لم يعد مهماً شخصية أو جنسية من يقوم بحرق نسخة القرآن في دولة السويد، فكل مرة يخرج لنا شخص بهوية جديدة وبادعاءات جديدة كأنه يتم تلقينه وتدريبه عليها يجعل العقول تحَار حول موقف تلك الدولة التي تريد الانضمام إلى الناتو، وتريد توسيع علاقاتها مع العالم العربي والإسلامي تجارياً واستثمارياً، وحتى الدولة التي تمانع إلى الأن دخولها في حلف شمال الأطلسي هي دولة مسلمة.
التساؤلات هنا كثيرة لماذا التوقيت كان في أيام العيد المباركة وأيام الحج، تلك الأيام الأهم لدى المسلمين لتمنح السلطات السويدية الموافقة على طلب حرق نسخة من المصحف في تلك الأيام، ولمَ لم تنتظر لأيام أخرى، ولماذا لم تأخذ بعين الاعتبار أن هذا الأمر قد يغضب تركيا ذلك العضو المسلم في حلف الناتو والرافض للانضمام حتى الآن، هنا لا يمكن اعتبار ما حصل مجرد مصادفة ولا يمكن اعتبار ما حصل أنه من باب عدم معرفة السلطات السويدية بالعالم الإسلامي وأعياده وهي التي لديها ما نسبته 8% من سكان البلاد من المسلمين.
المعضلة القادمة سوف تكون في العلاقات التركية السويدية والعلاقات التركية مع محيطها الإسلامي، فالكل يعرف موقف تركيا من انضمام السويد لحلف الناتو والشروط المرتبطة بهذا الانضمام
قد يكون الأمر أن هناك صراع لوبيات في الداخل السويدي وفق مصالح سياسية معينة، فمنهم من يريد الانضمام إلى الناتو ومنهم من يريد بقاء السويد على ما هي عليه من دولة محايدة، وعدم وضع السويد دولة مواجهة ضد روسيا أو أن هناك من يريد إحراج الحكومة السويدية من أجل إيجاد صيغة إخفاق معينة كي يتم استثمارها سياسياً ضد حزب العمال الديمقراطي الاشتراكي السويدي الحاكم، وربما هناك من يريد إثبات أن السويد دولة علمانية وأن مسألة الدين مجرد مسألة رأي ويمكن انتقاد هذا الرأي، وأن الفلسفة العامة في السويد هي فلسفة شبه إلحادية وأن الدين مجرد اعتقاد فكري، وأن الفلسفة الاجتماعية في السويد لن تتغير حتى لو زاد عدد العائلات المسلمة فيه.
حتى في حال منعت السلطات السويدية تصاريح السماح بحرق المصحف الشريف فإنها لن تسن قانوناً بهذا لأنها سوف تفتح عليها أبواباً كثيرة من أصحاب الديانات الأخرى
المعضلة القادمة سوف تكون في العلاقات التركية السويدية والعلاقات التركية مع محيطها الإسلامي، فالكل يعرف موقف تركيا من انضمام السويد لحلف الناتو والشروط المرتبطة بهذا الانضمام، وما تطلبه تركيا من سن قوانين جديدة في الدستور والقضاء السويدي يتم بموجبه منع استخدام الأراضي السويدية أن تكون منطلقاً لمهاجمة تركيا سياسياً أو إعلامياً، أو أن تكون تجمعاً لأحزاب كانت صنفتها تركيا في قائمة الإرهاب، وتسليم المطلوبين لديها، وفي حال طبقت السويد هذا وما اصطلح عليه ورقة العمل الثلاثية فإن تركيا سوف توافق على انضمام السويد أو بالأصح لن يكون لدى تركيا حجة ممانعة أو رفض انضمام السويد إلى حلف الناتو، وهذا سوف يُحرج تركيا أمام العالم الإسلامي في حال استمرت السويد بالسماح بحرق نسخ من القرآن الكريم بأي حجة كانت، أو إيجاد صيغة أخرى من أجل انتقاد المسلمين مثل الرسوم المسئية أو غيرها، وأيضاً في حال استمرت تركيا بممانعة انضمام السويد لحلف الناتو بعد تنفيذ الشروط التركية فإن تركيا سوف تكون محرجة أمام حلفائها في الناتو والغرب كله، وفي الوقت نفسه من الصعوبة بمكان أن تفرض تركيا على السويد سن قانون منع حرق المصحف والمساس بمعتقدات المسلمين من الناحية النقدية والفكرية وإلا لكانت فعلت دولٌ إسلامية هذا الأمر مع السويد قبلاً ولا أظن أن السويد سوف تقبل ذلك لاعتبارات فكرية وسيادية بالنسبة لها، وحتى في حال منعت السلطات السويدية تصاريح السماح بحرق المصحف الشريف فإنها لن تسن قانوناً بهذا لأنها سوف تفتح عليها أبوابا كثيرة من أصحاب الديانات الأخرى وخاصة أن السويد جزء من الدول الإسكندنافية (شبه جزيرة إسكندنافيا) ذات الفكر والمنهج العلماني البحت.
لعل قائلا يقول إن على تركيا اتخاذَ مسلكين متوازيَين في الوقت نفسه، مسلكٍ مباشرٍ مع السويد وفق مصالحها الخاصة كدولة ومسلكٍ ثانٍ مُوازيٍ مع رابطة دول العالم الإسلامي من أجل تشكيل كتلة ضغظ كبيرة سياسياً واقتصادياً ضد السويد لدفعها نحو تغيير قوانينها في هذا المجال، وخاصة ما يمسّ العالم الإسلامي، وإلا فإن العقوبات أو المقاطعات الاقتصادية ضدها إضافة إلى الرفض التركي في مسألة انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي قد ينتج عنه تهديدٌ حقيقيٌّ للسويد على الصعيد الإستراتيجي والاقتصادي لإرغامها على التراجع، وفي الوقت نفسه سيجعل المجتمع السويدي يطرح تساؤلاً مهماً: من الذي يمنع انضمام السويد لحلف الناتو؟ هل هي تركيا أم التصرفات اللامسؤولة والصراعات الداخلية داخل العمق السياسي السويدي؟