صبيحة السابع من تشرين الأول 2023 فوجئ العالم بأحداث مباغتة ومتلاحقة تحدث في العمق الإسرائيلي. وانشغلت وسائل الإعلام العربية والعالمية في نقل تفاصيل ما يحدث باهتمام شديد؛ ذلك أن الهجمات والعمليات التي شنتها حركة "حماس" تحت مسمى "طوفان الأقصى" كانت فريدة من نوعها.
حجم التعاطف الدولي الذي حصلت عليه إسرائيل بالإضافة إلى شارع غاضب يطالب بأقسى أنواع الانتقام؛ تنظر إليه حكومة "نتنياهو" القادمة من أقصى اليمين على أنه إطلاق يد إسرائيل لترد بالطريقة التي تشاء. لذلك هي سارعت لإطلاق عملية عسكرية تحت مسمى "السيوف الحديدية" في محاولة لاستعادة الهيبة وقوة الردع التي تآكلت على نحو غير مسبوق كنتيجة طبيعية لعملية "طوفان الأقصى".
بعد حملة قصف جنوني قيل إنه خمسة أضعاف القصف الذي تعرض له لبنان عام ٢٠٠٦ خرج "نتنياهو" ليقول: إن القصف الجوي الذي تتعرض له حماس في غزة مجرد بداية.. سنغير وجه الشرق الأوسط. أي؛ هل في نية إسرائيل أن تتوسع في حملة ترميم صورتها التي تشوهت لتطول قوى وجماعات أخرى غير "حماس" كما فعلت الولايات المتحدة التي غزت العراق بعد غزوها لأفغانستان؟
حسب الروايات القادمة من إسرائيل؛ هناك تيار داخل المؤسسة العسكرية يرى أن إسرائيل لم يعد لديها ما تخسره. لذلك، عليها أن تستغل هذا الدعم الدولي وتوجه ضربات مؤلمة لكل خصومها في المنطقة
في الواقع؛ ما زال هذا موضع تكهن وترقب، فجملة "سنغير وجه الشرق الأوسط" تحتمل الكثير من التأويلات، فاقتصار الرد الإسرائيلي على ضرب غزة يعيدنا إلى ما قالته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إنه "مهما حدث في هذه الجولة من الحرب بين إسرائيل وغزة فقد خسرنا بالفعل، وإن كل ما تفعله إسرائيل من الآن فصاعدا لن يكون له أي معنى حتى لو عثرت على محمد الضيف (قائد كتائب عز الدين القسام التابعة لحماس) في مخبئه وقدمته للمحاكمة فلن يكون لذلك أي معنى.
حسب الروايات القادمة من إسرائيل؛ هناك تيار داخل المؤسسة العسكرية يرى أن إسرائيل لم يعد لديها ما تخسره. لذلك، عليها أن تستغل هذا الدعم الدولي وتوجه ضربات مؤلمة لكل خصومها في المنطقة ابتداء من حزب الله وانتهاء بالميليشيات الإيرانية الموجودة في سوريا، ولا بأس إن وصل الأمر لضرب قوات النظام السوري كأسلوب للضغط لدفعه إلى إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا. بهذا تكون إسرائيل قد أعادت بعض الهيبة لجيشها من خلال إبراز مقدرته على خوض الحرب على أكثر من جبهة.
إذا افترضنا أن إسرائيل توسعت في حربها الانتقامية ونجحت بإلحاق الأذى بخصومها تكون بالفعل قد غيرت وجه الشرق الأوسط ولو جزئيا – يرتبط هذا بحجم الضرر الذي ستلحقه بالخصوم - ولكن السؤال الملح قبل كل ذلك؛ هل يمكن لـ "نتنياهو" الحصول على موافقة أميركية بأن تتوسع إسرائيل في حربها الانتقامية خارج حدود غزة؟ حقيقة إن الجواب من غير تردد هو: لا. حتى ولو قررت إسرائيل اختصار التوسع بالعملية العسكرية باقتصارها على بعض العمليات الأمنية؛ كاغتيال وتصفية بعض الشخصيات الوازنة لا يمكن لها أن تحصل على تأييد لهذا الخيار.
رغم أن المزاج العام في الولايات المتحدة، ولأول مرة منذ حرب العراق، أصبح أكثر مرونة حيال إمكانية انخراط الإدارة الأميركية في حرب إلى جانب إسرائيل، إلا أن الإدارة الأميركية ذاتها لا ترغب بهذا الخيار، فالولايات المتحدة وحلفاؤها منهمكون بإدارة الحرب الأوكرانية التي وترت الأوضاع دوليا، وعززت انقسام المشهد العالمي. هذا بالإضافة إلى تفرغ الولايات المتحدة لصراعها المحتدم مع الصين.
ستحاول الولايات المتحدة حصر الحرب الإسرائيلية في غزة ومنع انزلاقها إلى مكان يجعل التحكم بمسار الأحداث غير ممكن
لقد أرسلت الولايات المتحدة حاملة الطائرات إلى المنطقة بهدف معلن هو الردع. بمعنى أنها تهدف إلى جعل المعركة محصورة في غزة، وكان قد سبق ذلك تصريح لمسؤول أميركي كبير قال فيه: إن إيران تسعى لتوريط الولايات المتحدة في حرب في منطقة الشرق الأوسط. أضف إلى ذلك أن الموقف الأميركي أصبح معروفا منذ زمن بعيد بأنها تتحاشى الانخراط بقوة في مشكلات الشرق الأوسط، وأن فكرتها بالانسحاب من هذه المنطقة مازالت قائمة رغم أنها أصبحت موضع تردد في الآونة الأخيرة.
نظريا؛ ستجري الأمور على هذا المنوال. أي، ستحاول الولايات المتحدة حصر الحرب الإسرائيلية في غزة ومنع انزلاقها إلى مكان يجعل التحكم بمسار الأحداث غير ممكن. هذا نظريا، ولكن المشكلة تكمن في أن النزاعات المسلحة من أصعب الأنشطة التي يمكن التحكم بمساراتها، إن لم تكن الأصعب على الإطلاق. إن خطأ الحسابات هو السمة المميزة للحروب، وهو أحد أهم أسباب اندلاعها. لذلك من الصعب التكهن بمجريات الأحداث في الأيام القادمة، فالحسابات معقدة جدا.
المشكلة أن ذبح غزة لن يكون كافيا لإنقاذ نتنياهو من وصمة العار التي ألحقتها حكومته بإسرائيل، وهو في نفس الوقت سوف يشكل إحراجا شديدا للمحور الذي تنتمي إليه حماس إن بقي على الحياد يتفرج بينما غزة تذبح. بين هذا وذاك؛ أغلب الظن أن وجه الشرق الأوسط سوف يتغير، ولكن بأي اتجاه؟! هذا ما يصعب تقديره.