أصبحت الدنمارك أول دولة أوروبية تلغي إقامات اللاجئين السوريين فيها على اعتبار أن دمشق وما حولها لم تعد في خطر يبرر حق اللاجئين السوريين بالبقاء في الدنمارك. إذ تعتمد السلطات الدنماركية في ذلك على تقرير البلد الأصلي الذي نشر في شباط من عام 2019 لتبرير هذا القرار، فقد خلص هذا التقرير إلى أن الوضع الأمني في بعض أجزاء سوريا التي دمرتها الحرب "قد تحسن بشكل ملحوظ".
وبالنتيجة، تمت عملية إعادة تقييم وضع اللجوء لنحو 500 شخص في الدنمارك تعود أصولهم لدمشق وريفها، وفي حال لم ينجحوا في الطعون التي تقدموا بها، عندها سيكون أمامهم إما العودة إلى دمشق طوعاً أو أن يتم احتجازهم في مراكز للعودة إلى أجل غير مسمى.
وعن ذلك تحدثنا الدكتورة زينة يونس الحاصلة على دكتوراه في التاريخ السوري الحديث فتقول: "أعتقد أن المشكلة الأساسية تكمن في الإشارة التي ترسلها تلك الحركة والتي تشير إلى أن نظام الأسد مايزال في السلطة وبأن الحكومة الدنماركية تتقبل بقاءه فيها فعلياً. وبالطبع، فإن ذلك يتسبب بالكثير من القلق والألم لدى السوريين الذين يعيشون هنا (أي في الدنمارك)، وتلك مشكلة كبيرة أيضاً".
في عام 2021 منحت السويد الجنسية لأكثر من 27 ألف لاجئ سوري وما تزال أكثر دولة أوروبية ترحيباً بطالبي اللجوء والمهاجرين، إلا أنه يبدو وكأن السويد ترغب بأن تلحق بركب الدنمارك، لكونها ألغت إذن الإقامة لبعض اللاجئين السوريين، بينهم مطلوبون لنظام بشار الأسد.
ولذلك عارضت منظمات حقوقية القرار الذي اعتبرت الدنمارك من خلاله أن هنالك منطقة أو مناطق آمنة في سوريا يمكن للاجئين العودة إليها، حيث ذكرت سارة كيالي وهي باحثة في الشأن السوري لدى هيومن رايتس ووتش بأنه: "حتى لو لم تقم الدنمارك باختيار سوريين وإعادتهم إلى سوريا، يعتبر مجرد التفكير في ذلك بمثابة ضغط عليهم، ولذلك تعتبر هذه العودة قسرية، فضلاً عن اعتبارها انتهاكاً للواجبات القانونية التي تلتزم بها الدنمارك".
إن اعتبار الدنمارك لتلك المنطقة آمنة وإعادة سوريين إليها ليعيشوا في ظل نظام قطعت معه العلاقات الدبلوماسية قد يعرض اللاجئين الذين تم رفض إقامتهم المؤقتة أو تجديد إقاماتهم لخطر الاحتجاز في مراكز لسنوات طويلة، بما أن الدنمارك لا يمكنها ترحيل أي شخص إلى سوريا في الوقت الراهن.
سوزان جليلاتي لاجئة سورية تعيش في كوبنهاغن برفقة ولديها، وفي آذار 2021، تم رفض طلبها للحصول على إقامة، فطعنت بذلك القرار، ومنذ ذلك الحين تقول إنها: "لا أستوعب السبب الذي يدفعهم للادعاء بأن دمشق آمنة، فكل الأشخاص هنا لديهم قصصهم، حيث فروا من النظام هناك، كما ليست لديهم أية ضمانات ليقدموها لنا، إذ ليس لديهم سفارة ولا سفير هناك، لذا أتمنى من الحكومة أن تسمعنا وأن تدرك بأن دمشق ليست آمنة حتى نعود إليها برفقة أطفالنا".
كشف تقرير نشرته هيومن رايتس ووتش في تشرين الأول 2021 بأنه: "مع تراجع مستويات العنف بشكل ملحوظ، ما يزال أكثر من 11.1 مليون نسمة في سوريا بحاجة لمساعدات إنسانية، إذ بعد مرور عقد على الحرب التي تخللتها انتهاكات شملت جرائم ضد الإنسانية، تدمرت البنية التحتية في البلاد بشكل كبير، حيث تم تدمير البيوت والمدارس، فضلاً عن ظهور نقص في المياه النظيفة والصرف الصحي، ولم يعد بوسع غالبية السكان تغطية نفقاتهم الأساسية".
كما أشار التقرير إلى أن اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى سوريا طوعاً ما بين عامي 2017-2021 من لبنان والأردن: "تعرضوا لانتهاكات جسيمة بالنسبة لحقوق الإنسان ولاضطهاد على يد النظام السوري والميليشيات التابعة له شملت التعذيب والقتل الميداني والاختطاف".
إن إعادة اللاجئين إلى سوريا تعتبر خطوة محفوفة بمخاطر لا حصر لها، وذلك لأن كل من هرب أو عارض النظام في سوريا يعتبر خائناً أو موضع شك، وهذا لا بد أن يؤدي إلى إنزال عقوبة أو إلى اعتقاله بشكل تعسفي. كما أن تدهور الظروف الاقتصادية-الاجتماعية والإنسانية في دمشق وما حولها قد أدى إلى ظهور مخاطر أمنية جديدة أشد سوءاً، وهي بدورها لا يمكن أن يترتب عليها أي عودة طوعية آمنة وكريمة للاجئين.
خلال السنوات الماضية، نفذت الدنمارك أشد السياسات المعادية للهجرة في أوروبا، كان من بينها قانون المجوهرات الذي يبيح للحكومة بأن تضع يدها على بعض الأصول التي يمتلكها طالبو اللجوء بغية رفد تكاليف إقامتهم لديها. وفي عام 2018، وقعت الحكومة الدنماركية على اتفاق يقضي بنقل المهاجرين غير المطلوبين إلى جزيرة قصية غير مأهولة، كانت تستخدم فيما مضى لعزل الحيوانات التي تحمل مرضاً معدياً. إلا أن هذه الخطة تم التخلي عنها في وقت لاحق.
ثم دخل قانون جديد حيز التنفيذ في عام 2019 والهدف منه تغيير التركيبة الاجتماعية والعرقية لنحو 15 منطقة سكنية في البلاد يقطنها ذوو الدخل المحدود، نظراً لأنها تحولت إلى: "أحياء معزولة صعبة"، وبموجب هذا القانون، يتعين على الجمعيات السكنية أن تبيع أو تقوم بتجديد 40% من المساكن الموجودة في تلك المناطق. وقد خير السكان الحاليون بين منحهم بيوتاً أخرى في مناطق جديدة، أو أن يجبروا على الانتقال من تلك المناطق قسراً في حال رفضوا الخيار الأول، وذلك بحسب ما ذكره وزراء دنماركيون.
وفي حزيران 2021، أصدرت الدنمارك قانوناً يبيح لها أن تقوم بمعالجة طلبات اللجوء خارج أوروبا، حيث يسمح هذا القانون لكوبنهاغن بنقل اللاجئين من الأراضي الدنماركية إلى مراكز لجوء في دولة شريكة أخرى وذلك حتى يتم إجراء دراسة وتقييم لوضعهم. وماتزال الدنمارك تسعى للاتفاق مع دولة شريكة بخصوص ذلك، ولكن في شهر نيسان من العام الماضي، زار وزير الهجرة والاندماج الدنماركي، ماتياس تيسفاي رواندا في زيارة لم يتم الإعلان عنها لتلك الدولة الواقعة في أفريقيا الوسطى. وهناك وقع على اتفاقيات دبلوماسية تتعلق بطلب اللجوء وبمسائل سياسية، ثم أعلنت السويد في تموز 2021 أنها تتفاوض هي الأخرى مع "دول شريكة" بخصوص طالبي اللجوء.
بعدما أعلنت الدنمارك بأن دمشق أصبحت منطقة آمنة، أبلغت الحكومة الدنماركية أكثر من 200 لاجئ سوري بأنهم لن يتم تمديد إقاماتهم لديها، في تجاهل واضح لتقييم الحماية الذي أجرته مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين في عام 2021، والذي ورد فيه بأن: "التغيرات في الأوضاع داخل سوريا، ويشمل ذلك تحسن الوضع الأمني بصورة نسبية في بعض المناطق، لا تعتبر تغيرات أساسية ومستقرة ودائمة لتبرر إنهاء وضع اللجوء".
وبعدما أعلنت رئيسة وزراء الدنمارك مته فريدريكسن عن سياسة صفر طالب لجوء، يبدو أن رسالتها قد انتشرت، إذ بحسب ما ذكرته وزارة الهجرة وشؤون الاندماج في الدنمارك، فإن عدد طالبي اللجوء خلال عام 2020 قد هبط ليصبح الأدنى منذ عام 2015، عندما قام أكثر من 21 ألف شخص بالتقدم بطلب لجوء في الدنمارك، حيث أصبح العدد 1515 طالب لجوء في عام 2020.
وفي النقاش الدائر حول إعادة اللاجئين، قد يفاجئ البعض إن علم بأن اللاجئين لا يشكلون إلا 1-2% من مجمل عدد الأجانب الذين حصلوا على إذن الإقامة في الدنمارك خلال السنوات القليلة الماضية، حيث لم تستقبل بلديات الدنمارك إلا 489 لاجئاً جديداً في عام 2020.
وبذلك فإن الدنمارك خلقت سابقة خطيرة داخل الاتحاد الأوروبي وذلك عبر إلغائها لوضع "الحماية المؤقتة" الممنوح لمن أتوا من دمشق وريفها، الأمر الذي يخلف كثيرا من إشارات الاستفهام حول مصير الملايين من اللاجئين السوريين في مختلف بقاع العالم.
المصدر: ميدل إيست مونيتور