يبدو من الصعب اليوم على أي سوري تدبر أموره من دون أي مساعدة من صديق أو قريب، فكثير من العوائل السورية اليوم تعيش تحت خط الفقر وهو ما يزيد العبء على رب الأسرة وأفرادها لتدبر أمور معيشتهم، فحتى "موظف الدولة" الذي كان يتباهى بالراتب الشهري الثابت لم يعد قادرا على شراء الخبز.
موظفون يدفعون "للدولة"
في ظل الغلاء الخانق المحيط بالسوريين اليوم، يجهد موظفو القطاع العام لتأمين مصروف إضافي لتنقلاتهم من بيوتهم إلى العمل وبالعكس، ورغم التزام القطاع العام بتأمين مواصلات موظفيها وفق ما يسمى (مبيت الدوام)، ففي كثير من المؤسسات نجد مشكلات في هذه القصة ومشكلات دائمة يعاني منها الموظفون.
رنا موظفة في إحدى شركات القطاع العام تقتطع شهرياً جزءاً من راتبها لتدفعه للمواصلات، ورغم تأمين شركتها لباص لينقل الموظفين إلى العمل من بيوتهم وبالعكس فإن مشكلات الباص لا تنتهي، فيوماً يتعطل الباص ويوماً آخر لا يوجد وقود لتحريكه وهنا على رنا أن تستقل المواصلات العامة لتصل إلى عملها خوفاً من خصم في مرتبها، من دون أي رأفة من مرؤوسيها في ظل وضع المواصلات السيئ الذي لم تشهد سوريا مثله من قبل.
اقرأ أيضا: كيف يعيش موظف القطاع العام في سوريا بـ 100 ألف ليرة؟
أما رامز وهو أيضاً موظف في القطاع العام، فيعاني من المشكلة نفسها التي تعاني منها رنا إضافة إلى مشكلات كثيرة أخرى، فبحسب قوله هو "عامل سخرة" لدى الدولة بل إنه يجد نفسه يدفع للدولة لقاء عمله لديها وخدمته لها.
يقول لموقع تلفزيون سوريا: "راتبي يساوي ما يعادل 22 دولاراً لا يكفي للتدخين أو أجرة مواصلات.. هذا أقل من راتب أجير في محل خضرة، فعلياً أنا أعمل مجاناً لهذه الدولة".
مشكلات رامز ورنا هي مشكلات كل موظفي القطاع العام ممن لم يستطيعوا تأمين عمل خاص ولم يعتادوا تقاضي رشوة مقابل عملهم أو قد تكون الفرصة لم تسنح لهم أو طبيعة عملهم لا تتضمن تقاضي رشوة مقابل الخدمات التي يقدمونها للمواطنين.
تحسر على أيام الثمانينيات
أبو عبد رجل سبعيني يشعر بأن الأزمة الخانقة التي يمر بها السوريون اليوم لم يعهدها طوال سنين حياته، حتى أنه يقارن ما عاشه خلال ثمانينيات القرن الفائت بهذه الأيام، فوقتئذ رغم العقوبات التي تعرضت لها سوريا لم يصل السوريون إلى مرحلة يقتصدون فيها حتى في تناول الخبز. فاليوم هنالك كمية محددة من الخبز يسمح للعائلة شراؤها بالسعر المدعوم، وإن أرادت زيادة فعليها شراؤه من الباعة الجوالين بسعر السوق السوداء، حتى أصبح للخبز سعران.
ويتابع أبو عبد لموقع تلفزيون سوريا "رغم بطش وقسوة الأسد الأب لم نصل إلى المرحلة المزرية التي نعيشها اليوم، الابن يجوع شعبه وأوصلهم إلى مرحلة لا يقوون فيها على التمرد".
وبحسب تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" تم نشره في شباط من العام الجاري فإن هنالك 14.6 مليون محتاج في سوريا متوزعون على الشكل الآتي: 44.4 في المئة حاجة شديدة و22.5٪ حاجة شديدة جداً و3% وضع كارثي، ما يوضح أن وضع السكان في سوريا مزر والغالبية من السكان في حاجة لأساسيات الحياة.
ويقول التقرير إن 10 في المئة فقط من الأسر لديها دخل فوق كلفة الحد الأدنى لسلة الإنفاق في سوريا. هذا على الرغم من أن 64.1 في المئة من الأسر أبلغت عن وجود فرد واحد على الأقل من أفراد الأسرة - العمل بأجر وبعبارة أخرى، لم يعد يسدد أبسط احتياجات الأسرة. تشهد سوريا زيادة سريعة في أعداد "العاملين الفقراء".
أمراض ستعاود الظهور في سوريا
بحسب ليزا طبيبة في مجال التغذية فإن الأجيال المقبلة من السوريين والأجيال الحالية سيظهر لديهم بعد عدة سنوات أمراض اختفت من سوريا ستعود للظهور مجدداً بسبب سوء الوضع الغذائي، فبحسب التقرير نفسه فإن نحو 54 في المئة من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وإن 44 في المئة من الأسر السورية تستهلك أنظمة غذائية رديئة بانتظام بسبب ضعف القدرة على التكيف مع تزايد انعدام الأمن الغذائي.
التقرير نفسه أكد مخاوف ليزا بخصوص وضع النساء والأطفال وصحتهم النفسية والجسدية، فنحو 553 ألف طفل يعانون من سوء التغذية المزمن و245 ألفاً يعانون من سوء التغذية الحاد في حين أن 265 ألف سيدة حامل ومرضعة يعانين من الهزال الحاد، هذا فضلاً عن أن ثلث الأسر أكدت ظهور أعراض اضطراب نفسي على أطفالهم.
"المخيف ليس فقط أرقام الإحصائيات والنتائج المترتبة عليها، المخيف هو مشكلات الأجيال المقبلة الصحية والنفسية، وحالات الأمراض التي سنواجهها". تقول د.ليزا.
كيف تعيل الأسر السورية نفسها؟
بحسب المتداول فإن قسماً كبيراً من السوريين يعيشون على ما يرسله أقرباؤهم إليهم من أموال شهرياً وهو ما تستفيد منه حكومة النظام عبر الرسوم التي تتقاضاها من كل عملية تحويل أموال.
في تموز الماضي قالت صحيفة الوطن المقربة من النظام، إن نحو نصف السوريين يعتمدون على الحوالات، "وبفرض أن متوسط حوالات السوريين بمختلف أنواعها تصل إلى 300 مليون دولار شهرياً، بمتوسط 100 دولار للحوالة الواحدة، فإن نحو 3 ملايين حوالة يتسلمها أرباب الأسر".
وأضافت: "بمقارنة هذا الرقم مع العدد الكلي للسوريين في الداخل بحسب تقديرات المكتب المركزي للإحصاء الأخيرة، تكون نسبة المستفيدين من السوريين في معيشتهم من الحوالات هي نحو نصف عدد السكان".
ليث شاب عشريني في مرحلة الجامعة يعمل إضافة إلى دراسته ليساعد أهله في مصروف المنزل خاصة أن رواتب والديه لم يعد يكفي حتى أسبوع واحد، وحالة ليث واحدة من حالة كثر من الشبان الذين يعملون إلى جانب دراستهم أو حتى يضطرون إلى ترك دراستهم والعمل.
ويؤكد ليث (طلب عدم ذكر اسمه كاملاً) أن معظم العوائل التي تقطن في حيهم تعيش على ما يرسله أبناؤها المغتربون في دول الخليج أو اللاجئون في أوروبا ولولا ذلك لكانت الأمور كارثية.
وبحسب التقرير المذكور سابقاً فإن نحو 69 في المئة من الأسر السورية تكبدت مزيداً من الديون منذ منتصف عام 2020.
ويضيف التقرير أن نحو 36 في المئة من الأسر أفادت بعدم انخراط أي من أفرادها في العمل، وهذا ما يؤكده يزن الشاب الذي لم يتجاوز العشرين من عمره والذي يعمل بالمياومة ليؤمن الغذاء اليومي لأهله، فتارة يعمل كناقل بضائع أو أجير في ورشات البناء أو أي عمل يساعده على تأمين قوتهم اليومي. رغم أن عائلة يزن وكثيراً من العوائل السورية تعتمد على المساعدات التي تقدمها منظمات الإغاثة إضافة إلى المساعدات التي يقدمها المغتربون السوريون في فترات الزكاة كالأعياد والمناسبات الدينية.