حصل موقع "تلفزيون سوريا" على تفاصيل الخطة الأولية التي أعدتها الحكومة التركية لتشجيع مليون ونصف المليون سوري للعودة من تركيا طوعياً، وما تتضمنه الخطة من مزايا تشجيعية تزيد من رغبة أكبر عدد ممكن من السوريين للعودة قبل موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في حزيران من العام المقبل 2023، بعد أن بات ملف الوجود السوري في تركيا ورقة سياسية للصدام والتجاذب والتجييش.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الأربعاء الفائت، بعد الاجتماع الحكومي: "نعمل على إنشاء 200 ألف - 250 ألف وحدة سكنية في 13 منطقة على الأراضي السورية بتمويل من المنظمات الإغاثية الدولية، دراسات مؤسساتنا تظهر أن عدد اللاجئين المستعدين للعودة الطوعية إلى سوريا أكثر من مليون بكثير".
تطرق أردوغان في حديثه إلى أن هذه الخطوة سبقها مرحلة أولى ببناء 50 – 60 ألف وحدة سكنية، وهو ما انصب عليه الإعلام التركي خلال الأسبوع الفائت، من تقارير تظهر ازدياد وتيرة بناء القرى السكنية ومنازل الطوب في شمال غربي سوريا. لكن ما تحدث عنه أردوغان وما يصوره الإعلام التركي هي مشاريع لمنظمات تركية وسورية لنقل النازحين في المخيمات إليها، في حين أن "خطة إعادة السوريين طوعياً" (مشروع إعادة المليون ونصف مليون سوري)، لم يوضع حجر أساسه بعد، وما زال في مرحلة التصميم والدراسات.
"خطة إعادة السوريين"
وكشفت مصادر خاصة مطلعة لموقع تلفزيون سوريا عن النسخة المبدئية للخطة التركية في الشمال السوري، والتي تهدف لتشجيع العودة الطوعية، والتي بدأ الحديث عنها للمرة الأولى في منتصف آذار الفائت، باجتماع نظمته إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) مع عدد من منظمات المجتمع المدني التي تعمل على مشاريع قرى سكنية للنازحين، حيث عرضت آفاد خطتها، وطلبت من المنظمات تقديم دراسات لبلدات سكنية، بهدف إعادة مليون ونصف مليون سوري من تركيا خلال 20 شهراً.
ووفقاً للخطة المبدئية القابلة للتغيير بحسب التوصيات والدراسات اللاحقة، فسيتم بناء 5 بلدات سكنية رئيسية في كل من الباب واعزاز وعفرين وجرابلس وإدلب وتل أبيض، بالإضافة إلى 5 بلدات سكنية أخرى أصغر.
وتحتوي كل بلدة سكنية على كامل الخدمات، من كهرباء وماء وشوارع إسفلتية وحدائق وألعاب أطفال ومدرسة ومستوصف ومسجد وسوق وصالات رياضية.
وسيتم بناء البلدات والقرى السكنية وفق نمط "توكي - TOKİ" المعروف في تركيا، بإشراف "آفاد" والمجالس المحلية.
وسيحصل أي سوري يرغب في العودة الطوعية على ما يأتي:
- منزل مجهز ومفروش بكل ما يلزم، وتتراوح مساحة كل شقة بين الـ 40 و الـ 80 متراً بحسب عدد أفراد العائلة
- تبقى وثيقة الحماية المؤقتة (الكيملك) قيد التشغيل
- يسمح للراغبين بزيارة تركيا 4 مرات في العام الواحد
- يستكمل الأولاد تعليمهم في مدارس داخل البلدات السكنية بمنهاج تركي وبشهادة تركية
- كرت مساعدات على غرار ما يعرف بـ "كرت الهلال الأحمر"، من دون تحديد المبلغ الممنوح لكل فرد حتى الآن
- في مرحلة لاحقة سيحصل بعض العائدين طوعياً على دعم لمشاريع سبل العيش
مليار دولار لإسكان مليون شخص
وبحسب إحصائية أعدها موقع تلفزيون سوريا، يبلغ عدد المنازل والوحدات السكنية (المبنية والمقرر بناؤها) في شمال غربي سوريا، حتى آذار من العام الحالي قرابة 80 ألف منزل، وفي حال أضيف إليها عدد الوحدات التي تعهدت الحكومة التركية بتشييدها يصبح العدد 130,718 منزلاً.
لكن جميع هذه المنازل والوحدات السكنية مخصصة للنازحين القاطنين في المخيمات، وليست معدة لاستقبال العائدين من تركيا ضمن "خطة إعادة السوريين طوعياً".
ولذا فإن مشاريع الإسكان التي تتضمنها الخطة التركية لإعادة مليون ونصف مليون سوري "خطة إعادة السوريين طوعياً"، لم تبدأ بعد، وما زالت في طور الدراسة والتخطيط.
ولحساب كلفة بناء وتجهيز بلدات سكنية تتسع لمليون شخص فقط، أوضح المهندس براء بابولي مدير قسم المأوى في فريق ملهم التطوعي، أن بناء شقة سكنية طابقية (غرفتين ومنافع) في "مشروع قرية ملهم" في الشمال السوري يكلف قرابة 5000 دولار أميركي للبناء و600 – 1000 دولار للتجهيزات والفرش.
وبحساب متوسط عدد العائلة المكونة من 5 أفراد، يحتاج المليون شخص إلى 200 ألف شقة سكنية، ومن ثم ما لا يقل عن مليار دولار أميركي، أما المليون ونصف المليون شخص فيحتاجون إلى مليار ونصف المليار دولار للإسكان فقط.
وترجح المصادر أن النمط المعتمد لبناء البلدات السكنية للعائدين طوعياً سيكون مشابهاً للنمط الذي قام عليه "مشروع أوتاد ملهم" أو "قرية ملهم".
مشاريع متممة
أطلق على "خطة إعادة السوريين طوعياً" (مشروع العودة الطوعية)، اسم (2Y - 1Ç)، بناء على 3 كلمات مفتاحية للمشروع هي Yerleş (استقر) و Yaşa (عِش) وÇalış (اعمل).
وتشي هذه الكلمات بقبول مبدئي لما طالبت به جهات سورية في الداخل بتعزيز الأوضاع المعيشية والخدمية والاقتصادية والإدارية والأمنية، لتمكين المنطقة المرهقة من النهوض بنفسها واستقبال مليون ونصف مليون شخص يمثلون زيادة نسبتها 25 % من المقيمين حالياً في مناطق سيطرة المعارضة.
وأكدت المصادر على ضرورة تفعيل الحركة الاقتصادية وإعادة النظر بقرارات الاستيراد والتصدير والترانزيت بين تركيا والشمال السوري، ودعم القطاعات الإدارية والخدمية لتسريع الحركة الاقتصادية المتمثلة في الصناعة والتجارة والزراعة، من خلال تفعيل المدن الصناعية التي يتم إنشاؤها منذ عام وأكثر، وتقديم المنح للمزارعين ومربي الحيوانات ودعمهم وتنظيم الأسواق لتصريف منتجاتهم.
ثقة أردوغان
يبدو أن الحكومة التركية ستقدم هذه المزايا وربما أكثر من ذلك للراغبين للعودة طوعياً إلى سوريا، ويشي بذلك تصريح أردوغان الواثق بأن هنالك مليون سوري مستعد للعودة طوعياً على الأقل، وهذا من المتوقع حدوثه لأن عشرات آلاف العائلات السورية ترزح تحت واقع المعيشة الصعبة والأجور المتدنية وظروف العمل غير القانونية، والارتفاع الكبير في الأسعار بسبب الزيادة المضطردة في التضخم، وتدهور سعر صرف الليرة التركية.
ويزيد على ذلك التضييقات الأخيرة التي بدأت مع التجييش الكبير الذي تمارسه الأحزاب السياسية في زج ملف الوجود السوري في التجاذب السياسي المتسارع الذي يسبق انتخابات 2023، وذلك من خلال عملية تدقيق عناوين السكن وتجميد قيود آلاف الكمالك وإجبار السوريين على العودة إلى الولايات التي استصدروا منها بطاقة الحماية المؤقتة، ما يعني ترك أعمالهم التي عثروا عليها أو افتتحوها في ولايات أخرى، وما تبع ذلك من إلغاء إجازات العيد وإبطال 16 ألف ملف تجنيس من دون تقديم أسباب لأصحاب الملف، وظهور تصريحات من الهجرة التركية على أنه سيتم ترحيل كل من "يهدد السلم الأهلي"، كما حصل مع الشاب حمزة حمامي وغيره.
دعم غربي للمشروع التركي
ولا يبدو أن توقيت إعلان وزارة الخزانة الأميركية يوم الخميس الفائت، استثناء مناطق في شمال غربي سوريا من العقوبات الأميركية؛ بريئاً.
فقد أخرجت الولايات المتحدة 12 قطاعاً من العقوبات في مناطق الباب واعزاز وجرابلس.
وتشمل قطاعات الزراعة والاتصالات والبنية التحتية (كهرباء – ماء – نفايات) والبناء والطاقة النظيفة والتمويل والنقل والتخزين، إضافة إلى القطاعات المتعلقة بالخدمات الصحية والتعليم والتصنيع والتجارة.
وسيسمح ذلك بتشجيع الاستثمارات السورية والأجنبية (غير المرتبطة بالنظام السوري) في هذه المناطق.