قال النائب السابق في البرلمان الألماني جمال قارصلي إن العنصرية التي تستخدمها الأحزاب اليمنية المتطرفة ضد اللاجئين في أوروبا، هدفها الوصول للسلطة، مؤكداً أن أوروبا تستقبل اللاجئين لحاجتها إلى اليد العاملة، وألمانيا وحدها بحاجة إلى 400 ألف يد عاملة سنوياً.
وأضاف جمال قارصلي في حوار خاص مع موقع "تلفزيون سوريا" أن اليمين المتطرف لن يتمكن من السيطرة على الحكم في الدول الأوروبية، وفي حال وصل ستكون لديه توجهات مختلفة عن التي طرحتها أحزابه عندما كانت في المعارضة.
وأكّد السياسي الألماني ذو الأصل السوري، أن الخطوة البريطانية بإعادة اللاجئين إلى راوندا هي غير إنسانية، وقوبلت برفض مجتمعي وقانوني واسع بريطانياً وأوروبياً.
وأشار إلى أن روسيا فشلت في إضعاف الاتحاد الأوروبي، وهو اليوم أكثر تماسكاً من ذي قبل، مبيناً أن الغرب لن يسمح لموسكو بالانتصار في أوكرانيا.
نص الحوار كاملاً مع جمال قارصلي:
لماذا تنمو العنصرية بشكل كبير في دول اللجوء وخصوصاً أوروبا وتركيا؟
تختلف الأسباب والدوافع بما يخص العنصرية في تركيا عن تلك الموجودة في أوروبا، ففي الدول الأوروبية بعض الأحزاب اليمنية المتطرفة تريد الوصول إلى البرلمانات والحكومات عبر العداء للأجانب واستخدام العنصرية؛ ومنهم من وصل فعلاً، فأصبحت طريقة سهلة للوصول إلى السلطة، خصوصاً أن اللاجئين والمهاجرين لا يوجد لديهم (لوبي) يدافع عنهم.
في مقابل ذلك دعم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تقود موجة العنصرية في أوروبا، إلى جانب عدائه الواضح للإسلام والمسلمين الأمر الذي زاد الطين بلة.
وحالياً يدعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأحزاب اليمينية المتطرفة في كل الدول الأوروبية، وعلاقته الوطيدة مع حزب مارين لوبان في فرنسا واضحة بالإضافة إلى الدعم المادي، بهدف شق الصف الأوروبي.
أما بالنسبة للوضع في تركيا، فقد فشلت الأحزاب التركية المعارضة في تقديم مشروع بديل عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، تحاول أن تصل إلى الحكم بأي طريقة كانت ولو على حساب السلم الأهلي أو التوتر الاجتماعي في البلاد. كما أن الغريب أن الأحزاب اليسارية في أوروبا عموماً تدعم حقوق اللاجئين وليس لديها عداء للأجانب على عكس حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية المحسوب على اليسار والذي يقدم خطاباً مناهضاً للاجئين السوريين، ولو كان "العدالة والتنمية" ضد وجود اللاجئين لكان حزب الشعب مع وجودهم.
ولا شك أن بعض الأحزاب التركية تستخدم وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لتحريض المجتمع ضد الأجانب واللاجئين، بدلاً من توعية المواطنين، وهم كمن يلعب بالنار، لأن من يلعب بالسلم الأهلي هو كمن يلعب بالنار.
ولطالما قلت للأتراك في المحاضرات التي ألقيها، إلى من يعادي اللاجئين السوريين أو الأجانب أن يستمعوا إلى الأتراك الذين يعيشون في أوروبا وما يواجهونه هناك، وقبل أيام قليلة، فتاة تركية تقيم في النمسا غردت عبر "تويتر" بالتركية "إن الإساءة للاجئين السوريين في تركيا يتعرض له الأتراك في أوروبا وفي النمسا".
هل يتحمل جزء من السوريين بعضاً من حملات العنصرية الموجهة ضدهم؟
طبعاً اللاجئون لديهم أخطاء، بعضها مقصود وآخر غير مقصود، خاصة في تركيا، يوجد سوريون مؤيدون للنظام وهؤلاء يعملون على إثارة البلابل لصالح النظام. كثير من اللاجئين لجؤوا إلى دول لا يعرفون قيمها أو قوانينها أو معاييرها ويتصرفون تصرفات خاطئة وهذا ما يؤدي إلى التوتر.
ومع الأسف ينعكس أي خطأ للاجئين السوريين في أوروبا على الجميع، وهنا تكبر الحساسية المناهضة لوجودهم، ولذلك على اللاجئين أن يكونوا دقيقين بهذه النقطة.
في السنوات الأخيرة صعد اليمين المتطرف في عموم أوروبا رافعين لواء مناهضة اللجوء والهجرة، ومؤخراً حققوا حضوراً قوياً بالبرلمان الفرنسي، هل سيؤول الحكم لليمين المتطرف خلال السنوات المقبلة؟
لا أعتقد أن الأحزاب اليمنية المتطرفة ستصعد إلى سدة الحكم أو تخترق المجالات السياسية. وهي في العادة تصعد عندما يكون هناك فراغ أو تترك لها الأحزاب السياسية مجالاً للصعود. على سبيل المثال اليمين المتطرف في فرنسا حقق صعوداً لأن الأحزاب اليسارية لم تكن منظمة بشكل كاف، فما كان للناخب الفرنسي إلا أن يختار المر أو الأمر منه.
وحتى لو وصل اليمين المتطرف إلى السلطة، فالتصورات تختلف عن التي في الحكم، فعندما تصل هذه الأحزاب إلى السلطة فهي ستعرف الواقع ويكون عملهم مختلفا تماماً.
باعتبارك أحد المهاجرين السوريين القدامى وكنت برلمانياً سابقاً، كيف يمكن للسوريين أن يندمجوا في المجتمعات الأوروبية ويفيدوا الثورة السورية أو السوريين؟
أنا لدي مقال مهم في هذا الإطار هو "نصائح لمهاجر إلى بلاد المطامح" يمكن الاطلاع عليه لمن أراد، لكن عموماً على اللاجئين أن يتعلموا اللغة في البلد الجديد، وأن يطلعوا على القوانين والعادات والتقاليد والقيم من أجل التأقلم، وأن يكون اللاجئ مواطناً صالحاً في أي بلد يذهب إليه، وألا يكون عالة على المجتمع الجديد.
وأنا أعتقد أن الاندماج السياسي هو أعلى مراتب الاندماج عبر الاختلاط بالأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وأن يوصل صوته وصوت اللاجئين وصوت الثورة السورية، لا يبقى على أطراف المجتمع لأن المجتمعات الديمقراطية لا تحترم الإنسان الذي يبقى بعيداً عن المجتمع وينتظر المساعدات والآخرون يعملون.
لماذا تستقبل الدول الأوروبية اللاجئين وتعطيهم حق اللجوء؟ وهل تتوقع أن تنتهي هذه السياسة؟
المجتمعات الأوروبية بحاجة للاجئين واليد العاملة والفنيين والاختصاصيين، وهناك قطاعات كاملة تعتمد على اللاجئين والمغتربين، وأوروبا تسمى بالقارة العجوز لأن في الهرم السكاني عدد كبار السن في ازدياد والمواليد في تراجع، ما أدى إلى انخفاض عدد السكان، واللاجئون يملؤون هذا الفراغ.
في ألمانيا على سبيل المثال كان عام 1968 عام الولادات لكن هذا الجيل اليوم هو في سن التقاعد، لذلك الجهات المختصة الألمانية تؤكد أن البلاد بحاجة إلى 400 ألف يد عاملة جديدة سنوياً، وهذا العدد يمكن أن يصل في عام 2030 إلى 700 ألف يد عاملة سنوياً.
وفعلياً ألمانيا لديها نقص كبير في العمالة خصوصاً فيما يتعلق بالخدمات، وفي السابق كانت الحكومة الألمانية تستقطب العمالة من بلغاريا أو التشيك أو بولونيا ودول أخرى لكن منذ عام 2015 عندما بدأت موجة هجرة الفعلية تجاه أوروبا، وقرار أنجيلا ميركل باستقبال اللاجئين لم يكن دافعاً إنسانياً فقط إنما اقتصادي أيضاً.
في الغزو الروسي لأوكرانيا بدا الاتحاد الأوروبي أكثر ضعفاً، هل يتجه الاتحاد إلى نهايته أم أن الغزو زاد من فرص استمراره ودعمه؟
فشل الرئيس الروسي بوتين في كل المشروعات التي طرحها، ظناً منه أن البيت الأوروبي سيتفكك، لكن الاتحاد الأوروبي اليوم أكثر تضامناً مع بعضه بعضا، وأعتقد أن الخطر دفعه لتوحيد الصف أكثر مما قبل.
إذا انتصر بوتين في أوكرانيا بالطبع سيكمل طريقه باتجاه أوروبا، لأن بوتين لديه أحلام ومطامع إمبراطورية، لكن الغرب الآن سيعمل المستحيل لعدم انتصار الروس في أوكرانيا.
كيف تقرأ قرار إرسال اللاجئين من بريطانيا إلى راوندا، وهل تعمل دول أوروبية على خطوات مشابهة؟
هذا التصرف البريطاني يدل على إفلاس بوريس جونسون رئيس الوزراء الذي عمل أي شيء للبقاء في الحكم لكن انتهى به الأمر للاستقالة، وهذا عمل غير إنساني وخال من التضامن، وهذا القرار أوقفته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ووجد معارضة كبيرة في المنظمات الأوروبية والبريطانية.
وأعتقد أن هذا الأمر إن تم تطبيقه في أوروبا فستكون كارثة إنسانية كبيرة، والمجتمع الأوروبي لن يقبل بذلك وسيرفضه، لما يحمله من تنصل من المسؤولية الإنسانية خصوصاً أمام ضحايا تعرضوا للظلم.
من هو جمال قارصلي؟
جمال قارصلي من مواليد مدينة منبج بريف حلب شمالي سوريا عام 1956، تخرج في المعهد المتوسط للصناعات الكيميائية، ثم غادر إلى ألمانيا لمعارضته نظام حافظ الأسد عام 1980. التحق بجامعة دورتموند وحصل على الماجستير في هندسة تخطيط المدن عام 1991.
وفي عام 1984 انخرط في صفوف حزب الخضر بألمانيا، وبدأ منذ ذلك التاريخ مشواراً طويلاً من الكفاح السياسي داخل الشارع الألماني حتى تُوج هذا الجهد بأن أصبح أول عربي يجلس تحت قبة البرلمان الألماني عام 1995 كنائب في ولاية شمال الراين ويستفاليا.
أُعيد انتخابه لفترة برلمانية ثانية في عام 2000 حتى عام 2005، وشغل منصب المتحدث السياسي باسم حزب الخضر فيما يتعلق "بسياسات الهجرة والمغتربين"، وعضواً في عدة لجان برلمانية منها "الشؤون الداخلية – المغتربين – الشكاوي والاسترحام".
في عام 2022 أسس حزبه "فاكت" تحت شعار "سلام F، عمل A، ثقافةK، شفافيةT"، وهو حزب اجتماعي ليبرالي يضم في عضويته 40% ألمان الأصل، و60% من جميع جنسيات العالم.
وحالياً قارصلي متفرغ لدعم اللاجئين السوريين في ألمانيا، ولدعم الثورة السورية في الأوساط الألمانية والأوروبية.