في نهاية تموز الماضي، هبطت طائرة "أجنحة الشام" التجارية في طهران، حاملةً وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد برفقة وزيري الاقتصاد والاتصالات في حكومة النظام.
ورغم أن هذه الزيارة لم تخرج عن نطاقها المعهود، من كونها زيارة مفاجئة وغير معلنة، أو استدعائية كما يصفها البعض، كسابقاتها من رحلات مسؤولي وقادة النظام السوري، إلا أن توقيتها الذي أعقب جولة عجولة من الانفتاح العربي، والأزمة الاقتصادية الخانقة في دمشق، والتوتر الروسي الإيراني الأميركي شرقي سوريا، أثار الكثير من التساؤلات والتكهنات على الصعيدين السياسي والاقتصادي بالتحديد.
في زيارته الممتدة لعدة أيام، التقى المقداد والوزيران المرافقان له مجموعة متنوعة من المسؤولين الإيرانيين، بدءًا من وزير خارجية طهران أمير عبد اللهيان، ووزير الطرق والتنمية الإيراني مهرداد بذرباش، ووزير الاقتصاد الإيراني إحسان خاندوزي، ووزير الطاقة الإيراني على أكبر محاربيان، وصولاً إلى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي على أكبر أحمديان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، مما يدل على حجم بريد الرسائل السياسية والدبلوماسية الضخم والتحركات الإيرانية المستقبلية في سوريا.
في طهران، ينظر رسمياً لزيارة المقداد بعد ثلاثة أشهر من "الزيارة التاريخية" للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق على أنها محاولة جادة من النظام السوري لإدخال القائمة الطويلة والمؤرشفة من الاتفاقات الاقتصادية الموقعة بين البلدين حيز التنفيذ. لكن في ظل الانشغال الروسي في أوكرانيا، والأزمة الاقتصادية الخانقة، لا يمكننا أن نغفل أن هذه الزيارة قد تكون تشديداً في توجه النظام نحو حلفائه الإيرانيين لطلب المساعدة العاجلة بعد أن تيقن من أن الاستثمارات العربية لن تأتي في القريب العاجل، من دون تقديم تنازلات حقيقية.
"إخراج إيران من سوريا لن يحدث بالتأكيد"
في حديث خاص مع موقع "جمران" الإيراني، في 2 حزيران، أوضح السفير الإيراني في دمشق، حسين أكبري، أن "إيران رحبت بحقيقة أن الجامعة العربية جاءت إلى (رئيس النظام السوري بشار) الأسد ولم يذهب الأسد إليها". مؤكداً على أن النظام أظهر أنه مع طهران منذ أربعين عاماً في أسوأ الظروف، وبينما هو الآن في أفضل حالة، فإن إخراج إيران من سوريا لن يحدث بالتأكيد، ولن يتم حذف إيران من إعادة إعمار سوريا، بحسب وصفه.
لا أحد ينكر أن مقدار الدعم المادي واللوجستي الإيراني المقدم للأسد ضخم ويشبه النبع الذي لا ينضب، لكن لطالما تم تمويه المطالبات الإيرانية المقابلة من النظام السوري والتعامل معها كقضية أمنية حساسة لا يجب تشريح هيكلتها.
إيران تتحرك للهيمنة على الاقتصاد السوري
في 11 أيار، أي قبل شهرين ونيف من زيارة المقداد إلى طهران، أجرت وكالة أنباء "فارس" الحكومية مقابلة مع مهدي شوشتري، مساعد وزير الخارجية الإيراني، والمدير العام لغرب آسيا بوزارة الخارجية الإيرانية، أشار فيها إلى أن "سوريا ليست بلداً فقيراً ولديها موارد وقدرات كثيرة"، مؤكداً على أنه "لم يكن أي نوع من التعاون الذي حددناه في المجال التجاري والاقتصادي بين البلدين مجانياً أو بلا مقابل في أي فترة من الفترات".
ربما يكون ما يطلبه المقداد من طهران اليوم أكبر من مما حصل الإيرانيون من استثمارات سيادية في سوريا بالفعل.
لكن خلال زيارة المقداد إلى طهران، ناقش مهرداد بذرباش الاتفاقات التي جرى التوصل إليها في اجتماع رؤساء اللجنة المشتركة للتعاون بين إيران والنظام السوري، مبيناً أنه "فيما يتعلق بالاتصال البحري بين البلدين، من المفترض أن يشكل خطاً بحرياً بترتيب أفضل بين البلدين، كما يجب النظر في إنشاء ميناء محدد ورصيف محدد لرسو السفن الإيرانية ذات القدرات العالية".
خلافاً لنظرائهم الروس، قد لا يسعى الإيرانيون لعوائد اقتصادية مباشرة من استثماراتهم في سوريا، ويعملون على تراكم اختراقاتهم الاقتصادية لتأسيس احتلال اقتصادي بعيد المدى يعمل بالتوازي مع مشروعهم العسكري والعقائدي.
عودة السيارات الإيرانية إلى إيران
بحسب الاتفاقيات الأخيرة المعلن عنها، من المفترض أن تستأنف شركتا صناعة سيارات إيرانيتان، توقفت أنشطتهما في سوريا في وقت سابق، إنتاج السيارات.
خلال زيارة المقداد لطهران، أشار مهرداد بازارباش وزير الطرق الإيراني ورئيس اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي بين إيران والنظام السوري، إلى وجود مصنعين إيرانيين للسيارات يعملان في سوريا في الماضي، لكن أنشطتهما توقفت تقريباً بسبب المعايير السورية.
وأوضح بذرباش أنه مع الاتفاقات التي جرى التوصل إليها مؤخراً، يمكن لشركتي تصنيع السيارات استئناف أنشطتهما وفقًا للمعايير السورية، مضيفاً أن إيران ستقيم مصنعاً للإطارات في سوريا.
من الجدير بالذكر أن شركات صناعة السيارات الإيرانية كان لها تاريخ في تصدير وإنتاج السيارات في دول مثل أذربيجان وأرمينيا والعراق وروسيا وسوريا وبعض الدول الأفريقية، وفي معظم الحالات، لوحظ أن جودة المنتجات المصدرة أعلى مستوى من المنتجات المعروضة في داخل إيران.
رغم ذلك، أعلنت معظم الدول المستهدفة بالسيارات الإيرانية بما في ذلك سوريا ورسيا، توقف صادرات السيارات الإيرانية إليها، نظراً لتدني جودة الإنتاج وانخفاض مستوى الأمان في السيارات الإيرانية (مثل عدم وجود نظام التوازن الإلكتروني ESP).
استئناف عمل مصانع السيارات الإيرانية بعد توقف دام سنوات
يشار إلى أن أنشطة شركة صناعة السيارات الإيرانية "سايبا" بدأت في سوريا منذ 19 عاماً بإنشاء مصنع سيفيكو من أجل إنتاج السيارات. ومنذ 16 عاماً، بدأت شركة إيران خودرو نشاطها بفتح خط إنتاج سمند في سوريا. وخلال السنوات الأخيرة، برزت سيارات برايد وسمند في سوريا مع صادرات سنوية وصلت قيمتها لعشرات الملايين من الدولارات، قبل أن ينهي النظام السوري استيراد السيارات الإيرانية عام 2020 منعاً لاستنزاف القطع الأجنبي في خزينته.
في كانون الأول 2020، أعلن الرئيس التنفيذي السابق لمجموعة إيران خودرو عن استعداده لإنتاج سيارات "دنا" في سوريا بنموذجي الغاز والبنزين، وأشار إلى قدرات مجموعة إيران خودرو الصناعية في مجال الصادرات، مؤكداً على أن سوقي العراق وسوريا يعتبران من الأسواق المهمة لإيران، ومن المتوقع أن يكون هذان البلدان في الأشهر المقبلة أسواقاً جيدة جداً لتصدير السيارات الإيرانية.
بعد ذلك، في تشرين الثاني 2021، تعزز الأمل لدى مصنعي السيارات الإيرانيين في استئناف تصدير سياراتهم إلى سوريا، وإعادة تفعيل أكبر خط إنتاج خارجي لإيران خودرو (سيامكو) في سوريا، بالتزامن مع زيارة وزير الصناعة والتعدين والتجارة آنذاك، فاطمي أمين إلى دمشق.
وبعد رحلة فاطمي أمين إلى سوريا، كشف كيوان كاشفي مؤخراً، رئيس غرفة التجارة الإيرانية السورية المشتركة، عن مفاوضات لإزالة العوائق أمام تصدير قطع غيار السيارات إلى سوريا معلناً أنه سيتم حل مشكلات التصدير إلى هذا البلد قريباً.