icon
التغطية الحية

واشنطن بوست: النزعة العنصرية تتصاعد ضد اللاجئين في تركيا

2022.08.22 | 14:56 دمشق

الشرطة التركية تستخدم الغاز المسيل للدموع لتفريق من قاموا بتدمير محال السوريين وممتلكاتهم في ألتنداغ بأنقرة في آب 2021
الشرطة التركية تستخدم الغاز المسيل للدموع لتفريق من قاموا بتدمير محال السوريين وممتلكاتهم في ألتنداغ بأنقرة في آب 2021
واشنطن بوست - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في أحد أحياء أنقرة المعروفة تبخر جميع اللاجئين من ذلك الحي دفعة واحدة خلال الأسبوع الماضي، حيث أغلقوا محالهم وهرعوا إلى الشوارع. حدث ذلك في الذكرى السنوية لوقوع اضطراب نفذته مجموعة معادية للسوريين، إلا أن السلطات حذرت السوريين وأعلنت أنه من الأفضل بالنسبة للاجئين أن يتواروا عن الأنظار.

بدأ العنف خلال شهر آب من السنة الماضية، عندما اتُهم شاب سوري بتوجيه طعنات قاتلة لشاب تركي يدعى إيميرهان يالجين، وذلك خلال شجار نشب في منطقة ألتنداغ بأنقرة. إلا أن عصابات نزلت إلى ذلك الحي، وأخذت تعمل بمتاجر وبيوت وسيارات السوريين نهباً وتدميراً، في فورة غضب صادمة نظراً لشدتها ومكان وقوعها على أطراف العاصمة التركية.

يقول أبو حذيفة، وهو ناشط سوري من سكان تلك المنطقة: "لقد تعرض هؤلاء لعمليات غسل دماغ" ويخبرنا بأنهم هددوه بالضرب في حال مراقبته لأعمال الشغب من شرفة بيته. ولكن بالنسبة للسوريين في مختلف أرجاء تركيا، كانت فورة الغضب تلك التي انطلقت من ألتنداغ بمثابة تحذير حول اقتراب موسم كره الأجانب الذي أينع وحان قطافه.

تسببت موجة المشاعر المعادية للمهاجرين خلال السنة الماضية في تركيا بالعديد من الاعتداءات التي راح ضحيتها لاجئون، إلى جانب حالات تهجم غوغائية على الأحياء التي يقطنها مهاجرون، وفي ذلك تحول خطير بالنسبة لتركيا التي لطالما افتخرت باستقبالها للسوريين على مدى فترة طويلة من الزمان، حتى صارت تؤوي اليوم ما لا يقل عن أربعة ملايين لاجئ وطالب لجوء، لتصبح الدولة الأولى على مستوى العالم في إيواء اللاجئين.

غير أن موجة الغضب تلك نشأت بسبب ضيق ذرع عامة الشعب التركي من الأزمة الاقتصادية التي ساءت أكثر فأكثر، إلى جانب تزعزع استقرار البلاد بسبب مزاعم ترى أن المهاجرين يغيرون هوية تركيا، وقد هيج السياسيون تلك الموجة عبر خطابهم المستفز والعنصري الذي استثمر في حالة الخوف. وبذلك أصبحت تركيا آخر دولة أوروبية تعاني من تصاعد السياسات المعادية للهجرة، إلا أن اللاجئين في تركيا يتعرضون أيضاً لضغوطات دائمة بسبب النزعة المعادية للمهاجرين بسبب عرقهم والتي تفضل بعض المهاجرين، كهؤلاء القادمين من دول البلقان، على غيرهم، لاسيما من أتوا من دول الشرق الأوسط.

تقول أصلي آيدنتاشباش وهي عضوة رفيعة لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن تركيا: "تتأرجح في الاتجاه القومي على جميع الأصعدة".

 

الرئيس التركي يستقبل أطفال اللاجئين في عام 2015

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستقبل أطفال اللاجئين في قصره الرئاسي في كانون الثاني 2015

 

يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي سمح لملايين السوريين بالقدوم إلى تركيا، الرد على ذلك الغضب الشعبي، ولذلك تراوح حكومته ما بين الدفاع عن المهاجرين وبين سن قوانين جديدة للحد من مدى ظهورهم، وبما أنه سيخضع لجولة انتخابية حاسمة خلال العام المقبل، لذا تعهد أردوغان بإعادة مليون سوري إلى بلدهم، في سياسة اعتبرها البعض غير قابلة للتطبيق.

أما المخاوف بين صفوف السوريين على كلا جانبي الحدود تجاه اتخاذ خطوات جدية بشكل أكبر فقد أصبحت كثيرة ومتنوعة، وذلك لأن أنقرة قد تعيد إحياء علاقاتها التي انقطعت منذ زمن مع بشار الأسد، بما أن ذلك لابد أن يرضي القوميين الأتراك الذين يرون في تأييد أردوغان للمعارضة السورية عنصراً من العناصر التي أسهمت في حدوث أزمة اللجوء.

زادت النقمة تجاه الأجانب خلال السنوات الماضية، لتصل ذروتها في الصيف الفائت مع وصول موجة جديدة من اللاجئين الأفغان إلى الحدود التركية. ولذلك صنفت استطلاعات الرأي اليوم قضية الهجرة على أنها أول أو ثاني مشكلة طارئة وحساسة بالنسبة للشعب التركي.

أما السياسي أوميت أوزداغ المتطرف بقوميته فقد وضع نفسه في عين العاصفة، وذلك عبر تضخيمه ومبالغته  لأي جدل أو نقاش يتناول المهاجرين، إلى جانب اختلاقه لحالات جدل جديدة وذلك عبر تجوله في أرجاء البلد بهدف الترويج لحزبه السياسي الجديد المعادي للمهاجرين.

ولهذا يتذكر الأهالي كيف ظهر في ألتنداغ بعيد اندلاع حالة العنف بفترة قصيرة، وأخذ يستعرض عبر نشر صورة لحقيبة سفر فارغة في تحذير موجه للسوريين وذلك عندما كتب معلقاً على تلك الصورة عبر حسابه على تويتر: "حان الآن وقت الرحيل".

 

أوميت أوزداغ

أوميت أوزداغ زعيم حزب النصر القومي وهو يتحدث إلى الصحافة من أنقرة في 6 أيار

فورة أشبه بكابوس

يخبرنا الناشط السوري أبو حذيفة الذي طلب أن يشار إليه باسمه الحركي لدواع أمنية، أنه تلقى آلاف الرسائل في تلك الليلة التي حدثت فيها حالة فورة وهياج بمنطقة ألتنداغ وكانت تلك الرسائل مفعمة بالخوف تماماً كالذي سمع عنه أبو حذيفة في محافظة إدلب السورية خلال فترة الحرب.

إذ أخبرته امرأة بأنها أحست بخوف شديد لدرجة أنها كادت أن تبول على نفسها، ويعلق أبو حذيفة على ذلك بقوله: "لم أتوقع أن أرى كل ذلك، إذ في كل مبنى، يوجد أتراك وسوريون، أي إننا جيران".

أما اليوم، فقد استحالت بعض الأبنية في ذلك الحي إلى ركام ضمن ما أطلقت عليه الحكومة مشروع التحسين المخطط له منذ أمد بعيد، إلا أن السوريين يخشون أن يكون ذلك جزءاً من الجهود الساعية لنقلهم من الحي، ذلك الحي الذي صار يسمى "حلب الثانية".

خلال العام المنصرم، غادر نصف اللاجئين السوريين البالغ عددهم 60 ألفاً، ذلك الحي الذي كانوا يقيمون فيه بحسب ما أخبرنا أبو حذيفة.

في متجر يملكه تركي، كان صاحب المكان يصلح جهاز حاسوب عندما دخل عليه سوريان اثنان برفقة التركي كمال إيبك الذي يدير مكتباً عقارياً، وعندها تحول الحديث لمناقشة موضوع الهجرة بالتركية.

يعلق أحمد، وهو لاجئ في السابعة والعشرين من العمر قدم من حلب إلى تركيا في عام 2016: "كل إنسان يحب بلده، إلا أن الظروف سيئة هناك، ثم إنني أرغب بالعودة حقاً".

غير أن إيبك لم يقتنع بكلامه، ولهذا قال: "أعرف شخصاً اسمه محمد حيدر، وهو سوري، سافر إلى سوريا وهو هناك الآن يقضي إجازته، حيث أمضى ستة أشهر هناك، أي بقي هناك لمدة ستة أشهر"، وقد كرر عبارته الأخيرة ليؤكد على فكرته وهي أن سوريا ليست مكاناً خطيراً كما يزعم اللاجئون.

 

 

سيارة شرطة تركية تصل إلى ألتنداغ

سيارة شرطة تصل إلى موقع الاضطرابات التي اندلعت في ألتنداغ بأنقرة في آب 2021

غضب قومي

يرى السياسي أوزداغ المعادي للهجرة، في كل من ينتقد سياسات أردوغان جمهوراً من الناخبين الذين يمكن أن يعطوا أصواتهم لحزبه الجديد: حزب النصر، ولهذا يركز في خطابه على الرئيس التركي الذي يتهمه بخلق أزمة "هوية قومية"، إلا أن اللاجئين يحتلون بؤرة اهتمامه واستهدافه حيث يصف وجودهم بمفردات منها "الغزو"، إذ ذكر في مقابلة أجريت معه مؤخراً أن المهاجرين خلقوا: "أزمة وجودية عميقة بالنسبة للشعب والدولة التركية"، أما منشوراته على تويتر فهي عبارة عن فيض من الحنق القومي، إذ تشتمل على منشورات توثق هجمات يزعم أنها حدثت على يد مهاجرين أو أموراً يعتبرها بمثابة استسلام وتنازل لصالح الأجانب، مثل أي لافتة كتبت بالعربية بدل التركية، ويشدد على أن حزبه يمثل "المخرج الوحيد المتبقي أمام تركيا قبل أن تصل إلى حافة الانهيار"، ويضيف: "لا يمكنكم أن تدمجوا أكثر من خمسة ملايين عربي في تركيا"، وعندما سئل عن قيامه بتأجيج المشاعر التي ترى في المهاجرين خطراً يتهدد البلاد، اعترض على ذلك وأكد أن تلك المشاعر غير منتشرة في بلاده أصلاً، وقال: "هنالك غضب كبير في الشوارع وهذا لم تعبر عنه السياسة، مما يزيد من خطر العنف، إلا أننا نسيطر على ذلك الغضب حالياً".

يقول جان سلجوقي وهو مدير وكالة Turkiye Raporu التي تجري استطلاعات رأي أن الانتخابات الأخيرة أظهرت: "تنامياً في الحس القومي العلماني في تركيا"، ويشمل ذلك المشاعر المعادية للهجرة. بيد أن الأحزاب السياسية الموجودة قاومت فكرة الاستثمار في ذلك الغضب لفترة طويلة، لكونها تدرك خطره في إذكاء الحنق الشعبي في الوقت الذي يترنح فيه الاقتصاد في البلاد.

فقد قفز التضخم بنسبة 80% خلال شهر تموز بحسب الأرقام الرسمية، فأصبحت تركيا تعاني في تأمين السلع الأساسية، في الوقت الذي انتشرت فيه قصص وحكايات عن دعم الحكومة للاجئين مالياً، معظمها غير حقيقية، إلا أنها استرعت اهتمام العامة.

وحول ذلك يعلق سلجوقي بالقول: "احتل أوميت أوزداغ المشهد بخطابه الشعبوي، واستطاع الاستئثار بحالة الغضب حول تلك المسألة، على الرغم من أنها موجودة قبله، لكنه هو من أوصلها إلى حالة الغليان".

على الرغم من أنه بقي سياسياً قليل الشأن نسبياً، بما أن نسبة ضئيلة من الناس تدعمه وتؤيده، إلا أنه وجد من يؤيد أفكاره في تركيا، حتى في الأماكن التي لا يوجد فيها سوى عدد قليل من اللاجئين حسبما ذكر سلجوقي الذي أضاف أن نصف مؤيدي أوزداغ هم من المراهقين الذين أصبح بوسعهم أن يدلوا بأصواتهم للمرة الأولى بحياتهم.

يقول هوارد إيسينستيت، أستاذ التاريخ بجامعة سانت لورانس إن الشعب التركي عندما يفكر "بالعلاقات الأخوية، فإنه يفكر بالمسلمين في الإمبراطورية الروسية، في دول البلقان، أي إنه لا يفكر أصلاً بالمسلمين القادمين من الشرق الأوسط الذي كان عثمانياً".

ترى يلدز أونين، الناطقة الرسمية باسم منصة كلنا لاجئون، بأن أوزداغ لا يمكن أن يلام وحده على تأجيج مشاعر الخوف من الغريب، وذلك لأن الحكومة تقاعست عن مكافحة المعلومات المغلوطة التي انتشرت في تركيا حول المهاجرين وتلقيهم لمزايا سخية من قبل الدولة التركية، وبالنتيجة، "أصبح أشخاص يعادون المهاجرين، وأصفهم شخصياً بالعنصريين، أشد نفوذاً وقوة، بعدما شرعوا بتنظيم أنفسهم".

 

لاجئتان في أنقرة

لاجئتان تسيران برفقة أولادهما في أحد شوارع أنقرة

تراجع حالة التضامن

خلال السنوات الأولى للحرب السورية "كان هنالك إحساس أكبر من التضامن والتعاطف" برأي آيدنتاشباش، وذلك لأن الأتراك وقتها فتحوا بيوتهم للسوريين المكلومين، في الوقت الذي بذلت فيه حكومات دول أوروبية كل ما لديها لمنع وصولهم إلى حدودها، وكان من بين ما بذلته من جهود اتفاقية عام 2016 التي اشترطت إبقاءهم بعيداً عنها، مقابل منح تركيا ستة مليارات يورو كمساعدات (أي ما يعادل 6.6 مليارات دولار).

تعلق آيدنتاشباش على ذلك بقولها: "إن الحقيقة هي أن سوريا ماتزال غير آمنة أمام عودة اللاجئين، أي إن على تركيا أن تتعايش مع فكرة بقاء اللاجئين السوريين لديها، وتلك هي الحقيقة التي تسعى الحكومة جاهدة لإخفائها".

يرى مصطفى ميناوي وهو أستاذ التاريخ بجامعة كورنيل ومؤلف كتاب سيصدر قريباً حول العثمانيين العرب في اسطنبول أواخر القرن التاسع عشر، أن العوامل التي ساعدت على ظهور هذا المناخ حالياً: "قد تكون اقتصادية وسياسية، إلا أن الأداة المستخدمة هي الهوية الثقافية"، وذلك لأن العرب يشار إليهم بالخونة مثلاً في بعض الخطابات، ويعود أصل ذلك لماض سحيق، يرجع للثورة العربية ضد العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى، إلا أن الانتقادات اللاذعة ظهرت عبر التيارات المعاصرة اليمينية المعادية للمهاجرين، والتي أخذت تسيطر على أوروبا وغيرها من المناطق، ولهذا يقول ميناوي: "إن تركيا ليست منيعة تجاه كل هذا".

على الجانب الآخر من الاضطراب الذي وقع في ألتنداغ، ثمة مواطنون أتراك وقفوا بجانب جيرانهم المهاجرين، حيث قدموا لهم بيوتهم، وجلبوا لهم الطعام، بحسب ما ذكر أبو حذيفة. وعندما أخلى السوريون الحي بشكل مؤقت، دفع بعض أرباب العمل الأتراك للموظفين من اللاجئين رواتبهم كاملة غير منقوصة.

يخبرنا أبو حذيفة بأنه يخطط للبقاء في تركيا، كما أنه لا يشترك في أي تنظيم داخل جاليته، ولديه وظيفة في مجال الإعلانات، كما أن ابنتيه تدرسان في جامعة تركية، ويعلق على ذلك بقوله: "أمورنا بخير، وكل ما ينقصنا هو بعض الاستقرار".

 

المصدر: واشنطن بوست