإعلامية في المنطقة، كما تسلل القلق إلى نفوس كثير من الإعلاميين، بالنظر إلى تاريخ "تحرير الشام" الحافل في التضييق على الصحفيين ومحاسبتهم، لمجرد النقد على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويعمل مئات الصحفيين والإعلاميين في شمال غربي سوريا، ضمن ثلاثة أجسام إعلامية رئيسية، وهي "رابطة الإعلاميين السوريين" وينتشر معظم أفرادها في إدلب وريفها، و"اتحاد الإعلاميين السوريين"، ويتوزع أعضاؤه في ريف حلب الشمالي والشرقي، وإدلب، إضافة لـ "اتحاد إعلاميي حلب وريفها".
وتنشط هذه الأجسام منذ سنوات، وتمكنت مع مرور الوقت من كسب الخبرة وقطع شوط كبير في تسهيل عمل الإعلاميين، على اعتبار أنها صلة وصل بين الصحفي والمؤسسات الرسمية في المنطقة، إذ عملت على توقيع بروتوكولات تعاون مع المجالس المحلية والشرطة وعدد من الفصائل، تنص على التعاون مع الصحفيين والسماح لهم بالعمل بحرية طالما كانوا يحملون البطاقات الصحفية المعترف بها من كل جسم.
وزارة للإعلام في إدلب
أعلنت "حكومة الإنقاذ" في إدلب، عن تشكيل وزارة للإعلام في المنطقة، وافتتحت مبنى لها قبل أيام في مدينة إدلب، وخلال الافتتاح قال رئيس الحكومة "علي كده": "نظمنا هذه الفوضى إلى وضع الانضباط في العمل الإعلامي من خلال بوابة واحدة تحمل همّ الثورة وهمّ المحرر وتسير بالملف الإعلامي إلى ما يخدم الثورة ويكشف ويعري النظام المجرم ويكون بوابة للتواصل مع العالم الخارجي والانفتاح عليه وذلك بانطلاق العمل في وزارة الإعلام وفق هدف استراتيجي وبأسلوب أكاديمي للعمل الإعلامي"، وفق وصفه.
وأضاف "كده": "كان لا بد من نقل الإعلام من حالته العشوائية التي تسببت في كثير من الأحيان بالضرر غير المقصود بسبب عدم التنظيم واختلاف سياسة القنوات بحسب سياسات الدول إلى حالة من الانضباط والتنظيم، ونأمل ونهدف بانطلاق وزارة الإعلام أن يأخذ الإعلام دوره في بناء الإنسان وبناء المجتمع في كل مجالات الحياة الخدمية والاقتصادية والتعليمية والصحية وغيرها".
من جهته قال وزير الإعلام في حكومة الإنقاذ محمد العمر، إنّ "الوزارة رتبت بيتها الداخلي منذ انطلاقها، فاستحدثت الهيكلية والنظام الداخلي ومديرتي الشؤون الصحفية وإعلام الجهات، بالإضافة إلى دائرة العلاقات العامة ودائرة الدعاية والإعلان، كما استحدثت دائرتي التسويق والتخطيط ورسمت السياسيات الإعلامية لوزارات الحكومة، واليوم تعلن عن انتهاء مرحلة التأسيس، والبدء بمرحلة جديدة من العمل المؤسساتي على أسس وقواعد مهنية ووفقا للقوانين الناظمة في هذا المجال وبالتعاون مع الإعلاميين الأحرار في داخل المحرر وخارجه، بما يخدم الثورة وقضاياها"، على حد وصفه.
متى أُنشئت الوزارة؟
في مطلع العام الجاري، أعلن رئيس حكومة الإنقاذ علي كده عن تشكيلة حكومته وتوزيع الحقائب الوزارية للدورة السادسة للحكومة، وعلى الرغم من أن التشكيلة الوزارية الجديدة اقتصرت على استبدال ثلاثة وزراء فقط هم وزير الإدارة المحلية والخدمات، إضافة إلى وزيري التربية والعدل، إلا أن التشكيلة الوزارية الجديدة شهدت إضافة وزارة جديدة إلى الوزارات العشر، وهي وزارة الإعلام، وعيّن محمد العمر وزيراً لها، علماً انه لم يكن معروفاً في الأوساط الإعلامية من قبل.
ومحمد العمر من مواليد 1992 وهو الابن الأكبر للشيخ يعقوب العمر القاضي الشهير في "جبهة النصرة"، الذي تعرض للاغتيال بعبوة ناسفة مطلع آب 2014 قضى برفقته أحد أطفاله، في بلدته خان السبل بريف إدلب.
مصادر موقع تلفزيون سوريا ذكرت في وقت سابق أن محمد العمر أحد ركائز الإعلام التي يستند إليها زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، وعمل لسنوات في كثير من المواقع المهمة من دون أن يظهر إلى الواجهة.
وكانت انطلاقة محمد العمر في المجال الإعلامي مع "المنارة البيضاء" المنبر الإعلامي لجبهة النصرة، ومن ثم في "وكالة إباء"، و"شبكة أمجاد"، وكان له دور فعال في إنتاج المحتوى المرئي الخاص بهيئة تحرير الشام، كما كان له دور كبير في تأسيس الإعلام الرسمي لحكومة الإنقاذ المتمثل في "وكالة أنباء الشام"، والإعلام الرديف المتمثل في شركة "creative inspection - المبدعون السوريون" الخاصة، فضلاً عن دوره الكبير في تأسيس المديرية العامة للإعلام مطلع 2019 والتي تعتبر أبرز أدوات التضييق على الناشطين والعاملين في الحقل الإعلامي في إدلب.
وفي شهر أيلول من العام الجاري، أعلنت الوزارة عن بدء استقبال طلبات الترخيص القانوني للمؤسسات الإعلامية والإعلانية في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" شمال غربي سوريا، قائلة إن "الهدف الرئيسي من التراخيص تسهيل وتنظيم العمل الإعلامي في المناطق المحررة"، دون أن تفصح الوزارة عن الشروط أو الآليات للحصول على تلك التراخيص.
وزارة إعلام بصلاحيات فرع أمن
بعد أيام قليلة من افتتاح مبنى وزارة الإعلام في إدلب، اعتقلت "هيئة تحرير الشام" الصحفي "عدنان الإمام" على حاجز الغزاوية بريف حلب، في أثناء عودته من الجامعة بمدينة اعزاز شمالي حلب، باتجاه إدلب.
وذكرت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا، أن اعتقال "الإمام" سبقه تهديدات له من وزارة الإعلام باللجوء إلى "جهاز الأمن العام" لاعتقاله بحجج مختلفة، وعند اعتقاله في الغزاوية، جرى إجباره على توقيع تعهد بعدم ممارسة العمل الإعلامي، فضلاً عن انتهاك خصوصيته من خلال تفتيش هاتفه الشخصي، إذ أجبروه أيضاً على فتح الهاتف تحت تهديدات بتحويله إلى سجن حارم.
وقال رئيس اتحاد الإعلاميين السوريين، جلال التلاوي، إنّ وزارة الإعلام في "حكومة الإنقاذ تحوّلت إلى فرع أمن، وتتمتع بصلاحيات جهاز أمني في إدلب، حيث عممت اسم أحد الصحفيين العاملين في الاتحاد (عدنان الإمام)، على الحواجز التابعة لـ هيئة تحرير الشام بهدف اعتقاله بطريقة مهينة".
وأضاف التلاوي في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "بعد إلقاء القبض عليه في منطقة الغزاوية، تعمد المسؤولون في الوزارة عدم الرد على الاتصالات والاستفسارات حول سلامة الصحفي المحتجز، ووجهوا له عدة تهم غير صحيحة، لتكون مجرد حجة للاعتقال".
وبحسب رئيس اتحاد الإعلاميين السوريين "استمر الضغط على الصحفي، حتى أجبروه على توقيع تعهد بعدم ممارسة العمل الإعلامي، إذ اشترط جهاز الأمن العام التوقيع لإطلاق سراحه".
ووصف التلاوي الحادث بـ"المخيف"، ويعتبر "رسالة لترهيب بقية الإعلاميين وردعهم عن أي عمل إعلامي أو بوست على وسائل التواصل الاجتماعي ينتقد أو يدعو إلى إصلاح الواقع الإعلامي في شمال غربي سوريا".
ما موقف الأجسام الإعلامية من الوزارة؟
نفت الأجسام الإعلامية العاملة في شمال غربي سوريا علاقتها بـ وزارة الإعلام في حكومة الإنقاذ، كما أكدت أنها لم تحضر افتتاح مبنى الوزارة قبل أيام في مدينة إدلب.
وفي سياق حديثه عن دوافع تشكيل الوزارة، قال رئيس اتحاد الإعلاميين السوريين، جلال التلاوي: "أنشئت الوزارة كأمر واقع دون استشارة الإعلاميين، كما جرى التضييق على الإعلاميين، عبر فرض ترخيص على الوكالات، وعدم ممارسة العمل الإعلامي دون الحصول على بطاقة من الذراع الإعلامي لهيئة تحرير الشام، وكل ذلك كان بوادر تضييق، إلى أن اكتملت العملية بإنشاء وزارة للإعلام".
وحول العلاقة بالوزارة، تابع التلاوي: "بالنسبة لنا في اتحاد الإعلاميين السوريين، نرى أن إنشاء الوزارة في الظروف الراهنة، بوابة للتضييق على العمل الإعلامي، وتسييسه لخدمة حكومة الإنقاذ ومن خلفها هيئة تحرير الشام، حيث إن هناك اعتقالات طالت أشخاصا لمجرد انتقاد هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ وجهاز الأمن العام، بذريعة خرق بنود قانونية.. نحن ضد الفكرة، ولم يتم دعوتنا أو استشارتنا في اتحاد الإعلاميين السوريين، وحتى لو تمت دعوتنا، لم نكن لنحضر، لأننا ضد الفكرة من أصلها".
وبحسب المتحدث، فقد "أصبح الهم الشاغل لحكومة الإنقاذ وهيئة تحرير الشام، مراقبة الإعلاميين وما ينشرون، والضغط عليهم وعلى ذويهم لمجرد نقلهم هموم الناس وتسليطهم الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها السكان".
بدوره قال رئيس رابطة الإعلاميين السوريين، عمر حاج أحمد: "بالنسبة لموقع الرابطة من تشكيل وزارة الإعلام، نحن كرابطة عملنا على تنظيم وتدريب ومتابعة شؤون الصحفيين والإعلاميين، ولا علاقة لنا بأي دور تقوم به الوزارة، رغم رأينا الواضح بأن الإعلام لا يحتاج إلى وزارات وإنما لمنظمات ومؤسسات تهتم بشؤون الصحفيين"، مضيفاً أن "أي عمل إعلامي وصحفي يؤطَر بحكومة سيكون مقيّداً بعدة نواحٍ، منها التبعية الحكومية أو ضعف الحصول على المعلومة".
قرارات بمنأى عن الأجسام الإعلامية
وأردف "حاج أحمد" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا "بالنسبة لعمل الجهات الحكومية في تسيير العمل الإعلامي، بصراحة لم نلحظ فوارق كبيرة عندما كانت تلك الجهة تحت مسمى مديرية الإعلام أو عندما أصبحت وزارة إعلام، فالعمل تقريباً ذاته من حيث بعض الأمور التنظيمية وتسهيل العمل في عدة مواطن".
وبالنسبة لعمل الوزارة أو الحكومة وإصدار قراراتها، فقد ذكر أن القرارات "تُتخذ بمنأى عن عمل الأجسام الإعلامية ومن دون تشاور مسبق بكل القوانين، وإنما ربما يكون هناك أحيانا تداول وتشاور ببعض الإجراءات التي تسهّل العمل الإعلامي وليس تعقيده".
ويرى رئيس رابطة الإعلاميين السوريين أن "تأطير العمل الإعلامي في حكومة أو مؤسسة حكومية لا يخدم الإعلام بالعموم"، مضيفاً "لكن نحن نتمنى أن يكون هذا التأطير لتسهيل عمل الإعلاميين وحرية الرأي والتعبير، وألا يكون عكس ذلك".
وختم "حاج أحمد" بالقول: "الفوضى الإعلامية لا يمكن لوزارة أن تُنهيها لأنها باتت ثقافة عند بعض الإعلاميين، وهذه الأمور تحتاج إلى أخلاقيات ومواثيق تضبطها أكثر من الإجراءات التنفيذية، وللأسف بات الواقع الإعلامي أقل من المأمول وأهشّ مما كان عليه، لعدة أسباب منها قلة الوعي وضعف الخبرة المهنية وعدم فهم معنى الإعلام المهني أو الثوري".
"تحرير الشام" تضيّق على الصحفيين
وفي وقت سابق، قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إنّ "هيئة تحرير الشام ضيّقت على عمل المواطنين الصحفيين في مناطق سيطرتها وقتلت واعتقلت من شعرت أنه يشكل تهديداً لفكرها ونهجها المتطرف".
وسجلت الشبكة اعتقال قوات الهيئة للعشرات من المواطنين الصحفيين على "خلفية نشرهم منشورات تعارض سياستها أو على خلفية مزاولة نشاطهم دون الحصول على إذن؛ فضلاً عن تسجيل إصابة عشرات منهم برصاص قواتها بينما كانوا يعملون على تغطية إعلامية لاحتجاجات مناهضة لها ما تسبب في اعتزال أو نزوح عدد كبير منهم".
ووفق الشبكة، مارست الهيئة "مزيداً من الرقابة والتشديد عبر إجبار الصحفيين على الحصول على بطاقة صحفية لمزاولة عملهم، حيث يتطلب الحصول عليها تقديم طلب إلى مكتب العلاقات الإعلامية في حكومة الإنقاذ مرفقاً بمعلومات تفصيلية عن مُقدِّمه وعن عمله، ولدى استلام هذه البطاقة (بعد مدة قد تصل إلى شهرين)، يتعهد بالالتزام بعدد من الشروط، منها الامتناع عن التصوير باستخدام الطائرات المسيرة في المناطق الخاضعة لسيطرة الهيئة دون تصريح وتوضيح عن طبيعة المادة التي يعمل عليها والجهة التي سيتم تقديمها إليها.